تصدرت وقائع "العنف الزوجي" المشهد المصري مؤخرا، حيث أبرزت عناوين الصحف خلال الأيام القليلة الماضية حادثة اعتداء عريس على زوجته بفستان الزفاف في وضح النهار وأمام المارة بالإسماعيلية. • كيف يمكن أن يجتمع الإيذاء مع الحب؟ يعرف الطب النفسي "الحب" بأنه عطاء منهمر بلا حدود ومشاعر إنسانية رقيقة لها معاني سامية مثل الاحتواء والارتياح والاستيعاب والتنازل، وتكون تلك المشاعر بمثابة تعويض المعاني التي افتقدهها الإنسان في حياته، مثل حنان الأم أو الأب أو الأصدقاء، لكن هل يمكن أن يتكيف الحب مع سلوكيات سيئة في الإنسان مثل الإيذاء الجسدي وغيره، وكيف يمكن للحب والإيذاء أن يجتمعان داخل أحد طرفي العلاقة؟ يقول الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، في تصريحات خاصة ل"الشروق"، إنه في بعض حالات الزواج، بالفعل يكون فيها الزوج مجتمع بداخله الحب والإيذاء معا، بل وأن الإيذاء كفعل سيء قد لا يؤثر على مقدار حب الزوج لزوجته. ويفسر هندي الشخصية القادرة على الحب والإيذاء في نفس الوقت، بأن "النفس البشرية معقدة جدا"، وأن نمط الشخصية هو الذي يؤثر على طريقة التعامل مع شريك الحياة، موضحا أن هناك 3 أنماط للشخصيات التي تمارس الإيذاء في حق الزوجات، الأولى "سادية" تستمتع بإيذاء من تحب وترى في ذلك غاية من الحب، والثانية "عدوانية" تربت على العنف ولا تمتلك المرونة الوهمية ولا حلول بديلة في التعامل، أما الثالثة فهي "المصابة بعقدة ستوكهولم" مثل الزوجة التي تتعاطف مع زوجها الذي يضربها وتشعر أنه على حق وتلتمس له الأعذار. وأضاف أن سلوكيات الزوج العنيفة المذكورة سابقا لا تعني أنه لا يحب زوجته، لكنه يمارس الحب من منظوره الذي قد يتعلق على سبيل المثال بنمط التنشئة الاجتماعية الذي تعرض له وهو صغير، فقد يكون قد شاهد والده يضرب والدته أو نساء العائلة بصفة عامة، وبالتالي ينشأ معتادا على فكرة الضرب والإيذاء حتى عندما يحب طرفا آخر. • الشخصية البوهيمية وأشار إلى أن صاحب الشخصية البوهيمية يمتلك سلوكا غير مألوف وأنماطا للحياة غير معتادة، وقد يدعو لامتهان الكرامة، وهو شخصية غير مقيدة بالسلوك وعشوائية الحياة ولا تتسم حياته بالاستقرار ولا يشغله الناس، بل ما يفعله فقط، ولا يندمج مع الأعراف ولا المقاييس المجتمعية، ودائما ما تكون علاقاته بالآخرين متقطعة وغير طويلة الأمد، ويكون شخصا غريب الأطوار. وأكمل: تتجسد الشخصية البوهيمية في الرجل الزوج، والمحلل المتقاضي للأموال في شكل (الغاية الجنسية عند الرجال)، والرجل مرتكب السلوك العنيف مثل الذي يضرب زوجته في ليلة الزفاف، وهو سلوك غير متعارف عليه في المجتمع، وخارج عن العادات والعقائد والتقاليد. وتابع أن الشخص البوهيمي يكون مصدر تهديد للمجتمع، ليس بالطريقة المادية، ولكن بممارسته أنماط اجتماعية غير مألوفة تهدد المجتمع، قد يدفع الأبناء لتقليدها أو أن تنشأ الفتيات الصغيرات مرعوبات من الارتباط والزواج خشية التعرض للعنف. • نتائح كارثية للضرب ولفت إلى أن الرجال الذين يمارسون الضرب، هم من يشعرون بالنقص والدونية أو عقدة نفسية مثل عقدة كره النساء، تدفعها لضرب الزوجة، وتزداد حدة الضرب وآثاره النفسية وطول فترة علاجه النفسي كلما حدث في وقت مبكر من بداية الحياة الزوجية، فمثلا الضرب في ليلة الزفاف سيكون آثاره النفسية قوية جدا، أولها الشعور بالصدمة النفسية، ثم الحسرة ثم خيبة الأمل، وبالتالي تصاب الزوجة بمتلازمة القلق، ورهاب اجتماعي وخوف من سماع أي أصوات عالية، ومخاوف مرضية وعزلة اجتماعية وخوف من مواجهة المجتمع، وتتبدل لديها أفكار الزواج من حياة جميلة مفروشة بالورود إلى حياة تعيسة كلها خوف من المستقبل. وأضاف أنه قد ينتاب الزوجة التي تعرضت للضرب على يد زوجها مخاوف وتهيؤات تجاه زوجها نفسه، متابعا: "تأتي إلينا بعض الحالات لنساء يرين أزواجهن بصورة مخيفة نتيجة معاناتهن من هلاوس سمعية وبصرية، فمثلا رأت إحدى الزوجات شعر زوجها غير مهذب، وأخرى رأت زوجها على هيئة شبح مخيف". ويسرع الضرب من عملية الطلاق كلما وقع في أوقات مبكرة من الحياة الزوجية، وقد ترفض المطلقة الارتباط برجل آخر في المستقبل، وتُصاب بالاكتئاب. • وقف الندية أحد الحلول لتفادي الطلاق تقول الدكتورة سامية حضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، في تصريحات ل"الشروق"، إنه يجب على الأزواج التعامل بهدوء في حل مشكلاتهم، مع ضرورة وجود برامج فعلية وقوية للأسرة وليس للرجل فقط أو للمرأة فقط. • أسباب قد تؤدي للقتل السهل داخل الأسرة وقال الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس، إن أحد أسباب ارتكاب السلوكيات الإجرامية سواء من أحد أفراد الأسرة أو بشكل عام، هو غياب الخطاب الديني الذي يعتمد على تغيير السلوك وليس كثرة المواعظ، لافتا إلى أن انتشار العشوائيات تساهم بدور هام في ارتكاب جرائم سلوكية. وأضاف، ل"الشروق"، أن انتشار المخدرات بصورها المختلفة وبالذات التخليقية، تعد ضمن أسباب انتشار القتل، لأن العلم لم يكتشف تأثيرها على المخ حتى الآن، مشيرا إلى أن خطورتها تكمن في اختلاف مكوناتها من تاجر لآخر، وتتسبب في تغيب عقل المتعاطي لتجعله يقوم بأي شيء حتى ولو كان قتل زوجته أو أحد أبناؤه. • سبب سهولة الإقبال على العنف وأرجع "مجدي" سهولة الإقبال على العنف، نتيجة كسر الحاجز النفسي واستسهال فعل الإيذاء من جانب الجاني، لافتا إلى أن سبب ذلك في المقام الأول انتشار مشاهد العنف في الأعمال الدرامية عبر التليفزيون والسنيما والسوشيال ميديا. وتابع: "الدراما تنقل للمجتمع خناقات حية، تجعل من السهل على الأشخاص تقلدها في المستقبل، بالإضافة إلى اعتياد التعرض لأخبار القتل وتفاصيلها، بما يدعم بشكل كبير سهولة ارتكاب سلوكيات إجرامية".