أثار الحكم الصادر بالسجن المؤبد على المعارض التركي عثمان كافالا، الذي احتجز في 17 أكتوبر 2017، حيث رفضت أنقرة إطلاق سراحه رغم مطالبات حلفائها الغربيين بذلك عدة مرات، ردود فعل غاضبة ضد تركيا في الداخل والخارج، وصولًا إلى أزمة دبلوماسية حادة تمثلت في استدعاء سفراء. الحكم ضد كافالا - الناشط المجتمعي ورجل الأعمال - أصدرته المحكمة الجنائية العليا الثالثة عشرة في إسطنبول، التي عقدت قبل أيام جلسة استماع، لمرافعة محامي المتهمين، أعقبها قرار المحكمة بالسجن المؤبد لرجل الأعمال. وحكمت المحكمة على المتهمين الآخرين موشيلا يابيجي، وجديم ماتر، وهاكان ألتيناي، وماين أوزيردين، وكان أتالاي، وتيفون كهرمان، وإيجيت علي إكمكجي، بالسجن 18 عاما لكل منهم بتهمة "المساعدة في جريمة محاولة قلب نظام الحكم". ويستعد محامون يتولون مهمة الدفاع عن كافالا في المحاكم التركية لطلب الاستئناف الذي سيقدم للمحكمة في إسطنبول. قضية كافالا المولود في باريس، والمعروف بأنشطته المجتمعية الواسعة، أثرت بشكل كبير على العلاقة بين تركيا وحلفائها في الغرب، وهو يقبع في السجن منذ عام 2017، وقد تسبّبت دعوة سفراء 10 دول إلى الإفراج عنه في أكتوبر الماضي، بأزمة دبلوماسية بين أنقرة ودول غربية. واتهم كافالا بداية بتمويل موجة تظاهرات حديقة جيزي عام 2013، وبرأته المحكمة من هذه التهمة وحكمت له بالبراءة في فبراير 2020، لتصدر الشرطة مباشرة قرارا بتوقيفه، حيث اتهمته محكمة أخرى لاحقا بالتورط في محاولة انقلاب 2016 الدامية التي أطلقت العنان لحملة أمنية استمرت سنوات وتم خلالها سجن عشرات آلاف الأشخاص أو تسريحهم من وظائفهم الحكومية، وفق إعلام تركي معارض. الحكم على عثمان كافالا أثار ردود فعل غاضبة، إذ اعتبرها سياسيون معارضون أحكامًا مخزية وتبرهن على تسييس القضاء وفق تعبيرهم، وتعهد زعماء المعارضة بإلغاء أحكام السجن الصادرة بحق رجل الأعمال الشهير والسبعة الآخرين، في قضية قال المحامون إنها أظهرت أن المحاكم أصبحت أداة انتقام للحكومة، وفق تعبيرهم. وقال كيليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، إنهم سيواصلون النضال ضد ما أسماها "الممارسات الجائرة وغير القانونية". وأضاف: "إن لم يمكن المرء يمتلك شيئا يموت لأجله فهو لم يعش أبدا. اتعهد في حضوركم وحضور الشعب أنني لن أتوقف وسأواصل النضال. لذا إما أن تنضموا إلي أو تبتعدوا عن طريقي". كما تناول الرئيس السابق عبد الله جول، هذا الملف، قائلًا إن إصدار هذه الأحكام في فترة أصبحت فيها حقوق الإنسان والممارسات القضائية داخل تركيا محط شبهات أضر كثيرا بأنقرة، ووصف الأحكام الصادرة ب"المخزية"، واعتبرها تعكس مدى ابتعاد تركيا عن العالم المعاصر، وأنها تشكل عبئًا كبيرًا على بلاده. وتجمع الأسبوع الماضي، أكثر من 1000 شخص في شارع ضيق قرب ميدان تقسيم؛ للاحتجاج على الحكم، وردد المتظاهرون هتافات تقول "الحرية للسجناء السياسيين". ونظّم المحامون احتجاجًا أمام مبنى محكمة إسطنبول، كما تجمع نحو 300 شخص وسط أنقرة لرفض الحكم. على الصعيد الدولي، أثارت الحكم على المعارض التركي موجة غضب، إذ قالت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إنّ قرار محكمة إسطنبول يتعارض بشكل صارخ مع قواعد سيادة القانون والالتزامات الدولية التي وقعت عليها تركيا كعضو في مجلس أوروبا ومرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي. أحد أكبر ردود الفعل تمثّل في استدعاء سفراء بين أنقرةوبرلين على خلفية هذا الحكم، إذ بدأ الأمر باستدعاء وزارة الخارجية الألمانية السفير التركي لدى برلين؛ للاحتجاج على الحكم الصادر بحق كافالا، فردت السلطات التركية باستدعاء السفير الألماني لديها. وندد المتحدث باسم المستشار الألماني أولاف شولتس بالحكم، واعتبره مؤشرًا مدمرًا للمجتمع المدني التركي ككل ووضع سيادة القانون. وقال متحدث باسم الخارجية، إنه تم إيضاح موقف الحكومة الألمانية على نحو جلي للسفير خلال المحادثة يوم الجمعة، مضيفًا أن برلين طلبت الإفراج فورا عن كافالا. في المقابل، قالت مصادر دبلوماسية تركية، مساء الجمعة، إنّ السفير الألماني يورجين شولتس قد تمّ إبلاغه بشجب أنقرة لاستدعاء السفير التركي في برلين، كما تم إبلاغ السفير الألماني أن القضاء التركي مستقل ولا يمكن التسامح مع أي محاولة للتدخل من جهات خارجية. وأطلق مجلس أوروبا إجراءات تأديبية نادرة من نوعها يمكن أن تؤدي إلى تعليق عضوية أنقرة في المجموعة الحقوقية الأكبر في القارة الأوروبية. كما انتقدت مسؤولة بارزة في منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الدولية، القضاء التركيبعد الحكم بسجن كافالا المعروف بأنشطته الخيرية، حيث قالت إيما سنكلير ويب ممثلة المنظمة الدولية في تركيا وآسيا الوسطى، إنّ صدور الحكم المؤبد بحق كافالا يأتي كدليلٍ وافٍ على أن المحاكم في تركيا تعمل بموجب تعليماتٍ من الرئاسة. وأضافت في تصريحات لقناة «العربية»، أنّ علاقة تركيا مع مجلس أوروبا هي في أزمة بالفعل وسوف تتوتر أكثر مع صدور الحكم الأخير بحق رجل الأعمال البارز، والذي يتهمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالوقوف خلف احتجاجات متنزه جيزي في إسطنبول والتي حصلت في العام 2013، بالإضافة لتورطه في ممارسة التجسس العسكري والسياسي والمشاركة في المحاولة الانقلابية الفاشلة على حكمه في 15 يوليو من العام 2016.