«واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    تضامن الدقهلية تنظم ورشة عمل للتعريف بقانون حقوق كبار السن    إيقاف أعمال بناء مخالفة بقرية الأشراف في قنا    سعر الدولار فى البنوك المصرية صباح الجمعة 17 مايو 2024    الجزار: انتهاء القرعة العلنية لحاجزي وحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    رسميا.. تجديد تكليف مي فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحي الشامل    17 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    الانتهاء من القرعة العلنية اليدوية لحاجزي الوحدات السكنية ب4 مدن جديدة    وزيرة التخطيط تشارك بافتتاح النسخة الحادية عشر لقمة رايز أب    محكمة العدل الدولية تبدأ نظر دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي (بث مباشر)    أمريكا: تفريغ الحمولة الأولى من المساعدات على الميناء العائم بغزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    ليفربول عن رحيل نجمه: جزء من تاريخنا إلى الأبد    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    بعد تعثره أمام الخليج.. اتحاد جدة خارج دوري النخبة الآسيوي    سيد عبد الحفيظ: مواجهة نهضة بركان ليست سهلة.. وأتمنى تتويج الزمالك بالكونفدرالية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    بدء امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 فى قنا غدا    مصرع ربة منزل ونجليها في حادث دهس أسفل سيارة بعين شمس    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    ضبط زجاجات مياه غازية ولحوم مذبوحة خارج السلخانة ببني سويف    الزعيم عادل إمام يحتفل بعيد ميلاده ال84 اليوم    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    طريقة عمل الهريسة، مذاقها مميز وأحلى من الجاهزة    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    رونالدو يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لديربي الرياض    الشرطة السويدية تطوق منطقة تتواجد بها سفارة إسرائيل بسبب حادث إطلاق نار    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    عاجل - أخبار فلسطين.. مصادر محلية: بدء انسحاب قوات الاحتلال من بلدة بلعا بطولكرم    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحيى الجمل: تعديل الدستور بطريقة سلمية أو الانفجار
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 01 - 2010

قانونى مخضرم وفقيه دستورى ووزير سابق، مشغول «بالهم المصرى»، رغم أعوامه الثمانين.
د. يحيى الجمل هو أحد أنشط الفاعلين فى ساحة الفكر والسياسة. مقالاته لا تتوقف، ولقاءاته لا تنقطع، ومشاركته فى «كل ما يمكن أن يصلح حال هذا البلد» تتعدد من أحزاب إلى جبهات إلى مجموعات صغيرة.
ترك رئاسة حزب «الجبهة الديمقراطية» لأنه يؤمن بتداول السلطة ويعتقد أنه يأتى على الإنسان عمر يجب أن يترك الساحة لآخرين. والأمر ببساطة فى نظره، أن «مصر تستحق أفضل بكثير مما هى فيه».
«الشروق» ذهبت إليه فى مكتبة بالدقى، القريب من مقر أمن الدولة، لتسأله عن أزمة الدستور الحالى وشكل وروح الدستور الذى تحتاجه مصر فى هذه المرحلة.
تعديل الدستور بطريقة سلمية أو الانفجار
جلس د. يحيى الجمل على مقعد خلف مكتبه فى الغرفة التى امتلأت جدرانها بكتب القانون بأغلفتها السميكة، أعطى الموبايل إلى سكرتيرته الخاصة، وطلب منها عدم تحويل أى مكالمات تليفونية.
وبابتسامة عريضة وبلغة فصحى امتزجت بالعامية وبلكنة أهالى دلتا النيل بدأ رجل الدستور حديثه عن النظام السياسى فى مصر: نظريا، مصر هى جمهورية رئاسية، لكن فعليا من الصعب توصيف نظامها السياسى، كما يقول.
«هو نظام الرجل الواحد، نظام يديره فى الأساس شخص واحد وفكر واحد هو رئيس الجمهورية».
باختصار «نحن لسنا فى دولة مؤسسات حقيقية وإنما فى دولة حكم الفرد».
يدرك يحيى الجمل تماما أن هذا الوضع لم يكن حكرا على السنوات الماضية، فمؤسسة الرئاسة فى مصر «كانت باستمرار مؤسسة قوية ومؤثرة. وإن تعاظم دورها فى الفترة الأخيرة».
وسائل الحكم من 1952 إلى اليوم متقاربة إلى حد كبير: «الاعتماد على الأمن، على الفكر الواحد والحزب الواحد وغياب الديمقراطية». الاختلاف الوحيد هو «اختلاف فى الأهداف».
