بعد عودته من السعودية ليبدأ دراسته الجامعية هنا، كانت درجات أحمد الشيخ تكفى ليدخل كلية الطب جامعة القاهرة، ولكنه فضل أن يذهب إلى كلية طب الأسنان بجامعة المنصورة وأن ينتقل إلى الحياة هناك طوال فترة دراسته من 2003 حتى هذه السنة، حيث يبدأ الامتياز. لدى أحمد الشيخ مبرراته لمثل هذا القرار الذى جعله يسير عكس الاتجاه: «مدن الخليج منظمة رغما عنها، وعندما أتيت هنا لم احتمل القاهرة، فهى مدينة الفوضى المدمرة للأعصاب. كبيرها اللى فارد ذراعه، الأعلى صوتا، الأكثر فهلوة، وأنا لم أعتد على ذلك. فى الوقت نفسه، كانت أسرتى على وشك العودة إلى القاهرة وأنا أردت أن أستقل بحياتى بعيدا عنهم». اختار أحمد المنصورة لأنها قريبة من مسقط رأس أسرته فى ميت غمر ولأن فيها عددا من أصدقائه، كما أنها قريبة نسبيا من القاهرة. ورغم أن أحمد الشيخ شاعر فإن مجتمع المثقفين فى وسط البلد لم يعجبه ولم يغره: «بالعكس، هو أحد أسوأ الأشياء فى القاهرة. مجتمع نرجسى وشوفينى. ومعظمه بلا علاقات إنسانية حقيقية. شعر طويل وتى شيرت جيفارا وزجاجة بيرة ستلا وكوفية فلسطين وكتاب ردىء فى السوق». على خلاف ذلك يرى أحمد فى المنصورة مدينة راقية ومبهجة وهادئة غالبا وحتى زحامها منظم مقارنة بالقاهرة. ويقول إن بعض مقاهيها يجمع بين حميمة المقاهى البلدية فى القاهرة وبين هدوء ورقى الكافيهات الحديثة. ورغم كل هذا المديح فإن أحمد الشيخ يعبر عن أسفه من أنه سيضطر بعد انتهاء الدراسة وما يلحقها من امتياز وتكليف للعودة إلى القاهرة: «عندى شقة هناك، كما أننى لا أتوقع أن أجد عملا بالمنصورة، حيث عدد كبير من أطباء الأسنان». تجربة أحمد الشيخ تتكرر بأشكال مختلفة تجعل الخروج من القاهرة فعلا مؤقتا ينتهى مع البحث عن عمل مناسب أو يمكنه أن يصمد لجيل واحد إذا كان بسبب وظيفة ما فى محافظة أخرى، ولكن مع الجيل الثانى تعود الأسرة لتسير فى الاتجاه المعتاد. يشير الباحث د. محمد على حسانين فى دراسته عن الاتجاهات الجديدة للهجرة الداخلية أن عوامل الجذب فى مناطق مثل القاهرة الكبرى ليست هى الأكثر حسما، ولكن عوامل الطرد فى المناطق الطاردة هى الأكثر تأثيرا وتحريكا للهجرة الداخلية. ويبدو أنه بسبب ذلك لا تصمد كثيرا إيجابيات الحياة فى المدن الصغيرة أمام سلبياتها. فلا تصمد محاولات الهجرة العكسية بسبب ضرورات الحياة والبحث عن فرص عمل، أو بسبب تطلعات الأجيال الجديدة التى لا تستطيع أن تبعد نظرها عن بريق العاصمة والمستوى الاجتماعى المميز والحياة المتنوعة الثرية والخيارات المفتوحة. ويظل الخروج من القاهرة رهنا بفرص عمل مرتبطة بأماكن بعينها مثل العمل فى السياحة أو القضاء أو التدريس فى جامعات إقليمية أو ربما كنوع من البحث عن أجواء جديدة ملهمة مثلما يفعل بعض المثقفين والفنانين فى بعض الأماكن منها قرية «تونس» فى الفيوم.