خلال ثلاثة أشهر فقط من تولى الدكتور سيد خطاب رئاسة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وجد نفسه أمام أكثر من اختبار صعب فى ظل موجة الأفلام «المثيرة للجدل» التى كان مطالبا باتخاذ موقف حيالها. ومع اعترافه بأنه اضطر فى كثير من الأحيان لإجازة بعض الأفلام «شفقة» بالمنتجين، فقد يتوقع اختفاء «مقص الرقيب» فى مرحلة تالية، مشيرا إلى أنه لو طبق القانون بحذافيره فلن يجيز فيلما فى السينما المصرية..! وإلى نص الحوار: مؤخرا أجزت أفلام «بالألوان الطبيعية، وكلمنى شكرا، وأحاسيس» دون حذف وهو ما بشر بهامش من الحرية للمبدعين ولكن الجمهور تخوف من عودة قريبة للمشاهد الجنسية إلى الشاشة؟ إحدى أهم وسائل الدعاية التى تستخدمها شركات الإنتاج أن تدخل فى صدام مع الرقابة والمجتمع، فعلى سبيل المثال كان الإعلان الدعائى لفيلم «بالألوان الطبيعية» من أسوأ وسائل الدعاية التى رأيتها بحياتى، لأنه استطاع أن يستفز عددا كبير جدا من الجمهور، بتركيزه على كل التناقضات الشكلية على مستوى الصورة ذات الطابع التجارى من باب التسويق للمنتج، ولذلك أثارت ما أثارت، وكان لى تحفظات على هذا الإعلان الدعائى لكن للأسف القنوات الفضائية تعرض هذه الإعلانات دون الرجوع إلينا. وماذا عن فيلم «أحاسيس»؟ خلال الفترة الماضية أرى صور إعلانية للفيلم شديدة السخونة تم نشرها فى الصحف باعتبارها معركة مع الرقابة رغم أن شيئا من هذا لم يحدث، وأؤكد أننى عندما شاهدت الفيلم لم أجد فيه شيئا مخلا لذلك اكتفيت بتصنيفه «للكبار فقط». والفيلم به شغل جيد أكثر من فيلمى خالد يوسف وأسامة فوزى لأن «بالألوان الطبيعية» به مباشرة وصراخ كثير جدا، ولا أنكر أن قضية الفيلم جيدة وجديدة لكن المخرج لم يعمل توازنا بين اللغة والصورة، والذى أنقذ الفيلم من الرفض هو «شبح الأم» ولولاه لما ظهر الفيلم للنور، لأن بدون هذا الشبح لم يكن الفيلم أكثر من قضايا مباشرة وفجه وصراخ، فالشبح هو الشىء الوحيد الذى أشعرنى بأن ما يحدث هو العالم الداخلى لبطل الفيلم وليس صورة الواقع. بصراحة.. هل تمرر أفلاما رغما عنك؟ أحيانا يكون المؤلف تقدم للرقابة بسيناريو، وأثناء مراحل التصوير يغير فيه كثيرا، فأكون فى هذه اللحظة أمام سلعة تم إنفاق الملايين عليها، فأضطر للموافقة على الفيلم مكرها حتى يأتى المنتج بنفقاته على الأقل.. على الرغم من أن أقل حقوقى أن أوقف الفيلم. للرقابة مبادئ وقوانين للحفاظ على النظام العام والآداب، وعدم ازدراء الأديان، أو الدعوة لمبادئ هدامة.. العجيب أن هذه القوانين هى نفسها الانتقادات والاتهامات التى توجه للرقابة والسينما؟ المفروض أن تطبق هذه القوانين بروحها لأنها إذا طبقت بحذافيرها لما وافقنا على عرض أى أفلام خلال السنوات الأخيرة باستثناء فيلم أو اثنين على الأكثر. وللأسف نحن كرقباء فى حيرة شديدة بين تنفيذ القوانين التى ارتضاها المجتمع فى دستوره وبين حرية الإبداع التى يجب أن نناصرها، كما أن هذه المبادئ مطاطة جدا وبها من المرونة ما يجعلنا نستجيب للتحولات والضوابط والمحرمات الاجتماعية التى نشاهدها.. فما كان يسمح به فى السبعينيات لا يسمح به الآن. وهل الرقابة تتمثل فى القوانين أم شخص الرقيب؟ لا يستطيع أحد أن يخالف القوانين التى وضعتها الدولة للرقابة فنحن مطالبون بتنفيذها حتى إذا كانت ضد أفكارنا ورؤانا الشخصية. ما مدى تدخل المؤسسات الثلاثة «الأمن والأزهر والكنيسة» فى عملك كرقيب؟ نحن لا نستشير أيا منها إلا من باب العلم.. فمثلا لا نستشير الأزهر والكنيسة إلا عندما يعرض علينا سيناريو يناقش موضوع يمس صميم العقيدة، أما جهاز الأمن فليس له طلبات أكثر من الحفاظ على صورته وألا نسىء إليه، لكنهم فى النهاية يستجيبوا لمطالبنا ولا يقفوا عائقا أمام الإبداع. الرقابة دائما متهمة بمجاملة النجوم على حساب الجدد؟ هناك بعض النجوم يتعاملون مع القضايا بذكاء شديد فلا تملك السلطة أن تتهمه بشىء أو تمنعه من تقديم العمل، أما المبدعون الجدد فيقدمون أعمالهم بعنف وصدام شديد مع الواقع الذى يصورونه بطريقة مقلقة للغاية، وأريد أن أعطى مثالا بعادل إمام لأنه دون أن يجلس على مائدة تفاوض مع أى جهة استطاع أن يحصل على مساحة حرية من الدولة بناء على رؤيته وخبرته وليس بنفوذه. مؤخرا زادت أصوات المثقفين التى تدعو لإلغاء الرقابة.. كيف ترى ذلك؟ أعلم أن دور الرقيب مرفوض، وفى الوقت نفسه أدرك أنه مهم وأساسى للحفاظ على نسيج المجتمع، وإذا حدث وألغيت الرقابة ستحدث فوضى شديدة فى المجتمع، وستزداد مقاضاة المبدعين، فهؤلاء لا يدركون أن الرقابة تعتبر حائطا منيعا للمبدع من قوى اجتماعية ترفض وجهات النظر المخالفة لهم. إذا كانت تلك هى مهمة الرقابة فهى لم تنجح فى أى زمن؟ وإذا غابت الرقابة سيكون هذا الصراع بين المجتمع والمبدع أشد عنفا وقسوة، وسيتعرض المبدعون لهجمات شرسة جدا من هذه القوى التى لا يعلم أحد حجم خطورتها، ولذلك دور الرقابة فى المرحلة المقبلة إقامة حوار بين المجتمع والمبدع. وهل تتوقع نجاح ذلك؟ قبل أن نبدى رأينا برفض السيناريو أو أن ينتقل إلى لجنة التظلمات بناء على ملاحظات الرقباء عليه، قررت إجراء جلسة مناقشة مع صناع الفيلم.. وفى هذه الجلسات لن نملى على المبدع رؤانا وأفكارنا.. فإذا آمن بأن وجهة نظره قابلة للنقاش وهى بالفعل قابلة سنكون نجحنا، وبهذه الروح سوف نحل الكثير من المشكلات الرقابية.. لكن الرقابة متهمة بالمسئولية عن تدنى الذوق العام؟ تساءل مستنكرا: وهل تطالبون الرقابة أيضا بترقية الذوق العام فى الفن؟!.. هذا لن يحدث بمجرد جلوسى أو غيرى على الكرسى، لأن هناك سنوات طويلة من الكسل والتراخى واتهام الرقابة بأنها طرف مضاد للمبدعين، كما أن هناك رصيد قديم مرتبط بتاريخ الرقابة منذ أن كانت تابعه لوزارة الداخلية، فأزمة الرقابة جاءت على مرحلتين الأولى التى تبعت فيها وزارة الداخلية والثانية التى كانت تمارس فيها دورا بيروقراطيا تطبق القانون وفقط.. لذلك أحاول أن أعيد للرقابة دورها الثقافى. فى رأيك هل يتم التعامل مع السينما باعتبارها مادة ثقافية؟ للأسف ظهر فى الفترة الأخيرة مجموعة من المنتجين يتعاملون معها كسلعة، ولا يهتمون إلا بما هو زائل ومستهلك كجسد امرأة، ونكتة «بايخة» وألفاظ بذيئة، ومشاهد شديدة الفجاجة، فأصبح الطابع الاستهلاكى للسينما هو التجارة بما هو رخيص، وأغلب هذه الأعمال لن تبقى فى ذاكرة السينما. إنت شخصيا متى تتوقع أن يختفى «مقص الرقيب»؟ أؤكد أن مقص الرقيب سيختفى فى مرحلة مقبله، بعد أن نكتفى بالتصنيف، لأننا سنحمى المجتمع من خلال هذا التصنيف، وفى هذا الوقت لن أستخدم المقص إلا فى حالة واحدة فقط هى ابتزاز المجتمع وأفكاره والاستخفاف بالآخرين والاعتداء على معتقداتهم، لأنه من المستحيل أن أتهاون مع مبدع تهاون فى حق جمهوره.