يتذكر يحيى الجمل الذى كان «معاون نيابة» عندما قامت الثورة، حقبة عبدالناصر التى كان بها «مشروع قومى حقيقى، وتنمية صناعية حقيقية وكانت هناك محاولة إلى بعث القومية العربية. مشروع قومى أحس به الناس فى مصر وخارجها وحدث تغير اجتماعى حقيقى فى مصر». يقول الجمل إنه نشأ فى قرية لم يكن فيها فى التعليم سوى هو وأخيه، لكن فى نهاية حكم عبدالناصر كان فيها أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة.
لكن ظل «حكم الفرد والأمن وغياب الديمقراطية».
ويقارن دائما بين مصر والهند، بين عبدالناصر ونهرو، «كلاهما كان عظيما، كلاهما كان وطنيا ومخلصا. لكن نهرو اختار طريق الديمقراطية والبحث العلمى».
ويحكى أن وزير الصناعة الأسبق محمد عبدالوهاب كان يعمل مع مهندسين هنود فى وادى حوف فى تصميم أجنحة الطائرات. «لكن الهند فين وإحنا فين؟.. والهند مشاكلها أكبر مننا مليون مرة. لكن هم اختاروا الديمقراطية والبحث العلمى ونحن لم نختر شيئا». ثم يتحدث عن أيام الرئيس السادات. «كانت فكرة تحرير الأرض هى المسيطرة وظل الخط مستمرا حتى أحداث يناير 1977، ثم بدأ التحول».
وماذا عن حقبة الرئيس مبارك؟
فى البداية، وفقا لرؤية الوزير السابق، كان هناك اهتمام واضح بالبنية الأساسية. هو يتحدث عن المدن الجديدة والطرق والكبارى والتليفونات. لكنها أمور بدأت، من وجهة نظره، أثناء حكم السادات.
«قد يكون التطور موجودا لكنى لا أراه»، هكذا يقول معددا الأسباب التى تدعوه للحديث عن «غياب أهداف لهذه المرحلة». «التعليم ينهار، الصحة تنهار، القمامة بتزيد، كل شىء ماشى ناحية التدهور».
الوسائل واحدة، والديمقراطية غائبة والتردى إلى ازدياد، والحل فى الدستور.
التعديل للأسوأ دائمًا
«لابد من دستور جديد»، هذا ما يعتقده د. يحيى الجمل الذى وجه فى سبتمبر 2008 خطابا مفتوحا فى الصحف إلى الرئيس مبارك قال له فيه «ادخل تاريخ مصر من أوسع أبوابه وادع إلى لجنة تأسيسية منتخبة تضع مشروعا لدستور جديد يضع نظاما ديمقراطيا حقيقيا».
يتذكر الجمل مقولة لأستاذ فرنسى كبير «هناك بلاد بها نصوص دستور وبلاد بها حياة دستورية». ونحن فى مصر لدينا نصوص دستور، «بعضها ممتاز والبعض الآخر شوهته التعديلات».
التعديل الأول تم أثناء حكم السادات فى المادة 77 الذى جعل مدد حكم الرئيس مطلقة وليس فترتين فقط. «ولكى يبلعوها للناس، أضافوا فقرة نفاق اجتماعى، الخاصة بالشريعة الإسلامية، وهى لا تعنى شيئا ولم تغير فى واقع الأمر شيئا». ثم تعديل فى 2005 وآخر فى 2007، «جميع التعديلات كانت للأسوأ».
ومطالب الجمل تتلاقى مع الدعوة التى أطلقها د. محمد البرادعى فى حديثه مع «الشروق». «طرح البرادعى هو طرح وطنى سليم يتفق مع النخب السياسية المخلصة لهذا البلد».
يشعل سيجارا ويتناول رشفة من فنجان قهوته قبل أن يقول بصوت هادئ ويتوقف عند كل كلمة كأنه يشرح لطلبته فى كلية الحقوق: «لابد من إحداث تعديلات جوهرية فى الدستور».
يتدارك «لا يعنى ذلك إلقاء دستور 71 فى البحر أو تجاربنا الدستورية السابقة». يعتقد الفقيه الدستورى الذى شارك فى صياغة دستور 1971 ومن قبلها فى مشروع 1954 ضمن لجنة محايدة مستقلة، كان معه فيها على ماهر والسنهورى وسيد صبرى. وهو الدستور الذى رفضه مجلس قيادة الثورة آنذاك «لأنه كان يقيد السلطة وينشئ جمهورية برلمانية حقيقية»، أن مصر لديها ثورة دستورية كبيرة ونصوص ممتازة، لكن «نحن نريد صياغة دستور جديد متناسق». فالدستور الحالى ملىء بالعيوب، أولها فى المادة 77 التى أطلقت مدد رئاسة الجمهورية.
