«جولف فى المدينة»، عبارة ادرجتها اخيرا الصحافة الأمريكية وتداولتها فى اطار تناولها اليومى ل«مسلسل» فضائح نجم الجولف تايجر وودز، مستلهمة عنوان الفيلم «جنس فى المدينة». لأنه تايجر وودز كل شىء يقدم عنه يضخم، ليأتى بحجم شهرته وثروته، البطل الأعلى دخلا فى العالم (100 مليون دولار سنويا) والذى حصد جوائز مالية تخطت المليار دولار، والنجم الذى زاد من شعبية الجولف، هو النموذج والمثال الواعد لهذه الرياضة، فلا عجب اذا اثيرت حوله كل هذه الضجة العاصفة، وعلى الطريقة الأمريكية طبعا. ومثلما أمعنت الماكينة الإعلامية فى فبركة صورة البطل وبلورتها، ها هى تمعن فى تهشيمها كما هشم مقدم سيارته وزجاجها (كاديلاك اسكاليد رباعية الدفع) نتيجة الحادث المشئوم الذى فتح على وودز «أبواب الجحيم»، وطبعا كان رأس الخيط استهتاره الذى فضح ارتكاباته وضلوعه فى فضائح جنسية، فكرت السبحة وبات «المثال» فى وضع لا يحسد عليه. وما يلخص هذا الموقف الحرج «الشره» الذى كان عليه وودز، إذ أوضحت «مدام ميشال براون» التى كشفت لمحطة «فوكس نيوز» انها كانت تؤمن له شابات، أن نجم الجولف كان مفرطا جدا فى علاقاته، وقد «خاطر كثيرا وكان لابد أن يكشف أمره نظرا إلى عدد الشابات اللواتى عاشرهن ووتيرة ذلك». والصورة المطلوبة أن يكون عليها البطل هى الشخصية المثالية المشعة والمتألقة، التى تجسد الرمز المؤثر والملهم للأجيال. وهى طبعا النظرة الأمريكية لهذا البطل المثال فى الأداء والنتائج والقيم والتصرف الأخلاقى. فهو يمثل الصورة المستقيمة التى يشترطها ايضا المواطنون على السياسيين، وكثيرا ما يخيب ظنهم بهم. ويحمل البطل على منكبيه دائما أثقالا من المسئولية والقيم على غرار حمل «الكادى» مضارب الجولف وسيره خلف اللاعب. المشكلة فى مسألة وودز التى ورطته أنه بطل القصة من ألفها إلى يائها مع انعكاساتها على الصناعة الرياضية الأمريكية وتمويلها، وتحديدا الجولف، فى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. حالة تقض مضاجع شركات الإعلان وشبكات التلفزة، وإذا كانت الفضائح تغذى وسائل الاعلام بالأخبار والنشاط، فإن «فضائح» وودز تفخخ موازناتها لا بل «تفجرها». هكذا يعرب رعاة ومعلنون ومحطات تلفزة عن انزعاجهم علنا، فهم يخشون أن تطير مئات ملايين الدولارات مخصصة لتمويل دورات الجولف فى الموسم المقبل، وبعض هذه «الثروات» مرتبط أساسا بمشاركة وودز، الذى اعلن اخيرا ابتعاده عن الميدان لأجل غير مسمى للاهتمام بعائلته وانقاذ زواجه بعد اعترافه بخيانة زوجته عارضة الأزياء السويدية السابقة الين نورديجرين، التى تزوجها قبل خمس سنوات، ولهما ولدان: سام الكسيس المولدة عام 2007، وتشارلى اكسيل (10 شهور). الآن يتعين على وودز (33 سنة) «اجتياز» مسيرة طويلة ليصلح صورته ويستعيد «وقاره واحترامه»، ففى افتتاحية لمايكل هيلتزيك فى صحيفة «لوس انجليس تايمز»، اعتبر أن مهنة تايجر وودز هى لاعب جولف، لكن عمله الأساسى هو خلق صورة عامة براقة، وهناك حركة اقتصادية كاملة مرتبطة بشخصه وتصرفاته. إنه عالم المحترفين الذى يجذب الرعاة والمعلنين ومصنعى مضارب الجولف والسيارات ومقتنيات فاخرة كثيرة. وما أورده هيلتزيك يستند إلى وقائع وأرقام، باعتبار أن شركات راعية تعيد النظر فى عقودها مع وودز، فمثلا شركة «جيليت» لأدوات الحلاقة وهو أحد وجوهها، أوقفت حملاتها الإعلانية التى يظهر البطل فيها، ومثلها فعلت ساعات «تاج هوير» ومشروب الطاقة «جاتوريد». تجاوز وودز المحن مرتين، إذ تخطى مأساة موت والده ثم إصابته فى ركبته التى أبعدت طويلا، وفى حال عودته مجددا إلى المنافسة، سيتجدد طموحه لنسخ رقم مواطنه جاك نيكلوس الفائز فى 18 جائزة كبرى، إذ أن رصيد وودز متوقف حاليا عند الرقم 14 فى الجراند سلام (عام 2001 كان اول لاعب يفوز بالدورات الكبرى على التوالى). وودز المتوارى عن الانظار والذى يتواصل مع الخارج عبر الشبكة العنكبوتية بانتظار أن يهدأ البركان، يعانى بدون شك من الطريقة الأمريكية فى التعاطى مع النجوم، لكنه يأمل بنهاية «هوليوودية سعيدة» ينتصر فيها البطل اخيرا مهما كابد من مشقات وعانى من صعاب، فتنتصر الورود على الأشواك. من هنا جاء اعتذاره من الجميع على موقعه الالكترونى، وطلبه الصفح والمغفرة، حين أعلن ابتعاده فترة غير محددة عن رياضة الجولف وتركيز اهتمامه على أن يكون أفضل كزوج ووالد وشخص. لكن هل يعود «الاسطورة» أفضل؟