وزير التجارة يناقش مقترح إنشاء مركز لوجيستي للحبوب بالشراكة مع روسيا    إدراج إسرائيل بالقائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال    استطلاع: غالبية الألمان تحولوا إلى رفض العدوان الإسرائيلي على غزة    "74 مباراة ومساهمات كثيرة".. أرقام مميزة لتريزيجيه مع منتخب مصر    مروحة أو مروحتين داخل كل لجنة.. التعليم توضح كيفية تهوية اللجان لطلاب الثانوية العامة    رفع الدعم تدريجيًا والطاقة المتجددة والضبعة.. مهام ضرورية على المكتب الوزير    ظهرت الآن.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني لمصلحة الخبراء بوزارة العدل    خسر 20 جنيها.. سعر الذهب اليوم الجمعة في مصر يهبط بنهاية التعاملات    غدا، نظر دعوى عدم دستورية قانون امتداد عقود الإيجار القديم للورثة    تدشين 3 خطوط جديدة ل مصر للطيران بالقارة الأفريقية يوليو المقبل    صوامع وشون الشرقية تستقبل 605 آلاف و334 طنا من محصول القمح    أوقفوا الانتساب الموجه    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    أمريكا تقدم دعما عسكريا جديدا لأوكرانيا يشمل أجهزة دفاع جوى وذخائر مدفعية    الأمم المتحدة: شن هجمات على أهداف مدنية يجب أن يكون متناسبا    افتتاح 5 مساجد جديدة فى 4 مراكز بالمنيا    استبعاد كوبارسي مدافع برشلونة من قائمة إسبانيا في يورو 2024    إمام الوعى والتنوير    اليوم.. هلال ذي الحجة يزين السماء    سيارة مسرعة تنهي حياة موظف أمام قسم الجيزة    مصرع شخص في انقلاب سيارة ملاكي بمصرف بالدقهلية    جلسة تصوير جديدة ل هنا الزاهد لصالح مجلة "Enigma"    أونروا: نطالب بإجراء تحقيق فى الانتهاكات ضد الأمم المتحدة بما يشمل الهجمات على مبانينا    بمناسبة مولد العذراء.. جولة إرشادية للأطفال حول رحلة العائلة المقدسة بمتحف ملوي    إيرادات الخميس.. "شقو" الثالث و"تاني تاني" في المركز الأخير    تعرف على موعد عزاء المخرج محمد لبيب    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح أفضل أعمال عشر ذي الحجة    إجراء 2 مليون و232 ألف عملية جراحية في مصر ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نصائح للمواطنين للتغلب على الموجة الحارة    «الصحة»: إجراء 2.2 مليون عملية جراحية ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    القيادة الأمريكية تعلن نجاح إعادة إنشاء الرصيف البحرى المؤقت فى قطاع غزة    الناقد السينمائي خالد محمود يدير ندوة وداعا جوليا بمهرجان جمعية الفيلم غدا    أحكام الأضحية.. ما هو الأفضل: الغنم أم الاشتراك في بقرة أو جمل؟    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    أول تعليق من وسام أبو علي بعد ظهوره الأول مع منتخب فلسطين    بدء تلقى تظلمات الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ الأحد    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    أيام البركة والخير.. أفضل الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة 1445    بعد غيابه عن الملاعب.. الحلفاوي يعلق على مشاركة الشناوي بمباراة بوركينا فاسو    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في موسم ليفربول    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 7-6-2024 في محافظة الدقهلية    إخماد حريق داخل محل فى حلوان دون إصابات    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    علي عوف: متوسط زيادة أسعار الأدوية 25% بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الدائري بالقليوبية    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    أحمد سليمان: يجب إلغاء الدوري المصري هذا الموسم.. ومصلحة المنتخب أهم    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن شرعية لجمال مبارك
