يتوقع الخبراء أن تفقد مصر 20٪ من مساحة الدلتا خلال المائة عام المقبلة، لو ارتفع مستوى مياه البحر المتوسط لمتر واحد فقط، وربما يحدث ذلك بحلول عام 2100 «مصر واحدة من خمس دول هى أكثر الدول تعرضا للآثار السلبية للتغيرات المناخية فى العالم، سواء بارتفاع سطح البحر أو غرق أجزاء من الدلتا وما يعكسه كل ذلك من أضرار اجتماعية واقتصادية، ورغم ذلك فإن قضية تغير المناخ لم تؤخذ بجدية بعد فى مصر». د. منال البطران، أستاذ التخطيط العمرانى والإقليمى بالمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، تقول فى دراستها عن «أثر تغير المناخ على مصر» إن ارتفاع سطح البحر الأبيض بمقدار نصف متر، سوف يؤدى الى غرق مساحة كبيرة من الأراضى الساحلية لدلتا النيل. الوجه البحرى يطرد سكانه وكان تقرير صدر عن اللجنة الحكومية للتغير المناخى التى يرأسها نائب الرئيس الأمريكى الأسبق آل جور، ونشرته صحيفة الجارديان البريطانية مؤخرا، قد وضع دلتا مصر بين أكثر ثلاث مناطق فى العالم معرضة للغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار نتيجة ذوبان الجليد من القطبين نظرا لارتفاع حرارة كوكب الأرض. وأشار التقرير إلى أن أكثر السيناريوهات تفاؤلا تحذر من أن غرق مساحات واسعة من الدلتا التى تعد واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية سيؤدى إلى هجرة ملايين المصريين منها. وتوقع الخبراء أن تفقد مصر 20% من مساحة الدلتا خلال المائة عام المقبلة، فى حال ارتفع مستوى مياه البحر المتوسط لمتر واحد فقط. أما السيناريو الأكثر تشاؤما فهو زيادة مستوى البحر لحده الأقصى المتوقع وهو 14 مترا، مما يعنى غرق الدلتا بالكامل ووصول البحر المتوسط للضواحى الشمالية للقاهرة. الإسكندرية تفقد نصف مساحتها أكثر المناطق تأثرا هى مناطق محافظتى الإسكندرية وبورسعيد والبحيرة وكفرالشيخ وجنوب البرلس وجنوب المنزلة على البحر المتوسط. وحيث إن مدينة الإسكندرية وهى من أقدم المدن على ساحل البحر الأبيض، ومن أهم المدن السياحية والصناعية والتجارية، والتى تمتد على طول الساحل بنحو 60 كيلو مترا اعتبارا من خليج أبى قير شرقا إلى سيدى كرير غربا، ويتركز فيها نحو 40% من الصناعات المصرية، هى أكثر المدن تضررا من ارتفاع منسوب سطح البحر، فقد قام معهد الدراسات العليا بجامعة الإسكندرية بدراسة تفصيلية بمشاركة معهد بحوث حماية الشواطئ لتقييم الآثار المترتبة على ارتفاع سطح البحر فى المحافظة، وذلك باستخدام تكنولوجيا الاستشعار عن البعد وقواعد المعلومات الجغرافية بالإضافة إلى القياسات والبيانات الأرضية المتاحة. وقد أوضحت السيناريوهات المصممة بناء على المعلومات المتاحة أن زيادة فى منسوب سطح البحر بمقدار 50 سنتيمترا، فى حالة عدم القيام بأى إجراء حماية للمناطق الساحلية المنخفضة عن سطح البحر أو سد للمنافذ المؤدية إليها، سوف يترتب عليها فقدان نحو 51% من جملة مساحة محافظة الإسكندرية، و48% من المواقع الأثرية، و20% من الأسواق التجارية، و90% من جملة الأراضى الزراعية بالمحافظة، و65% من جملة المصانع بالمحافظة. كما يترتب عن هذه الأضرار تشريد 1.5 مليون شخص فى الإسكندرية وحدها، كذلك فقدان نحو مائتى ألف وظيفة بحلول منتصف القرن، كما سيخسر القطاع السياحى نحو 55% من حجمه الحالى. الملح والجفاف يهاجمان محافظات الشمال وتلفت الدراسة النظر إلى أنه ربما يكون من المفيد فى بعض المواقع أن تستغل المناطق التى سيغرقها ارتفاع سطح البحر فى إنشاء المزارع السمكية بدلا من حمايتها، كما تؤكد أيضا على ضرورة تكرار مثل هذه الدراسة على محافظات البحيرة كفر الشيخالدقهليةدمياط بورسعيد الإسماعيليةسيناء الشمالية والجنوبيةالسويس باستخدام أحدث الإمكانيات والبيانات الحديثة. وذلك حتى يمكن الحصول على صورة تفصيلية واضحة عن التأثيرات المتوقعة على جميع المناطق الساحلية وتحديد الاستغلال المناسب لاستخدام الأراضى فيها. وهكذا تؤكد د. منال البطران أن تأثير التغيرات المناخية على شمال الدلتا أمر لا مفر منه، مشيرة إلى أن السيناريوهات المصممة بمعرفة «اللجنة الدولية الحكومية للتغيرات المناخية»، والمؤسسات البحثية الأخرى تدل على أن النطاق الساحلى فى مصر يقع ضمن مناطق الخطر الكبرى التى سينالها النصيب الأكبر من التغييرات المناخية فى العالم، ويمتد هذا النطاق الساحلى نحو 3500 كيلو متر طولا بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويضم نحو 40% من عدد سكان مصر، والغالبية العظمى من هؤلاء السكان يتمركزون فى عدد صغير من المدن المطلة على السواحل مثل الإسكندرية وبورسعيد ودمياط ورشيد والسويس. وهذا النطاق الساحلى ذو أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية؛ فهو يضم نحو 80% من الصناعات المصرية. وتتجسد خطورة التغيرات المناخية على مصر بصورة أوضح فى النطاق الساحلى الممتد شمال دلتا النيل بين بورسعيد شرقا والإسكندرية غربا، فهذا النطاق هو الأكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية وأهمها ارتفاع منسوب سطح البحر، نظرا لانخفاض سطحه من ناحية، وطبيعة تربته من ناحية أخرى، فهو يمثل القوس الشمالى لدلتا نهر النيل. وأراضى الدلتا هى أراض طينية رطبة، تتميز بوفرة المياه الجوفية بالقرب من السطح، وقابليتها للانخفاض المستمر بمرور الزمن. وكما تضيف البطران، فإن الدراسات الحديثة فى مصر تؤكد أن أجزاء من أراضى الدلتا الواقعة حول البحيرات قد تملحت بالفعل، وأن مياه البحر قد تخللت التربة فى الأجزاء الشمالية من الدلتا مما قلل من كفاءة ونوعية المياه الجوفية هذا بالإضافة إلى عمليات التجريف التى أحدثتها يد الإنسان والتى أدت إلى تقليص المساحة المنزرعة. حماية الشواطئ من النحر أنسب الحلول فى الوقت الحالى هو التغذية الصناعية الدورية للشواطئ لحمايتها من النحر والارتفاع المتوقع لسطح البحر وقد تم سابقا إجراء هذه التغذية فى الإسكندرية وحساب تكلفتها. ويلاحظ أن التغذية الصناعية سوف تحمى المنطقة من غرق المناطق المنخفضة فى جنوب المحافظة ولكنها لن تمنع الزيادة المتوقعة فى تغلغل المياه المالحة وارتفاع مستوى المياه الجوفية وامتداد تملح الأراضى وتطبيلها وفقدان إنتاجيتها تدريجيا.