يفصل محمد حصانه عن عربة الحنطور وهو يداعبها برفق ويضع فمه الملىء بالسكر أمام فم الحصان، «أنا رايح أسبح مونيكا»، يقول محمد لزميله قبل أن يصطحب «مونيكا»، حصانه المحبب، لرحلة الاستحمام الأسبوعية. تمشى «مونيكا» مع صاحبها إلى داخل مستشفى بروك البيطرى الخيرى بمدينة أسوان. قبل الاستحمام، تذهب مونيكا، التى تعرف الطريق جيدا من اعتيادها عليه، إلى أرض رملية واسعة داخل المستشفى. تبدأ فى التقلب على ظهرها داخل الرمال فى استمتاع شديد «هى كدا مبسوطة، زى ما البنى آدم بيحب يهرش جلده بالظبط». بعد أن تكتفى مونيكا من اللهو فى الرمال، يبدأ محمد فى تنظيف جسدها وغسل شعرها بالشامبو، ليغسل عنها عناء عمل أسبوع طويل. «الرملة دى مخصصة للعب الحيوانات، لأن تصرف الحيوان على طبيعته هو واحد من حقوقه الخمسة الأساسية»، كما يقول د. جمعة عواد، كبير أطباء مستشفى بروك بأسوان، أما باقى الحقوق، فهى الأكل والشرب، العلاج من المرض والإصابات، الراحة من إرهاق العمل، وعدم التعرض للتعذيب النفسى. بمكتب د. جمعة صورة كبيرة لدوروثى بروك، البريطانية التى قدمت إلى مصر فى الثلاثينيات لتنشئ مستشفى خيريا بالقاهرة للخيول والحمير العاملة بمصر، امتدت فروع المستشفى لمحافظات كثيرة، مازال أحفاد بروك يزورون مصر كل عام، وكانت آخر زياراتهم لأسوان عام 2000. يمشى د. جمعة أمام بوابات متراصة، وراء كل منها حيوان يعانى حالة مختلفة. يشير د. جمعة إلى حصان يقف على ثلاثة أرجل، فى حين يثنى قدمه اليسرى الأمامية حتى لا تلمس الأرض. «دا حصان خبطته عربية من 3 أيام، وقدامه 4 أيام كمان عشان يمشى على رجله تانى»، يقول د. جمعة: إن حوادث السيارات هى السبب الأول فى أغلب إصابات الحيوانات فى المستشفى. سوء معاملة أصحاب الحيوانات هو سبب أساسى فى تدهور حالها أيضا فى رأى د. جمعة. «طرق مدينة أسوان مليانة منحدرات ومطالع، فلازم الحصان يبقى معاه حمولة قليلة علشان ما يتعبش». لكن الكثير من سائقى الحنطور يهتمون فقط بزيادة عدد الركاب لزيادة أجرهم، حتى لو كان ذلك على حساب صحة الحصان. «الحمولة الزائدة بتجيب للحصان التهابات فى ظهره وفى رجله، وبنشوفها كتير فى المستشفى»، يقول د. جمعة. السرج غير المناسب هو أيضا سبب شائع فى التهاب مفاصل ظهر الأحصنة. «سرج الحصان لازم يبقى متفصل على مقاسه، زى قميص البنى آدم بالضبط»، يقول د. جمعة، لكن بعض السائقين يستخدمون سرجا واحدا لكل الأحصنة التى يقودونها، «والحصان بيتعب جدا لو السرج ضيق أو واسع عليه». يقول د. جمعة إن المستشفى ينظم دوريا حملات توعية للحدادين العاملين فى تصميم السروج والحدوات، من أجل تعليمهم الأسلوب العلمى فى هذه الصناعة لضمان راحة وصحة الحيوانات. «وفى حالة حمير النقل، بنعلمهم أسلوب تنظيم الحمولة بشكل متساو ومتوازن على عربة النقل»، يقول د. جمعة، فتحميل البضائع على سيارات الكارو بشكل غير متوازن يهدد بأضرار صحية بالغة لظهر الحمار. يعمل د. جمعة فى المستشفى منذ افتتاحها فى أسوان فى 1988، تطورت المستشفى كثيرا منذ ذلك الحين. «بجانب مركزنا الرئيسى بمدينة أسوان، أصبحنا نخدم أكثر من 32 قرية على طول المحافظة كلها من الشمال إلى الجنوب»، يقول د. جمعة، كما أن للمستشفى 5 وحدات متنقلة تطوف المحافظة فى حملات التطعيم والتوعية. تنتهى مونيكا من استحمامها وتبدو فرحة برخاء ولعب الإجازة الأسبوعية. يربطها محمد بعربة الحنطور ويتجه إلى متحف النوبة لعله يظفر بسائح من هناك. كانت دوروثى بروك قد وصلت إلى مصر فى عام 1930 مع زوجها لواء الجيش البريطانى، وصدمت من وجود مئات من الخيول الهزيلة التى تستخدم لتحمل العبء بالأشغال الشاقة فى الشوارع. شعرت دوروثى بروك أن عليها أن تتخذ إجراء حاسما لحماية الخيول التى شاركت فى الحرب العالمية، والتى تم بيعها وقد تحولت إلى هياكل عظمية لتعمل فى القاهرة وتجوب الشوارع محملة بأحمال تسبب لها آلاما فظيعة. فقامت بكتابة رسالة إلى صحيفة «مورنينج بوست» التى أصبحت فيما بعد ديلى تلجراف، وشرحت لهم مدى معاناة هذه الحيوانات ومحنتهم، واستجابت الصحيفة لندائها وأرسلوا لها ما يعادل 20 ألف جنيه إسترلينى لمساعدتها، ووضع حد لمعاناة هذه الخيول. وخلال ثلاث سنوات استطاعت بروك أن تشكل لجنة لشراء 5 آلاف من الخيول التى شاركت فى الحرب، وكانت معظمها فى مراحل متقدمة من العمر، وقامت برعايتهم عن طريق المعاملة الإنسانية، والرحمة حتى انتهت حياتهم بسلام. ولكنها شعرت أن عملها لا يمكن أن ينتهى عند هذا الحد، فهناك آلاف من الخيول والحمير والبغال يعانون فى شوارع القاهرة من الأعمال الشاقة. فقامت بتأسيس مستشفى بروك مع بدايات بسيطة فى عام 1934، لتقديم الرعاية البيطرية مجانا لجميع الخيول والبغال العاملة، ولكنها نمت بعد ذلك لتصبح المنقذ الدولى للخيول العاملة فى أفقر مجتمعات العالم، وتؤسس فروعا فى عشرة بلدان فى أنحاء العالم، هم مصر والهند وباكستان، والأردن وإسرائيل، وأفغانستان وكينيا وإثيوبيا، وجواتيمالا ونيبال. ويذكر أن مؤسسة بروك تحتفل هذا العام 2009 بمرور 75 عاما على تأسيسها، كما تم اختيارها المؤسسة الخيرية الرسمية لهذا العام فى معرض لندن الدولى للخيول، فاليوم تخدم مؤسسة بروك سنويا أكثر من 700 ألف من الخيول والحمير والبغال حول العالم، وتضم مصر سبعة فروع للمستشفى فى القاهرة والأقصر وأسوان وادفو والإسكندرية، ومرسى مطروح، ودلتا النيل.