وسط زحام التريند، وزخم الخلافات والمشاحانات، والساعات التي يقضيها الشخص ماسكًا بهاتفه المحمول معزولا عن العالم، ومستسلما لتلك الشاشة، كنت دائما أبحث عن البهجة بعيدا عن الشجار والأنباء السيئة والأخبار الزائفة.. ووجدت ضالتي في فيديوهات كانت بمثابة محطة مبهجة في التايم لاين، كانت لممثلة شابة تقدم نفسها باسم «كوتّة»؛ وتقدم اسكتشات تجسد فيها يوميات عائلية تجدها في أي بيت مصري. فضول المشاهد داخلي، فجّر العديد من التساؤلات عن «عائلة كوتة».. تُرى من هذه الفتاة؟ وما وراء هذه الفيديوهات؟ وكيف سيكون مستقبلها؟ وهل تخطط للتحرر من كاميرا الهاتف والفيديوهات القصيرة والتطلع لما هو أكثر احترافية؟ أم أن التحرر ذاته هو ما تشهده وتعيشه الآن بينما سيكون الاحتراف قيدًا؟ تُرى كيف اكتشفت ذاتها؟ وكيف باتت راضية عن محتواها؟ وهل تنجح خارج ثوبها الفني؟ لم أجد طريقًا أقصر من مراسلة «كاترين» الشهيرة ب«كوتة» للإجابة عما مضى من أسئلة، وفيما يلي تصريحاتها مع الشروق. «كاترين» اسمها الحقيقي أو كما قالت لنا «المذكور في البطاقة»، ولكنها استبدلته ب«كوتة» فهو اسمها الرائج منذ الصغر، والذي اتخذته أيقونة لها عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي. صاحبة ال26 عاما، فاجئتنا بعدم دراستها التمثيل، فرغم بساطة الإمكانيات إلا أنها لم تخل من لمسات احترافية -أتت بالموهبة والاطلاع- مثل الماكياج والديكور والسيناريو المحكم، والمونتاج رغم بساطته ولكنه تميز بموسيقى مختلفة، وتأثيرات جيدة؛ ساعدت «كوتة» في إيصال محتواها. • «كوتة».. من التمثيل أمام العائلة إلى 11 مليون مشاهدة «كاترين»، نشأت في عائلة لم يحترف فيها أحد التمثيل أو يهواه سواها، وتحكي عن أول إضاءات الحلم في طفولتها قائلة: «كنت فى سنة أولى ابتدائى، وفي حصة فاضية، المدرسة طلبت مننا كل واحد يقول حاجة عن نفسه، بيحب يعمل إيه أو يلعب إيه، وأنا قررت أمثل مشهد، ولما رجعت البيت حكيت لهم وأنا مبسوطة جدًا، وحاولت تقليد كل المشاهد اللي شفتها في التلفزيون، ومن هنا تأكدت من شغفي». لبّت «كوتة» نداء الشغف من الصف الأول الابتدائي، وفتشت داخلها كثيرا عن بقية الهوايات، فلم تجد نفسها في الرسم أو اللهو أو الموسيقى.. بل دائما ما تترك كل شيء وتنفرد بنفسها وتبدأ في تقليد مشاهد الأفلام والسملسلات، قائلة: «بسيب أي حاجة وأشغل فيلم، وياه لو عارفاه، بكون مبسوطة بنفسي جدًا علشان حافظة المشاهد، وأفضل أعيدها مرة واتنين». وجعلت الدنيا مسرحًا لها، وكان أفراد أسرتها هم جمهور الصف الأول والوحيد -مؤقتًا بالطبع- الذي يشاهد تمثيلها، تُكمل: «التمثيل أمام أسرتي ده شيء روتيني.. أقولهم عاوزاكم في موضوع مهم، وأول ما يركزوا أبدأ أمثل، ومش مسموح لحد ينسحب أبدًا». • السوشال ميديا.. كاترين لم تمش خلف التريند «يمكننا أن نجعل أنفسنا ممثلين، لكن الجمهور فقط هو من يمكنه أن يصنع نجمًا»، هكذا تحدث الممثل والمخرج الأمريكي خوسيه فيرير، والذي حاز جائزة أوسكار من قبل، في إشارة إلى أهمية الجمهور للممثل؛ وهذا ما أردكته «كوتة» التي بحثت عن مشاهدين جدد، وحاولت استغلال منصات التواصل الاجتماعي لجذب الأنظار وإثبات ذاتها. تحكي عن تجربتها مع السوشال ميديا قائلة: «كنت خائفة جدًا من رأي الناس، كنت أخشى عدم تقبلهم للمحتوى الذي أقدمه، كنت أصور الفيديوهات وأحتفظ بها لنفسي، ولكن بسبب تشجيع أسرتي وأصدقائي قررت أن أخوض المغامرة، وقلت لنفسي على الأقل هكون غامرت وأخدت أول خطوات حلمى بدل ما اندم إنى خفت ومجربتش». اليوم باتت كاثرين، اسمًا في قوائم البحث لدى الكثيرين، بل والمفضلة لهم أيضًا على مختلف المنصات، فمحتواها حقق 11 مليون مشاهدة على فيسبوك، انسجترام، يوتيوب، تيك توك، وبلغ متوسط متابعيها 500 ألف شخص. تضيف: «السوشيال ميديا باتت ساحة للموهوبين»، موجهة رسالة إلى كل الموهوبين باستغلال هذه المنصات والسعي من خلالها، قائلة: « حابة اقول لكل حد هيشوف كلامى لو عندك اى موهبة إبدأ دلوقتى ومتضيعش الوقت، صدق حلمك وهتوصل». بالحديث عن كلمة السر في