علقت إحدى الفتيات المنتقبات على قرار سابق لوزارة التعليم العالي في مصر بضرورة منع المنقبات من دخول قاعات الامتحانات ما لم يكشفن وجهوهن: "إذا كان لزاما علي خلع النقاب، فليكن ذلك في لجنة امتحانات للطالبات فقط، وليكن المشرفون على اللجان من النساء، وكذا يكن حراس اللجان من النساء". وعلى الرغم من إلغاء المحكمة للقرار لاحقا، ولا يزال قيد البحث، إلا أن رفع شعار "للنساء فقط" على أماكن بعينها، كانت حتى وقت قريب لا يحظر فيها الاختلاط بين الجنسين، بات مطلبا لدى فئة من النساء في أعمار مختلفة، فيما تخوفت منه كثيرات. في القاهرة مثلا، ظهرت سيارة أجرة تقودها امرأة وتسمح فقط للنساء بالركوب. كما قام أكثر من مقهى برفع شعار "للنساء فقط"، في حين لا تزال المقاهي المختلطة منتشرة في كل أنحاء مصر. كما تبنت إحدى الفنانات المصريات المعتزلات، منذ فترة، فكرة "كوافيرة للنساء المحجبات فقط"، وطبقتها في القاهرة، ويتردد على المكان عدد لا بأس به من اللواتي يفضلن قص شعرهن بأصابع نسائية وليس رجالية، ولا يدخل المكان إلا المحجبات فقط. ويجرى العمل في أماكن مختلفة بنظام تخصيص وقت معلن للنساء فقط بحمامات للسباحة وحلبات الجري، وصالات الألعاب والتمارين الرياضية، ومراكز التجميل وصالات تعليم الرقص، على أن يكون قاطبة الحضور من النساء. وانتشرت في السنوات الأخيرة أيضا ظاهرة الشواطئ النسائية، التي يحظر على الرجل التواجد فيها حتى في حالات الطوارئ. تغريم المخالف وكانت وسائل النقل العام المصرية قد خصصت عربات بعينها في مترو الإنفاق للسيدات فقط، ويغرم أي رجل يركب هذه العربات حتى وإن كان ركوبه سهوا. في جامعة الأزهر يفصل بين الطلاب والطالبات تماما في الحرم الجامعي، إلا أن المحاضرين هم عادة من الجنسين. لكن في باقي الجامعات المصرية والأجنبية في مصر يظل التعليم مختلطا. أما المراحل المدرسية الأخرى فهي تفصل بجميع مراحلها، عدا بعض المدارس الخاصة، بين الجنسين في المقاعد، حيث تخصص مقاعد للجنسين على حدة داخل الفصل. وأحيانا تخصص فصول كاملة لكل جنس. حرية شخصية بعض النساء يقبلن بفكرة العزل عن الرجال، ويرين أن من حقهن التمتع بأنشطتهن بحرية من دون "تلصص أو رقابة" الرجل. وتقول سحر، التي درست في مدارس للبنات، أن تخصيص أماكن للنساء فقط يشعرها بالراحة لأنها على ثقة بأن لا احد سيفسد عليها بهجتها من الرجال. وتضيف سحر أن الاختلاط حرام شرعا، وتشير إلى تخصيص وسائل مواصلات للسيدات فقط تحميهن من التحرشات والسخافات التي يتعرضن لها في الشارع والحافلات العامة. أما ليلى، التي تدير إحدى محلات تصفيف الشعر النسائية، فتقول أن زبائنها من النساء يصلن إلى المئات، ويأتين إليها من كل مكان في القاهرة وخارجها. وتضيف أن الكثير منهن يفضلن أن تجملهن امرأة مثلهن لأن ذلك "يشعرهن بالراحة والطمأنينة والثقة". رانيا، البالغة من العمر عشرين عاما، ترغب في ارتياد شاطئ للنساء فقط لأنه "يوفر لها الحرية الكاملة" في ارتداء ما تشاء، واللهو واللعب من دون احتكاك بالجنس الاخر. هالة تعمل مترجمة ولديها سيارة خاصة وهي متزوجة ولها ابنان، وتقول أنها تؤيد فكرة تخصيص عربات في مترو الأنفاق أو حتى حافلات للنساء والفتيات فقط باعتبار أن الشارع المصري غير مطمئن بالنسبة لهن. لكنها في ذات الوقت رفضت فكرة تخصيص شواطئ أو مقاه أو حتى محلات تصفيف الشعر والتجميل حصرا للنساء. وتؤكد هالة أن واقع الحال يقول أن المرأة جزء أصيل من المجتمع وهي شريكة للرجل في كل شيء. المجتمع المصري بطبعة يميل "إلى حفظ كرامة المرأة ومن ثم خصص لها مكانا ومكانة على مر العصور. تصرفات شاذة ووافدة وتقول زميلتها نهلة أن فكرة المقهى النسائي لم ترق لها ، وتقول: لا اطمئن لسلوكيات عدد من البنات في المقهى، لاسيما وأن الرقابة عليه من السلطات ستكون صعبة، مما قد يحوله لاحقا إلى وكر لأشياء كثيرة لاحقا". سكينة فؤاد، الكاتبة الصحفية المصرية، ترى في تخصيص أماكن معينة للنساء تحت شعار للنساء فقط "تراجع سببه تداع عام في الثقافة والأدب والاستسلام لثقافات وافدة". لكنها تؤكد أن هذا التيار "لن يستمر إذا تمت مواجهته بفكر مستنير في كل مناحي الحياة"، وأن الأمر لم يتحول إلى "ظاهرة مخيفة بعد" لكنه موجود. وترى نهاد أبو القمصان، مديرة المركز المصري لحقوق المرأة أنها "ردة نتجت عن مؤثرات خارجية قادمة من البلدان النفطية خصوصا". وتحذر أبو القمصان من أن هذا المنحى "سيضعف من مكانة المرأة ويقضي على منجزات كثيرة تحققت في العقود السابقة، تمكنت فيها المرأة من تولي مناصب رفيعة، بينما صارت حاليا مهددة مجددا". صحوة دينية الدكتور حسام عقل الأستاذ بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس يحيل الظاهرة إلى عدة أسباب منها ما يراه "انهيارا المشروع الاشتراكي في الستينيات والسبعينات من القرن الماضي في مصر، مع هزيمة يونيو 1967، عندما كان هذا التيار مؤيدا للاختلاط بقوة على عكس أعراف وقيم المجتمع المصري". ويعتقد أن: "الصحوة الإسلامية التي تنامت مع نهاية السبعينيات وفي الثمانينيات مع تنامي دور التيار الديني بعد فقدان الثقة في الطرح الاشتراكي الذي كان يضع الدين في خانة محدودة، إلى جانب تزايد عدد السكان في المناطق الحضرية، لاسيما القاهرة، ونشوء سلوكيات الزحام التي تقيد حق المرأة في الحركة والتنقل والتصرف بحرية". ولا يتفق الأكاديمي مع القول أنه تحول ناتج من ثقافة مستوردة من منطقة الخليج، بل يرى أن المجتمع المصري بطبعة يميل "إلى حفظ كرامة المرأة ومن ثم خصص لها مكانا, ودعا عقل إلى عدم التخوف من رغبة قطاعات من المجتمع إلى الميل الديني، غير أنه شدد على ضرورة عدم التطرف والإسراف في هذا التوجه، مؤكدا على تكريس الاعتدال والوسطية.