كانت آسيا فى عام 1820 مع بداية العصر الصناعى مسئولة عن ثلاثة أخماس الناتج العالمى (60%). وبحلول عام 1940 كانت هذه النسبة قد تراجعت إلى خُمس واحد، على الرغم من أن آسيا كانت حينها موطنا لثلاثة أخماس تعداد سكان الكرة الأرضية. ثم حدث النمو الاقتصادى السريع الذى كان سببا فى صعود النسبة من جديد لتصل إلى خمسى (40%) إجمالى الناتج العالمى فى يومنا الحاضر. ويتوقع البنك أن تتمكن آسيا من العودة إلى مستوياتها التاريخية بحلول عام 2025. آسيا انبعثت من جديد مع النجاح الاقتصادى الذى أحرزته اليابان، باعتبارها أول دولة غير غربية تتساوى مع الغرب فى الحداثة والمعاصرة. دينج شياوبينج يرعى سياسة «الإصلاح والانفتاح» فى الصين عام 1979، فكان تعبير «الإصلاح» يشير إلى تخفيف القيود والضوابط المركزية على الحياة الاقتصادية. واتخذ ذلك الإصلاح خطوات تدريجية عملية، واستند على مقولات اعتبرت عاملا مضادا لأيديولوجية «الثورة» التى ابتكرها ماو. وعلى نحو مشابه، كان تعبير «الانفتاح» بمثابة المؤشر إلى اندماج الصين فى المجتمع الدولى، خاصة الغرب الرأسمالى. ومازالت السياسة الصينية تسترشد بالمبادئ التى أرساها دينج حتى يومنا هذا. تحولت الصين والهند إلى عملاقين يستندان إلى تعداد سكانى هائل ومعدلات نمو اقتصادى كبيرة. ولم يعد النمو الذى تشهده مصادر القوة فى الدولتين لا يقتصر على القوة العسكرية أو «القوة الخشنة» فحسب، بل إن المؤشرات تؤكد أن هذا النمو يمتد أيضا إلى مصادر القوة الناعمة. ففى عام 2000، حصل الكاتب الروائى الصينى جاو زيانجيان على أول جائزة لنوبل يفوز بها صينى فى مجال الأدب، وبعد عام واحد فاز بنفس الجائزة الكاتب الهندى فى.س.نايبول. الكاتب الأمريكى توماس فريدمان، قال فى كتابه «العالم المسطح» فى عام 2005: إن التكنولوجيا الجديدة وطرق الإنتاج وأنظمة المعلومات صارت متاحة لكل فرد فى سائر أنحاء الكرة الأرضية. كما أن الإنترنت نجح فى عولمة المعرفة. ويرجح فريدمان احتمال صعود الهند والصين إلى مصاف القوى الكبرى بفضل الكثافة السكانية العالية فى البلدين، حيث يحتضنان ثلث سكان العالم حاليا، وهو ما يجعل الشركات المتعددة الجنسيات تنظر إليهما باهتمام، فيما يخص قطاع البحوث والتطوير الذى يشهد نموا كبيرا. المفكر السياسى والصحفى فريد زكريا روج لفكرة صعود القوى الأخرى فى مجلة «نيوزويك»، ثم فى أحدث كتبه «عالم ما بعد أمريكا»، الصادر عام 2008، مذكرا الولاياتالمتحدة أنها لابد أن تقبل بصعود الآخرين مادام أنها لم تعد فى موقع القلب من المجتمع السياسى والاقتصادى الدولى، وأن آسيا تستفيد من التعداد البشرى الرهيب وتحرير العقول فى الوقت الذى تعانى الديمقراطيات الغربية من تراجع فى التعداد السكانى يضعها فى ورطة كبرى. ورغم استمرار تدنى مستويات الرعاية الصحية فى الهند والمناطق الريفية فى الصين، فإن القادرين على الاستفادة من المناخ الجديد وانفتاح العقول فى ازدياد. فقد كانت الصين فى حالة ابتعاد عن الثقافة الغربية لأكثر من 200 عام حتى فتحت الأبواب للجميع، وتقبلت فكر السوق المفتوحة والليبرالية الاقتصادية.