على الرغم من أن تحريم التعاملات بالفائدة فى البنوك الإسلامية فى الشرق الأوسط ربما قد حمت الأسواق من أزمة الاعتماد، فإن الوقت أثبت أنها ليست فى مأمن من الأزمة المالية والاقتصادية التى نجمت عن ذلك. فقد تقلصت الأرباح فى جميع أنحاء المنطقة بسبب الخسائر الاستثمارية وتصاعد مشكلات القروض. وفى دبى، اضطرت الحكومة إلى التدخل لإنقاذ اثنين من البنوك العقارية الإسلامية، كما تترقب البنوك الإسلامية فى قلق إعادة هيكلة دين الإمارة. وفى الكويت تعانى شركة دار الاستثمار، وهى شركة مالية إسلامية كبرى تمتلك شركة آستون ماترن لصناعة السيارات، من التعثر. ويقول مدثر صديقى، الشريك فى شركة دينتون وايلد سابت للمحاماه، والخبير فى الشريعة الإسلامية: «حتى إذا بنيت مسجدا وأهملت وضع مانعة صواعق فى مئذنته، فإنه إذا لا قدر الله هبت عاصفة رعدية، فإنها قد تصيب مئذنة المسجد بضرر». ويضيف: «إذا اشترى شخص بيتا بقرض عقارى إسلامى، فلن يكون هذا الشخص فى مأمن إذا انخفضت أسعار المساكن. وإذا قام بنك بإقراض الكثير جدا من المال، فلن يكون فى مأمن إذا تدهورت أحوال السوق». وعلى الرغم من أن حال الصناعة المصرفية الإسلامية لم يكن أسوأ من حال النظام المصرفى التقليدى فى المنطقة، فإن أداءها يشكك فى تأكيدات العديد من رموزها على أن نموذجهم أقوى بطبيعيته. وقد ضمن تحريم الفائدة ألا تتعرض البنوك الإسلامية لذلك الحجم نفسه من الاستدانة الذى تعرضت له المؤسسات المالية الغربية، غير أن العديد من البنوك الإسلامية مازالت تتخبط بسبب الأزمة المالية التى تلت إفلاس بنك ليمان براذرز. ويقول المدير الإقليمى لبنك دولى كبير: «كانت الصناعة بالفعل تتفوق على نفسها قبيل الأزمة. وإذا ما نظرت حولك فستجد العديد من الشركات الاستثمارية والبنوك الإسلامية نالت نصيبها من المتاعب». والمشكلة الرئيسية هى التعامل فى العقارات. وغالبا ما يشترط التمويل الإسلامى وجود أصل مادى لإتمام المعاملات، وتحدد أحكام الشريعة أنواع الأصول المسموح بها للمؤسسات المالية الإسلامية. وأدى ذلك إلى تكالب الكثيرين على العقارات بوجه خاص، ورغم تمتع الأسهم وشركات الأوراق المالية الخاصة بشعبية أيضا فإنها كانت تمثل إشكالية بالقدر نفسه. ويقول محمد إدريس رئيس التمويل الإسلامى فى بنك نومورا: «أبلت البنوك الإسلامية بلاء حسنا.. ولكن العقارات كانت من أكثر أنواع الأصول تضررا، والمؤسسات الإسلامية لديها قدر كبير من التعاملات فى القطاع العقارى». وبدأت الديون المعدومة فى الظهور، وزادت من سوء النتائج. فقد سجل بنك البحرين الإسلامى صافى خسائر بلغ 3.6 مليون دولار فى الربع الثالث من عام 2009، بسبب تصاعد مشكلات القروض، وقال بنك دبى الإسلامى: إن الأرباح تراجعت بنسبة 30% إلى 81.6 مليون دولار بعدما سجلت 109 ملايين دولار من الديون المعدومة. بل إن بنك قطر الإسلامى، المؤسسة البارزة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية فى أسرع الاقتصادات الخليجية نموا، سجل تراجعا فى الأرباح بنسبة 16.7% لتصل أرباحه إلى 274.4 مليون دولار فى الفترة نفسها. من ناحية أخرى، سجل بنك الراجحى فى المملكة العربية السعودية، أكبر البنوك الإسلامية فى العالم، صافى أرباح بلغ 468.6 مليون دولار فى الربع الثالث من 2009، بارتفاع 2% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضى. ويقول خبراء إن بنك الراجحى لا يستفيد من الاقتصاد السعودى القوى فحسب، بل كذلك من تركيزه على نشاط التجزئة المصرفى الأساسى، أكثر من التركيز على النموذج الذى توجهه الرغبة فى ملاحقة العائد، وهو النموذج الذى تتبعه فى الواقع العديد من البنوك الإسلامية. ويقول إقبال خان، الرئيس التنفيذى لشركة «فجر كابيتال» والرئيس السابق لبنك «إتش إس بى سى أمانة» الذراع الإسلامية لبنك إتش إس بى سى البريطانى: «يقع منجم الذهب بالنسبة للتمويل الإسلامى عند أسفل سلم العملاء، تلك الجماهير المتزايدة من المسلمين الذين يعانون من نقص الخدمات». ويضيف: «البنوك الإسلامية عانت من المتاعب عندما حاكت البنوك التقليدية وسعت وراء الأرباح». ويثق المصرفيون الإسلاميون فى أنه على الرغم من أن القروض المتعثرة سوف تظل قضية قائمة مثلما هى بالنسبة للبنوك التقليدية فى أنحاء المنطقة فإن ما يكمن خلف هذه الصناعة هو الأسوأ. ويتحول التفكير الآن إلى كيفية تحقيق المزيد من تطوير الصناعة، ومن بين الأولويات التى يحددها المصرفيون خلق سوق مال إسلامية أكثر شمولا، حتى تستطيع البنوك إدارة السيولة قصيرة الأجل. ذلك أنه عادة ما تضع البنوك الإسلامية الفوائض فى أدوات مالية قصيرة الأجل مضمونة بسلع ومقبولة لرجال الدين، لكنها ليست الاستثمار الأمثل ويقول السيد صديقى: «يعد غياب سوق مال إسلامية تحديا كبيرا للغاية. وأعتقد أن الناس يتطلعون إلى شىء أكثر أصالة من النظام الحالى». ويقول بنك البحرين المركزى إنه يعمل على إيجاد حلول منتظرة منذ زمن. غير أن خالد حمد المدير التنفيذى المسئول عن البنوك الإسلامية لا يستطيع أن يحدد متى ستكون هذه الحلول جاهزة. ويقول مصرفيون إن المزيد من دعم هذا القطاع ربما يكون نعمة. فعلى الرغم من التوسع الذى شهدته البنوك الإسلامية القائمة فى الخليج، فإن القطاع مازال صغير الحجم بالنسبة للقطاع المالى التقليدى. ويقول مصرفيون إن متاعب الديون فى دبى من الممكن أن تؤدى إلى شكل من أشكال التضامن. فمن المعتقد أن البنوك الإسلامية تتعامل بشكل كبير مع السندات الإسلامية فى دبى. ويقول السيد خان: «الصناعة مجَزَّأة على نحو كبير، وهناك حاجة لقيام مؤسسات إسلامية أكبر تستطيع عرض تعاملات بأى حجم فى أسواقنا الأساسية». ويضيف: «فى نهاية الأمر سيكون هناك من يجب عليه دعم الصناعة إقليميا، وربما دوليا».