طريقها، ترى أن الاستمرارية كانت التحدي الأكبر؛ لذلك ذكرت اسم صديقتها المقربة «إيفا» والتي امتازت هي الأخرى بنشر محتواها -في الصحة والجمال- عبر المنصات، وشاركت «كوتة» في أكثر من فيديو. نصيحة إيفا لصديقتها كانت: «استمري»؛ موصية إياها بالاستمرار وتجنب الكسل، ومواصلة السعي من أجل الوصول... تلك النصيحة التي لم تتخل عنها إيفا. • عائلة كوتة.. دقائق لضحك لا يفتقد القيمة فيديوهات مدتها دقائق بسيطة، ربما من 3 إلى 4 دقائق، وأحيانا تقصر لتكون جرعتها في دقيقة واحدة أو أقل (REELS)، ولكنها جرعة بهجة مكثفة على هيئة فيديو.. فضغطة إصبع على زر التشغيل كفيلة لنقلك إلى عالم كوتة الذي حتمًا ستجده يشبه عالمك. تقول كاترين، إن المحتوى قائم على عائلة كوتة، والتي تشبه إلى حد كبير بقية العائلات، فهي تظهر في الفيديوهات بشخصيتها الحقيقية (كوتّة)، وتجسد دور الأم، وكذلك الأب (أبو عادل)، والأخ الأكبر (عادل) ويشاركها كثيرًا شقيقها يوسف في دور الأخ الأصغر. تسعى جاهدة لأن يكون الفيديو هادف، مثلما جسدت معاناة الطلاب في الثانوية العامة؛ وقدمت محتوى يخاطب الكبير والصغير ولا يتهم أحد بالتقصير ولكنه يحرك القالب النمطي للثانوية العامة الذي عاشت الأسرة المصرية أسيرة له طيلة السنوات الماضية. وذكرت أنها تلقت رسائل تفيد بتغير معاملة بعض أولياء الأمور للأبناء؛ بعد مشاهدة الفيديو، كذلك الأمر في فيديو عن ضرورة الاهتمام بالأم وعدم إهمالها ونسيانها في زخم الحياة، ذاكرة أنها تلقت رسائل تفيد بتغيير معاملة الأم بعد هذه الحلقة. تقول: «الضحكة من القلب رسالة.. وهذه قناعتي، لكن دائما أشعر بمسؤولية تجاه أي شخص يشاهد أعمالي؛ لذلك أفكر في تطوير المحتوى ليتضمن رسالة هادفة إيجابية يمكن أن تؤثر في الآخرين.. بجانب الضحك». وعن ردود الأفعال، أوضحت أنها تسعد دائما بالرسائل والتعليقات: «يسعدني كل شخص اخد من وقته وكتبلى رسالة عشان بس يعرفنى إنه بيدعمنى وبيحبني، وإني كنت سبب ضحكة من قلبه او تغيير للأحسن حصل في حياته». وبالطبع حصد الثمار هو اللحظة الأسعد والأجمل لمن نثر البذور، وهذا هو الأمر مع «كاترين» التي تشعر بحصد ثمرة اجتهادها، مع كل رسالة تبرهن على تحقيق ما سعت إليه ومن أجله، قائلة: «لما بتيجي لي رسالة فيها دعوة حلوة زي ربنا يفرحك زي ما فرحتينا وضحكتينا، بفرح جدًا». وتراعي أيضًا أن تكون الفيديوهات صالحة لصغار السن، تكمل: «بسعد جدًا لما أم تبعت لي رسالة وتقول إنها بتسيب لأولادها الموبايل على فيديوهاتي وهي مطمئنة.. ده شيء كبير، يشجعني أطور المحتوى وأقرب أكتر منهم». محتوى عائلة كوتة من تصوير أصدقاء كاترين المقربين واخوتها، بينما الكتابة لها ولصديقتها إيفا، وتؤدي هي دور المونتاج. • حلم.. بصمة داخل كل البيوت المصرية الحلم لا حدود له، وربما يسعى المرء للسير على درب من يحب؛ لذلك سألنا كاترين عن المثل العليا لها في التمثيل، لتجيب: «من الجيل القديم اعشق سعاد حسني، شادية، فاتن حمامة، وغيرهن.. بينما حديثا حنان مطاوع، منى زكي، نيللي كريم، منة شلبي، وغيرهن أيضًا» ولكاترين طموح لن تتخلى عنه، وهو أن تسعد كل البيوت المصرية، تقول بشغف: «أتمني إن مفيش بيت مصري غير وأكون سبب في ضحكة جواه، ويكون ليا دور مؤثر عليه»، وهذا ليس ببعيد عن كوتة، التي اليوم باتت تعرض حلقاتها على تلفزيون النهار.
قبل أن ننهي حوارنا، سألت كاترين عن بعض التعليقات السلبية، ولكنها ردت بثقة مبهرة، بأنها لم ترصد سلبيات سوى بعد التعليقات الشخصية مثل انتقاد «خصلات شعرها البيضاء»؛ مضيفة: «ناس كتير بتبعت تنتقد إني مش بصبغ شعري، ولكن ده عمره ما ضايقني»، متسائلة: «كيف أستاء من شخص يسخر من شعري الأبيض؟ في الواقع أنا حزينة عليهم». بهجة كوتة في الفيديوهات، امتدت طيلة الحديث معها وحتى كتابة تلك السطور، كانت إيجابية ومؤثرة ومتطلعة، كاترين جسدت طبقة كبيرة من الشباب طالما بحثوا عن أنفسهم، ولم يجدوا فرصة، فكانت كاترين إحدى المتمسكات بالقيمة، والباحثات عن الطموح، والسائرات خلف الشغف.. المجد لكاترين ولكل من شابهها.