انطلاق الاختبارات الإلكترونية للفصل الدراسي الثاني بجامعة دمنهور.. صور    رئيس الوزراء يترأس الاجتماع الدوري لمتابعة ترتيبات مؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي    تراجع بورصات الخليج وسط انحسار توقعات خفض الفائدة الأمريكية    محافظ كفر الشيخ: توزيع 2 طن لحوم صكوك الأوقاف بالمراكز    وحدات السكان بشمال سيناء تعقد ندوات توعوية تحت مظلة مبادرة «تحدث معه»    الكنيست يصوت بقراءة تمهيدية على قطع العلاقات مع الأونروا وإعلانها منظمة إرهابية    رئيس وزراء اليابان ورئيس مجلس الدولة الصيني يصلان إلى كوريا الجنوبية لعقد قمة ثلاثية    جوميز يستبعد 12 لاعبا من الزمالك أمام الاتحاد السكندري    مفاجأة.. إقالة تشافي أنقذت 3 لاعبين من الرحيل عن برشلونة    تحرير 150 محضرا لمخالفات بالأسواق والمخابز خلال حملات تموينية ببني سويف    في ذكري وفاتها.. كل ما تريد معرفته عن فايزة كمال    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    وزير الصحة يناقش مع نظيره الكوبي مستجدات التعاون في تصنيع الأدوية    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    هل يجوز للمرأة الذهاب للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج في فترة العدة؟.. «الإفتاء» تُجيب    «كان» الدورة 77.. فرنسيس فورد كوبولا يسلم صديقه جورج لوكاس السعفة الفخرية    الاثنين.. طب قصر العيني تنظم يوم التوظيف لخريجيها    العمل تنظم ندوة لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في الإسكندرية    بالنسبة لهم العمر مجرد رقم.. 3 أبراج يمتلكون قلوبًا شابة    الموعد والمكان المبدئي لمباراة الأهلي والزمالك بنهائي السوبر الإفريقي    القاهرة الإخبارية: القصف الإسرائيلي "هيستيري" ودمر 80% من مقدرات جهاز الدفاع المدنى في غزة    بعد إحالته للجنايات.. أبرز الاتهامات الموجهة لمطرب المهرجانات عصام صاصا    غدًا.. قافلة طبية لقرية شماس بسيدي براني    محافظ الغربية يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية استعدادا لتطبيق التأمين الصحي الشامل    «شكري»: «مصر ترفض محاولات تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم»    الأحوال المدنية تستخرج بطاقات الرقم القومي للمواطنين بمحل إقامتهم    محافظ الدقهلية يسلم 355 حاجا و8 مشرفين تذاكر وتأشيرات الحج    ترحيل زوج المذيعة المتسبب فى مصرع جاره لأحد السجون بعد تأييد حبسه 6 أشهر    الرئيس التونسي يجري تعديلا وزاريا جزئيا    عضو "مزاولة المهنة بالمهندسين": قانون 74 لا يتضمن لائحة    البورصة المصرية تربح 15.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    «الأعلى للثقافة» يعلن أسماء الفائزين بجوائز الدولة 2024 الثلاثاء    فيلم تاني تاني ل غادة عبد الرازق يحقق 39 ألف جنيه إيرادات خلال 24 ساعة    فرقة مكتبة دمنهور للتراث الشعبي تمثل محافظة البحيرة بمهرجان طبول الدولي    دعوات لمقاطعة نجوم إعلان بيبسي الجديد    حماية المنافسة يعلن بدء سريان العمل باختصاص الرقابة المسبقة على التركزات الاقتصادية أول يونيو 2024    انضمام 5 محترفين لمعسكر منتخب مصر استعدادا لتصفيات كأس العالم    شبانة: بطولات إفريقيا أظهرت الروح الجديدة للقطبين    بشرى للأهلي قبل مواجهة الزمالك في السوبر الإفريقي.. «التاسعة ممكن»    "الوحدة الاقتصادية العربية": الشعب الفلسطيني يتعرض لطغيان غير مسبوق    اعرف قبل الحج.. الركن الثاني الوقوف بعرفة: متى يبدأ والمستحب فعله    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    «سلامة الغذاء»: المرور على 6 محافظات لمتابعة سير عمل لجان استلام القمح المحلي    