«حيث لا يوجد تداول للسلطة لا توجد ديمقراطية».
يعتقد الجمل أن وجود رئيس سابق يمشى فى الأسواق بين الناس هو ضمانة من ضمانات الديمقراطية. يستدعى تجارب فى دول أخرى: هناك مؤسسة اسمها الهند، الانتخابات تجرى لحساب الهند ويسقط زعيم الأغلبية ويأتى زعيم المعارضة. تسقط أنديرا غاندى وتحاكم انديرا غاندى ابنة نهرو. فى أمريكا، نجد كارتر وكلينتون وبوش الأب وبوش الابن، 4 رؤساء جمهورية سابقين ماشيين فى الشارع، حصانتهم القانون وعملهم. فرنسا نلاقى جيسكار ديستان وشيراك رؤساء جمهورية سابقين.
ويعتقد الفقيه الدستورى أن كون الرئيس يعلم أنه سيكون «رئيسا سابقا» فى يوم من الأيام هذا سيجعل «سلوكه مختلفا عن شخص يعلم انه باقٍ على طول، حتى يذهب إلى عالم آخر».
«لابد إذن من تحديد كيف يأتى الرئيس، وإلى متى يستمر، وما سلطاته ومسئولياته. فلا يوجد فى النظام الحديث سلطة بلا مسئولية».
«طالما هناك سلطة لابد أن يقابلها مساءلة». وفى الدستور المصرى لا تقع أى مسئولية على الرئيس، فى حين يعطيه صلاحيات كاملة. «فهو رئيس السلطة التنفيذية، هو يملك إصدار قرارات بقوانين، هو يملك ويملك ويملك.. سلطات لا حدود لها خاصة فى ظل حالة الطوارئ». يتساءل رجل القانون «هل من المعقول أن يكون هناك قانون للتفويض يجدد منذ 30 عاما بلا مناقشة فى مجلس الشعب؟ فى حين أن التفويض مكروه فى الحياة الدستورية».
يقصد الجمل بالتفويض «أن الدولة تفوض رئيس الجمهورية فى صفقات السلاح وصفقات البترول».
الخطيئة الدستورية
تتعدد عيوب الدستور الحالى لتصل إلى المادة المثيرة للجدل الأكبر بين النخبة، وهى المادة 76 المتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية.
هل المادة 76 تصلح لأن تكون مادة فى الدستور؟ يتساءل الجمل بانفعال شديد: «أنا أطلقت عليها اسم الخطيئة الدستورية»، وقلت هذا الكلام فى مجلس الشعب، قلت لهم التاريخ هايحسبكم.
من صاغ هذه المادة «أهان مصر، أهانه الله».
هذه المادة، فى تفسيره، جاءت لتقول: «لا أحد يستطيع أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية فى مصر إلا رئيس الحزب الوطنى أو من يختاره الحزب الوطنى». «أى تفسير آخر لهذه المادة هو نوع من العبث». أول سطرين فى هذه المادة هما حكم دستورى «ويتم انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب العام السرى المباشر»، كل ما يأتى بعد ذلك يصلح للقانون العادى أو اللوائح أو التعليمات.
يزداد انفعال الرجل، يختفى صوته قليلا فيأخذ قرصا ملطف للأحبال الصوتية: 4 صفحات، مادة فى الدستور؟ هذا شىء لا مثيل له فى العالم. أنا عندى فى المكتبة كل دساتير العالم، لا توجد مادة بهذا الشكل.
المسألة ليست نصا أو بندا فى الدستور فقط وإنما هى الغاية من التشريع. المشرع أراد «تأكيد وتثبيت السلطة»، فى حين أن الأصل فى الدستور أن يقيد السلطة ويوسع مساحة الحرية.
ذلك يفسر لماذا رفض عبدالناصر قبل نصف قرن دستورا قد يحد من سلطاته، ولماذا تمت صياغة التعديلات الأخيرة بالشكل الذى خرجت عليه، ويفسر فى المقابل لماذا خرجت الدعوات للمطالبة بإنشاء هيئة أو جمعية منتخبة لصياغة دستور جديد لمصر.
المجتمع يقود التعديل
عمليا، ووفقا للمادة 189 من الدستور يحق فقط لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس الشعب «اقتراح التعديل».