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 03 - 2009

تكرر الحديث من جانب منظرى أمانة السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى عن الأغلبية الصامتة فى مصر.. وكان الدكتور محمد كمال، أمين التثقيف فى الحزب هو آخر من ذكر، أو تذكر هذه الأغلبية الصامتة فى أحاديثه فى واشنطن خلال زيارة وفد مجلس الشورى الذى ترأسه للعاصمة الأمريكية، ومن قبله تحدث أستاذه الأكاديمى ورئيسه الحزبى الدكتور على الدين هلال عن الأغلبية الصامتة، فى السياق نفسه الذى ذكرها أو تذكرها فيه الدكتور كمال، فما هو هذا السياق؟
إن التذرع بهذه الأغلبية العازفة عن الانخراط فى العملية السياسية، للتقليل من أهمية المطالبة بالإصلاح السياسى، والتدليل على محدودية عدد وتأثير المطالبين به، وتبرير خطاب أمانة السياسات، والحزب الوطنى، الذى يركز على أولوية الإصلاح الاقتصادى، والتنمية لتلبية احتياجات، وتفريج هموم تلك الأغلبية الصامتة، وهذا بالضبط ما يجعل الدوافع وراء تذكر المصريين الصامتين، مشكوكا فى جديتها أو براءتها لأنها تقوم على افتراض تعارض بين مطلبين لا يصح أن يتعارضا من الأصل، إذ لماذا يكون الإصلاح السياسى حتما ضد مصالح أغلبية الصامتين؟ ومن أعطى أمانة السياسات ومنظريها الحق الإلهى فى استلهام آلام وآمال هذه الأغلبية دون بقية قطاعات النخبة المصرية عالية الصوت فى الجدل السياسى؟ علما بأن أمانة السياسات والملتفين حولها هم بالضرورة جزء من هذه النخبة؟
وعلما بأن أحدا لا يستطيع أن يدعى أن لديه تفويضا سياسيا بالحديث باسم هؤلاء الصامتين، لا من أمانة السياسات، ولا من غيرها، خصوصا أن المؤشر التجريبى القابل للقياس الذى استند إليه أمين التثقيف فى الحزب الوطنى لإثبات هامشية المطالبين بالإصلاح السياسى كان هو نسبة المشاركة فى الانتخابات العامة الماضية.
وقد حدد أمين التثقيف هذه النسبة ب25٪ من عدد الناخبين، بمن فيهم بالطبع ناخبو الحزب الوطنى الحاكم، وهو كما قلنا ما ينزع عن الحزب، وأمانته للسياسات الصفة التمثيلية للصامتين المصريين، مثلما ينزعها عن بقية الأحزاب والحركات السياسية «فى عرف أولئك المنظرين على الأقل».
فلماذا إذن تنتزع أمانة السياسات لنفسها الحق فى احتكار التحدث نيابة عن الأغلبية الصامتة؟
الإجابة الوحيدة المتاحة أمامنا هى البحث عن شرعية سياسية واجتماعية لجمال مبارك فى مواجهة المعارضة المؤكدة لقدومه رئيسا لمصر من قطاعات النخبة غير الموالية للحزب الوطنى، والمعارضة المحتملة لهذه الخطة داخل الحزب الوطنى نفسه، وداخل مؤسسات الدولة المصرية، وبالطبع فإن الشرعية السياسية شىء يختلف عن الشرعية الدستورية، والقانونية، بمعنى أن جمال مبارك مثله مثل أى مواطن مصرى لديه كامل الحق فى الطموح إلى رئاسة الدولة، وفى الغالب فإن جملة القواعد والضوابط التى وضعها الدستور للترشيح للمنصب سوف تجعله المرشح الوحيد تقريبا الحائز على هذه الشرعية الدستورية أو القانونية، ولكن الذى ينقصه فعلا هو الشرعية السياسية، التى تجعل حيازته للشرعية الدستورية شرعية حقيقية، أكثر من كونها امتيازا حظى به لمجرد كونه ابن رئيس الجمهورية.