وزير قطاع الأعمال يتابع تنفيذ اشتراطات التصنيع الجيد بشركة القاهرة للأدوية    الهجرة تستعرض أنشطتها خلال أسبوع| الموازنة العامة أمام "النواب".. والوزيرة تشارك بالملتقى الأول للشباب في الإسماعيلية    وزير الأوقاف: التعامل مع الفضاء الإلكتروني بأدواته ضرورة ملحة ومصلحة معتبرة    أستاذ علوم سياسية: مصر ملتزمة بإرسال المواد الإغاثية لغزة رغم معوقات الاحتلال    الأرصاد تحذر من منخفض خماسيني يضرب البلاد: ذروة ارتفاع الحرارة غدا    وداعًا للأخضر.. واتساب يتيح للمستخدمين تغيير لون الشات قريبًا    برامج بيت الزكاة والصدقات يغطي احتياجات 800 أسرة في الشرقية    رئيس تايوان يدعو إلى تعزيز التفاهم والمصالحة مع الصين    أول تعليق من محمد مجدي أفشة بعد تتويج الأهلي باللقب    فرصة ذهبية لنجم برشلونة بعد رحيل تشافي    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    أستاذ الصحة العامة: 1.5 مليار شخص حول العالم يعانون من ضغط الدم    أدعية الطواف السبعة حول الكعبة وحكم مس البيت.. «الإفتاء» توضح    أطول إجازة للموظفين.. تفاصيل إجازة عيد الأضحى المبارك    زاهي حواس: إقامة الأفراح في الأهرامات "إهانة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية: حق قانونى أم قدرة فعلية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 03 - 2009

من أكثر المفاهيم المتداولة فى الفكر السياسى المعاصر وفى الحوارات حول الديمقراطية فى مصر والبلاد العربية هو مفهوم الحرية، فنتحدث عن حرية التعبير عن الرأى أو حرية السفر والتنقل إلى غير ذلك من حريات تنص عليها الدساتير والقوانين، وتدافع عنها الأحزاب السياسية وأهل الفكر والرأى. فما هى الحرية؟ وما هو المقصود بها؟ وإلى ماذا تشير تحديدا؟ وفى مجال الإجابة عن هذه الأسئلة، تعددت الآراء وتنوعت الاجتهادات والمدارس الفكرية.
المدرسة الأولى فى تعريف الحرية تربط بين مفهوم الحرية وبين مفهوم الحق بالمعنى الدستورى والقانونى. ومن ثم تصبح الحريات، وفقا لأنصار هذه المدرسة، هى مجموعة الحقوق التى حددها الدستور. فتنص الدساتير عادة على مجموعة من الحقوق الفردية والحريات العامة مثل حرية التعبير والاعتقاد، وحرية الاجتماع، وحرية تكوين الجمعيات. ويكون لهذه النصوص قدسية قانونية على أساس أن الدستور هو أبو القوانين ويعلوها جميعا، ولا يمكن لقانون أن يأتى متعارضا أو مختلفا مع النص الدستورى.
ولكن المشكلة تنبع من أن هذه الدساتير عادة ما تنص على أن تطبيق تلك الحريات يكون بما لا يتعارض مع النظام العام فى المجتمع، أو أن تكون ممارستها وفقا القانون، وعلى أن يقوم القانون بمهمة وضع قواعد ممارسة الحريات التى نص عليها الدستور. وبناء على ذلك، توسع المشرع فى بعض الدول فى إصدار قوانين يكون من شأنها تقييد المبدأ الدستورى والحريات الواردة فيه، ما يعرض هذا التشريع لشبهة عدم الدستورية ويستوجب إلغاءه فى الدول التى أخذت بنظام الرقابة الدستورية مثل مصر.
علاوة على ذلك، برز جدل أعمق يتعلق بنقد مفهوم الحرية باعتبارها مجموعة من الحقوق القانونية، وهذا ما يقودنا إلى المدرسة الثانية فى تعريف مفهوم الحرية. ينطلق أنصار هذه المدرسة من أن الحرية ليست مجرد حق وإنما هى «قدرة»، ومعنى هذا أن أى حق لا يمكن ممارسته إلا إذا امتلك الإنسان القدرة على تلبية متطلباته والوفاء بشروطه. وعلى سبيل المثال، ففى دولة فقيرة قد ينص دستورها على حق كل مواطن فى السفر إلى الخارج وفى استصدار جواز سفر خاص به، وحق كل مواطن فى الملكية، وأن الملكية الفردية مقدسة لا يجوز المساس بها. هذا الحق القانونى المتاح نظريا لكل مواطن لا يستطيع الجميع ممارسته لأنه يتطلب «قدرة» لا تتوافر لهم.