لكن القاعدة، كما يشرح د. يحيى الجمل «إنه عندما يحدث تغير وتطور اجتماعى لابد أن يستجيب الدستور لهذا التغير».
يستشهد الجمل للمرة الثانية بتجارب دستورية فى دول أخرى. الدستور الأمريكى مثلا عمره 230 عاما تغير فيها 28 مرة.
صحيح أن الدستور الأمريكى عندما وضع كانت صياغته «سيئة جدا» لأنه لم تكن هناك «صياغة دستورية وصياغ دستور». الصياغة الدستورية أصبحت اليوم فنا وعلما، «مش جهجاهونى زى المادة 76».
الدستور الفرنسى لعام 1958، مثال آخر أدخلت عليه تعديلات جوهرية آخرها عام 2008. كانت مدد الرئاسة مطلقة تم تحديدها باثنين فقط، فى حين انه فى الواقع لم يستمر أى رئيس فرنسى فى منصبه أكثر من مدتين، لكن تم تعديل العرف بالنص وتم تقليل فترات الرئاسة لتصبح 5 بدلا من 6 سنوات، وتم تعديل المواد الخاصة بالمجلس الدستورى الفرنسى بالكامل.
لكن فى التجربة المصرية، كانت القاعدة دائما أن مبادرة تعديل الدستور تأتى من رئيس الجمهورية.
«هو الذى يملك مقاليد الأمور»، يقول الجمل وهو يتذكر واقعة أخرى. «فى يوم قلت للملك حسين، ملك الأردن: أنتم سمعتم كثيرا ما تحبون أن تسمعوه، آن الأوان أن تسمعوا ما يجب أن تسمعوه. كان رجلا فى غاية الأدب والدبلوماسية. قال لى: ومن أين لنا أن نسمع ذلك إذا لم نستمع إليه من أساتذتنا. وهذه الواقعة عليها شهود منهم أخوه الأمير حسن، وبعض رجال الحكم فى الأردن.
«وأنا اليوم أقول ما يجب أن يسمعوه، حتى لو وصف رجال النظام الأمر بأنه انقلاب دستورى». يضحك الجمل، وهو يسأل: «هو البرادعى ماسك بندقية؟ أن أعتقد أنه لا يستطيع أصلا أن يمسك مطواة. هو البرادعى فى إيده إيه؟ أو هيكل أو أنا أو غيرنا؟ ليس فى إيدنا بندقية ولا دبابة». نحن نتحدث عن تعديل دستورى، تغير دستورى. «لكن لأنه لا يعجبهم يبقى انقلاب، لأنه هايشيلهم من أماكنهم يبقى انقلاب».
ملامح الدستور الجديد
يعتقد الجمل أن د. البرادعى «لم يخترع العجلة وهذا ليس انتقاصا من قدره إطلاقا»، كما يقول، بل هو يعبر فى حواره عن نبض النخب المستنيرة وعن نبض الشارع المصرى. وما تطلبه هذه النخب وهذا الشارع دستور به «مزيد من الحرية ومزيد من القيود لتحجيم دور السلطة.
ولا مجال فى هذا الدستور الجديد للحديث عن كوتة فلاحين وعمال مرأة أو أقباط. يعود مرة أخرى للتاريخ ليستشهد به عندما كان هناك حياة حزبية حقيقية.
«كان عندنا رئيس مجلس نواب قبطى، ورئيس وزراء قبطى ووزير خارجية قبطى. لنترك الحياة السياسية حرة سيكون لدينا أقباط وسيدات. لكن كوتة للأقباط؟ عيب. الأقباط هما مصر، ما ياخذوا 90%، ايه المانع؟».
ويلقى يحيى الجمل نكتة يعتقد أنها معبرة جدا عن توجهات الشارع وعن الحياة السياسية فى مصر. «البابا شنودة بيقول للرئيس: يا ريس ليه ما فيش غير وزير واحد مسيحى؟ قال له: نزودهم. طيب ليه ما فيش رئيس وزراء مسيحى؟ قال له: زى بعضه نجيب. قال له: طيب فى 4 نواب رئيس جمهورية، ليه ما فيش منهم قبطى واحد. أجابه السادات: وماله.
قال البابا: طيب ليه ما فيش رئيس جمهورية قبطى؟ أجاب: ولا حتى مسلم».
يتفق الجمل مع البرادعى أن الحل ليس فى تعديل المادة الخاصة برئيس الجمهورية فقط. «أعتقد أن هذه مناسبة لالتقاء كل النخب المصرية، خاصة أنه توجد على الساحة 7 أو 8 مجموعات تكاد تتفق على أهداف واحدة، هى نفس الأهداف التى طرحها البرادعى».