لكننا ولكى نكون منصفين لمنظرى أمانة السياسات، علينا أن نتذكر أن ادعاءهم تمثيل الأغلبية الصامتة العازفة عن المشاركة السياسية فى مصر، ليس اختراعا جديدا، وأن توظيفه لإسكات المعارضين والمطالبين بالإصلاح الديمقراطى لا يحسب على هؤلاء المنظرين وحدهم، وإنما هو يحمل تراث القيادة السياسية والتنظيمات السياسية لثورة 23 يوليو، مع اختلاف نوعى فى درجة تمثيل كل مرحلة لآلام وآمال أولئك الصامتين؟ ألم يقل عبدالناصر فى ميثاقه الوطنى بكل صراحة «إن الحرية كل الحرية للشعب، ولا حرية لأعداء الشعب»، ثم جاء من بعده السادات ليقول ردا على مراكز القوى «احكم يا شعب».
لكن الفارق بين الحالتين السابقتين وبين حالة أمانة السياسات فى بحثها عن شرعية سياسية لزعامة جمال مبارك هو أن ظروفا تاريخية بعينها ساعدت كلا من عبدالناصر والسادات على تحريك وتعبئة تلك الأغلبية الصامتة وراءهما، ففى حالة عبدالناصر كان تحقيق الجلاء، وإعادة توزيع الثروة، وتأميم قناة السويس، أحداثا وشروطا كافية لإقناع جماهير الصامتين بتفويضه فى تحقيق الأمانى الوطنية والحراك الاجتماعى، بعد أن عجز النظام السابق عن تحقيق أى تقدم فى هاتين الجبهتين.
أما فى ظروف الرئيس السادات، فقد كانت وفاة عبدالناصر المفاجئة، وعملية التعبئة الشاملة لاستعادة سيناء المحتلة، وغسل عار هزيمة 1967، أحداثا وشروطا كافية لتعبئة الجماهير «الصامتة» وراءه، وزود انتصاره فى حرب أكتوبر، وتبشيره بالسلام والرخاء هذه التعبئة بقوة دفع إضافية تبخرت فى العامين الأخيرين من حكمه، حين بدأت النخبة تطالب بالإصلاح الحقيقى وبالمشاركة الديمقراطية، مما أدخله فى أزمة مع المجتمع ككل، أدت إلى اعتقالات سبتمبر، وما تلاها من مآس لم تنته باغتياله (رحمه الله).
كيف إذن ستتمكن أمانة السياسات، ومنظروها من تعبئة الأغلبية الصامتة وراء أمينها العام «جمال مبارك»؟ فى ظروف مختلفة كثيرا عن ظرف عبدالناصر والسادات، وفى وقت تتزايد فيه قطاعات النخبة المنضمة إلى مطالب الإصلاح السياسى متوازيا مع الإصلاح الاقتصادى والتنمية؟ وبعد أحقاب من بداية المطالبة بذلك الإصلاح السياسى فى أعقاب هزيمة 1967، وتجددها بقوة فى أواخر عهد السادات كما سبق القول.
سوف يخطئ هؤلاء المنظرون الجدد كثيرا إذا اعتقدوا أن برنامج تطوير القرى الفقيرة، وزيارات أمين السياسات المتكررة للمحافظات يمكن أن تؤدى إلى مثل هذه النتيجة، وسوف يخطئون أكثر وأكثر إن اعتقدوا أن تحقيق معدل نمو كبير فى سنة من السنوات، يمكن أن يفى بالغرض، أما الخطيئة الكبرى فستكون الاقتناع بأن تسويق حكاية الأغلبية الصامتة كاف لإقناع الخارج «الأمريكى بالذات» بأن جمال مبارك هو الحل الأمثل لمشكلات مصر والإقليم.
إن الشرعية السياسية تبنى على التجاوب مع المطلب الرئيسى للمجتمع، أو مخاطبة المشكلة السياسية الرئيسية المطروحة فى حقيقتها دون لف أو دوران، ودون حيل على طريقة الحواة، وهذا ما كان يدرّسه على الدين هلال لطلبته، ومنهم بالقطع محمد كمال.. والمشكلة السياسية الرئيسية فى مصر الآن هى التحول الديمقراطى السلمى، وبتعبير آخر هذا هو المهر الذى تنتظره العروس، فهل تستطيع أمانة السياسات تقديمه، وعند ذلك فقط فإذا جاء جمال مبارك إلى السلطة بشروط ديمقراطية كاملة فأهلا به وسهلا.. رغم الغضاضة التى لا مفر منها فى شبهة التوريث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.