كان من أول من نبه إلى هذا المعنى المفكر الإنجليزى «برلين» فى كتيب له فى مطلع الستينيات من القرن العشرين بعنوان «مفهومان للحرية». والذى أكد فيه جانب «القدرة» فى تعريف مفهوم الحرية، وأن العبرة عند تحليل هذا المفهوم ينبغى أن لا تتوقف على التعريفات الدستورية والقانونية أو على الضوابط الإجرائية الخاصة بالممارسة، وإنما ينبغى إدخال عنصر القدرة على ممارسة تلك الحريات والحقوق. فما القيمة الفعلية لحرية ما إذا كان أغلبية المواطنين لا يمتلكون المقومات العملية لممارستها، وما قيمة حرية التعبير أو الكتابة فى الصحف فى مجتمع أغلبيته من الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة؟. فمثل هذه الحرية فى واقع الأمر تكون حكرا لأقلية من الناس رغم أنها متاحة للجميع من الناحية النظرية.
وجاء تيار آخر ليكمل هذا الفكر ويؤكد مفهوم «الاختيار»، وكان أبرز من عبّروا عنه هربرت ماركوز فى كتابه «الرجل ذو البعد الواحد». ومفاد هذا الاتجاه أن جوهر الحرية يتمثل فى الحق فى الاختيار، وأن الاختيار لا يمكن أن ينشأ فى غياب وجود البدائل وتعددها. فالحرية تساوى الحق فى الاختيار، والاختيار مرجعه تعدد البدائل. فإذا لم تكن التعددية موجودة، وتمثل بدائل موضوعية مختلفة، وتوفر تصورات مختلفة ومسارات متباينة لقراءة الواقع وطرح السياسات وسيناريوهات المستقبل، فإنها تصبح تعددية شكلية ويكون ممارسة الاختيار محدودا وغير جوهرى.
لقد ظهر هذا التحفظ على معنى الحرية مع بروز المجتمع الجماهيرى الذى تزداد فيه نفوذ أدوات الإعلام والإعلان الجبارة التى لم يقتصر تأثيرها على تكوين الآراء ووجهات النظر، وإنما امتد للتحكم فى الأذواق والتفضيلات الشخصية. وتمكنت الآلة الإعلامية الإعلانية الرهيبة من تشكيل الأفكار، وإيهام الناس باحتياجات غير حقيقية، وتنمية الاعتقاد لديهم بأنها ضرورية ولازمة ولا يمكن استمرار الحياة بدونها. لم يعد الاستهلاك دائما مرتبطا باحتياجات حقيقية للإنسان، بل أصبحت إحدى وظائف الإعلان هى إيجاد الحاجة وتنمية الشعور بضرورتها وأهميتها.
وعندما نربط بين ازدياد سطوة الإعلام الإعلان، وارتباطه بسعى الشركات الكبرى المنتجة للسلع الاستهلاكية إلى زيادة توزيعها، والاحتكارات والمصالح المرتبطة بذلك، وبتطور ممارسات المجتمع الاستهلاكى، فإن مساحة الاختيار الواعى الذى يمارسه الإنسان تتضاءل وتزداد مساحة التوجيه والضغط النفسى الذى تمارسه تلك الأجهزة، ما يترتب على ذلك من ضيق مساحة الاختيار التى هى جوهر الحرية. وفى مواجهة هذا التطور، برز فى حقبة التسعينيات مفهوم « التمكين «Empowerment» ويقصد به ضرورة تزويد الإنسان العادى الذى يمثل أغلبية المواطنين فى شعب أى دولة بالقدرات الأساسية والوعى السياسى الاجتماعى الذى يمكِّنه من المشاركة، ومن إبداء رأيه فى الموضوعات التى تؤثر على حياته.
ولا ينبغى أن ننظر إلى هذه الآراء باعتبارها مناقضة لبعضها البعض بالضرورة، بل هى مكملة ومتممة. فالأصل فى الحرية أن تكون حقا يقره الدستور باعتباره القانون الأسمى فى أى دولة. ولكن ممارسة هذا الحق الدستورى لا تتم فى فراغ وإنما فى بيئة اجتماعية لها مواصفات من النواحى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويتطلب الأمر لتحويل «الحق» إلى «واقع» تمكين المواطن بقدرات تؤهله لممارسة تلك الحقوق.
وهذا هو أحد التحديات الكبيرة التى تواجهنا فى مصر والمنطقة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.