كيانات متقاربة من بعضها ونجد فيها أشخاص متكررين. «يا ريت تكون عودة الدكتور البرادعى مناسبة أن تلتقى كل هذه النخب فى كيان واحد، فى جبهة واحدة. ليس حزبا لأن الدولة لن تسمح به، وإنما إلى حد ما جبهة تشبه التى أطلقها د. عزيز صدقى».
«الفكرة موجودة لكن عايزة اللمة».
قد تجمع البرادعى مع عمرو موسى. الأول أنهى عمله فى الوكالة وحريته فى الكلام «أوسع» والأخير «نشأ فى الدبلوماسية المصرية وكلامه فى جملته سليم، لكنه يختار ألفاظه اختيار دبلوماسى. ألفاظ يدرك أن صلته بالنظام عضوية».
لكن أوشكت مدة عمرو موسى فى الجامعة العربية على الانتهاء. ووفقا لشهادة د.يحيى الجمل «موسى ليس من النوع، الذى يعيش سلبى. هو بطبيعته إيجابى وأنا أعرفه معرفة جيدة». الملعب السياسى، كما يقول، مفتوح للبرادعى ولعمرو موسى ولكل المخلصين لهذا البلد، وهم كثيرون.
بمن فيهم الإخوان؟ «لا يجب أن ننكر أنهم أقوى تنظيم موجود فى الشارع، ليس لأنهم أغلبية ولكن لأنهم الأكثر تنظيما»، مرحبا بمن يرى منهم أن الدولة المدنية هى الأصل. «مفيش أسوأ من الدولة الاستبدادية الفردية غير الدولة الدينية. فى الأولى انتقد رئيس الجمهورية لكن فى الثانية واحد بيقول ربنا قال، نرد عليه نقول إيه: ربنا ما قالش؟»
طريقان للمستقبل
يؤكد الجمل أن الشعب المصرى فى أى انتخابات حرة يختار الحزب الذى كان يدافع عنه، وقبل الثورة كان حزب الوفد، «الوفد الأصلى».
يقول: كانت ملايين الجنيهات تنفق من الأحرار الدستوريين والأغنياء ويأخذها الفلاح المصرى ورغم ذلك ينتخب الوفد، لأنه كان يدافع عنه ضد القصر وضد الإنجليز وكان اختياره سليما وكان واعيا جدا.
وبتعبير أستاذ القانون «الشعب المصرى فراز ولا أحد يضحك عليه. هو يضحك عليهم بالصمت كأنه يقول: «خليهم يفتكروا إنى مصدق».
الجبهة التى يقترح د. الجمل تشكيلها من «المخلصين» تكون مهمتها «مخاطبة الرأى العام والضغط عليه من أجل أن يضغط هو فى اتجاه التغيير».
طيب وإذا كان من فى الأعلى لا يريد التغيير؟
إذا كان جمال مبارك، نجل الرئيس مبارك والقيادى بالحزب الوطنى، يقول: «لا تعديلات دستورية مقبلة»؟
«لما يكون حوار طرشان، يبقى للأسف بنقول لا يوجد حل سوى الانفجار».
يعتقد الفقيه الدستورى يحيى الجمل أن مصر على مفترق طرق. الطريق الأول يبدأ بتعديل سلمى للدستور «وفق الإجراءات العادية»، أما الطريق الثانى فهو «يعرض البلد للانفجار وهذا أمر لا يريده أحد».
«التوتر بيزيد والاحتقان بيزيد والتردى والفقر بيزيد والغنى فى قطاع ضيق جدا بيزيد. كل هذه علامات عدم صحة فى المجتمع. عندما يمرض المجتمع ويمرض، لابد أن ينتفض فى لحظة من اللحظات».
يعتقد الجمل أنه لا يوجد من يريد انفجارا فى هذا البلد، لا النخب على اختلافها، ولا الأشخاص على تعددهم. «لا نريد ثورة فى هذا البلد، وإنما نريد تغييرا سلميا، ويملك هذا، رئيس الجمهورية».
ينتهى اللقاء برسالة أخرى يوجهاا يحيى الجمل إلى الرئيس مبارك الذى «قدم حياته لمصر فى وقت من الأوقات واليوم نحن نقترب من 85 عاما، ربنا يديه الصحة، لكن لا بد من إعطاء مصر حقها لأن مصر تستحق أفضل بكثير مما هى فيه. ليس من مصلحة مصر أبدا أن تظل السلطة فى يد مجموعة محددة إلى أبد الآبدين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.