«الروايات العربية تتيح نسقا مذهلا من الإجابات لأسئلة لم نكن نعلم أننا نريد حقا أن نطرحها»، كانت هذه العبارة نقطة انطلاق جوهرية لتقرير أدبى نشرته أخيرا مجلة «نيويوركر» الأمريكية. قدم التقرير قراءة عميقة فى أهمية نقل الأدب العربى المعاصر إلى الإنجليزية. تساءلت الباحثة والكاتبة الأمريكية كلوديا روث بيربونت فى تقريرها عن موارد استقاء المعرفة عن شعوب العالم العربى،وخصت منها مصر وبيروت والسعودية، وقالت: إن الصحف الأمريكية تركز اهتمامها على هذا الجزء من العالم فقط حال احتدام الأوضاع السياسية والميدانية بها، فيما يقوم الأدب العربى، لا سيما الذى تعدى بتفوقه رفوف المكتبات المحلية وتم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، بمنحنا القدرة على التعرف على معاناة هذه الشعوب وتعاطيها مع الحب والعداء ودوافعها الثورة. «يعقوبيان» و«باب الشمس» و«بنات الرياض» خصت الكاتبة من بين هذه الأعمال الأدبية رواية «عمارة يعقوبيان «للدكتور علاء الأسوانى التى قالت إنها غاصت فى دهاليز منطقة وسط مدينة بالقاهرة بشخصياتها السوية والشاذة، وقالت إننا يمكنننا أن نتصور ما الذى يعنيه العيش فى ظل مجزرة بأحد مخيمات اللاجئين بشاتيلا عام 1982 كما فى «باب الشمس» للبنانى إلياس خورى، وكيف يكون «التكتيك» الأمثل لفتاة سعودية تريد خلق آفاق آمنة لحياتها فى ظل مجتمع مغلق غارق فى التابوهات كمجتمعها، وهو ما عبرت عنه السعودية رجاء الصانع فى «بنات الرياض». لفت التقرير إلى أنه قبل منتصف الخمسينيات لم تتعد ترجمات الروايات العربية المترجمة للإنجليزية أكثر من أربع روايات على الأرحج، فيما كان حصول الأديب العالمى نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب عام 1988 نقلة فى مجال ترجمة الآداب العربية، إلا أنه على الرغم من ذلك ظلت جهود الترجمة إلى الإنجليزية مرهونة بجهود مترجمين متحمسين وجهات نشر صغيرة، الأمر الذى جعل إيقاعها لايزال بطيئا، ومع ذلك أكدت بيربونت الجهود التى باتت تبذل أخيرا لدفع عملية الترجمة قدما وخصت بالذكر جائزة البوكر العربية التى تأسست عام 2007 جاعلة هدفها الرئيسى دعم نشر الأدب العربى عالميا. اضطهاد وتعذيب ربط تقرير «نيويوركر» بين حادث الاغتيال الذى تعرض نجيب محفوظ، بعد 6 سنوات من حصوله على جائزة نوبل على يد أحد المتطرفين، وبين أدب علاء الأسوانى الذى قالت عنه «لم يتعرض الأسوانى لحادث خطير مثل هذا، وهو الذى تناولت روايته «عمارة يعقوبيان» طاقما من الشخصيات التى عكست صورا للاضطهاد الطبقى،والفساد الحكومى، والتعذيب داخل السجون، وصعود الجماعات الأصولية، وميل الدولة المصرية إلى دفع الشباب الفقير إلى التطرف الدينى والعنف الذى يمكن أن يمتد به إلى الانتقام و القتل». ولفتت الكاتبة إلى أن هذه الرواية حققت أسرع وأفضل معدلات الروايات مبيعا فى العالم العربى، وأن الترجمة التى قدم بها همفرى ديفيز هذه الرواية حققت سوقا أكبر لهذه الرواية عالميا، حتى إن نجاحها ساعد على نقلها إلى لغات أخرى غير الإنجليزية، وقالت إن علاء الأسوانى نفسه يعتبر أن هذه الشهرة العالمية أبقته سالما، لا سيما أنه واجه تهمة الإساءة إلى صورة مصر فى الخارج من قبل أجهزة الإعلام الحكومية. مزرعة الحيوان عرجت الكاتبة الأمريكية على مقولة صاحب «مزرعة الحيوان» جورج أورويل التى قال فيها إنه لو عاش فى عصر يسوده السلام ربما ما كان قد أصبح كاتبا سياسيا، ولكن كان سيتحول إلى كاتب يميل للكتابات المزخرفة والغارقة فى الوصف، واعتبرت أن الضرورة السياسية فى العالم العربى تجعل الأدب العربى المعاصر أكثر ميلا لنقد الأحوال، واستطردت الباحثة إلى أنه على الرغم من ذلك المنحى السائد فإن جائزة البوكر العربية ذهبت فى المرتين التى منحت بها إلى روايات تحمل صبغة تاريخية واضحة وهى «واحة الغروب» لبهاء طاهر و«عزازيل» ليوسف زيدان. على الرغم من احتفاء هذا التقرير الأمريكى بأهمية ترجمة الأدب العربى، إلا أنه لم يخف تخوفه من أن يتحول إغراء الترجمة إلى الإنجليزية والنشر على المستوى العالمى إلى ما وصفتها ب«القوة المفسدة» التى تجعل الأدباء العرب يتجهون بذائقتهم إلى السوق الأكبر مخلفين وراءهم هموم جمهورهم المحلى، وأشارت إلى ان قيمة الترجمة ليست فى تبادل جميع الأعمال الأدبية لأنه يظل هناك الغث الذى لا يفيد نقله شيئا بما فى ذلك الأدب الأمريكى، فيما تظل القيمة فى تبادل القصص التى تشترك فيها الشعوب بصيغ مختلفة، ونقلت عن علاء الأسوانى قوله بإن الأدب يقوم بالدور الأهم وهو أنه يقوم بتغييرنا حقا، وقدمت نموذجا آخر بروايته الثانية «شيكاغو»، التى نقلها إلى الإنجليزية فاروق عبدالوهاب، واستطاع على حد تعبيرها من خلال شهرته وقدرته السردية التى لا يمكن إنكارها أن يحولها هى الأخرى إلى الرواية الأفضل مبيعا فى العالم العربى بعد روايته الأولى، وكذلك لدى جمهور الغرب الذى استطاع أن يولد لديه عن طريق هذه الرواية مشاعر كثيرة يسودها الإحباط والتأمل والاستحواذ.