اعرف طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انخفاض جديد مفاجئ.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروبة.. هل تبعث من جديد؟
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2009

لم يخطر على بالى أن السعى وراء إجابة عن سؤال واحد مكون من أربع أو خمس كلمات سوف تنسل منه أسئلة بلا عدد، وأن كل سؤال من هذه الأسئلة سوف يطرح إجابات أيضا بلا عدد. بدأت فى القاهرة البحث عن إجابة عن سؤالى، ولم أجد فى كل ما سمعت ما يكفى لإقناعى أو يشبع فضولى، فقررت، وبتشجيع من «الشروق»، السفر إلى لبنان. وفى المطار كان فى انتظارى الشخص الذى كثيرا ما ائتمنته على أسئلتى واستفساراتى السياسية.
وفى الطريق من المطار كررت توجيه السؤال وجلست فى صمت منبهرًا بإجابات أثارت موضوعات وأسئلة أخرى لم تكن فى خاطرى عندما كنت أستعد لركوب الطائرة فى مطار القاهرة. كان نص السؤال كما سجلته كتابة وإن نطقت به مختلفا هو: «ماذا يمكن أن يحدث للعلاقات السورية اللبنانية والأوضاع الداخلية فى لبنان لو أن المحكمة الدولية المكلفة بقضية مقتل الرئيس رفيق الحريرى أخذت وقتا طويلا لتعلن لائحة الاتهام، ووقتا أطول لتصدر حكمها النهائى فى القضية». سألت السؤال، وأنا أعلم أن تطورات بالغة الأهمية حدثت فى الأيام الأخيرة أربكت كثيرين، وأنا منهم. كان التطور الأهم من وجهة نظرى هذا القرار الذى اتخذته جهات دولية بأن تجرى المحاكمة فى ظل الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.
فهمت من تردد صديقى فى مناقشة السؤال عن المحكمة الدولية عندما كنا داخل صالات المطار أن المكان غير مناسب لمناقشة هذا السؤال. فالمطار الذى يحمل اسم رفيق الحريرى تشترك فى الإشراف عليه وإدارة خباياه وأسراره وحماية أمنه وسلامة اتصالاته الداخلية والخارجية أطراف متعددة لا يوجد ما يدعونى فى هذه السطور إلى التصريح بهوياتها وتقدير نفوذها وقوتها. لمحت التردد فى الإجابة وفهمت السبب أو الأسباب وغادرنا المطار.
رب محبة بعد عداوة
وصلنا إلى البيت، مقصدنا فى الجبل، بعد عشرين دقيقة من مغادرة المطار. وبدأنا على الفور نتصل بأصدقائنا فى بيروت وضواحيها والقرى المحيطة بنا. لم تنقض الساعة إلا واجتمع شمل الأصدقاء وكلهم خبراء. وبدأ الحديث ومن خلاله اجتمعت تفاصيل لم أكن واعيا لأهميتها بالقدر الكافى. عرفت أن هناك مغزى وراء إعلان المحقق الذى تولى متأخرا التحقيق فى قضية الحريرى أن مهمته كمحقق تنتهى بعد أيام ليتولى مهمته الجديدة كمدعٍ عام. لم أفهم المغزى فى البداية حتى تولى صديق خبير فى القانون الشرح قائلا: إن هذا التحول فى مهمة المحقق يعنى فى الحقيقة أن مرحلة جديدة، وربما طويلة، من التحقيقات سوف تبدأ.
سألت أين التغيير الجذرى الذى يتحدثون عنه باستثناء انتقال التحقيق من بلد إلى بلد. وجاءت الإجابة سريعة ومذهلة فى آن واحد. لقد صرح بلمار نفسه بأن المرحلة الجديدة ستمتد إلى ما لا يقل عن خمس سنوات وقد تصل إلى عشر وأنه قد يكون مناسبا استدعاء شخصيات كبيرة للإدلاء بشهادتها. فى هذه الحالة، هل سيقبل سليمان فرنجية، وكان وزيرا للداخلية وقت مصرع الحريرى، السفر طواعية إلى لاهاى بينما لا توجد ضمانات لعدم احتجازه هناك. ثم لو افترضنا أن المحقق اشتبه فى أحد القياديين فى حزب الله، وطلب منه أو من الجهات الرسمية اللبنانية الانتقال إلى لاهاى، هل سيرضى السيد حسن نصر الله ببساطة تنفيذ هذا الطلب؟ وماذا يحدث اذا رفض فرنجية أو السيد نصرالله، أو رفض الرئيس السابق إميل لحود إن وجهت إليه الدعوة أو الاستدعاء. ينطبق هذا الاحتمال بنصه على سوريا التى يؤكد جميع المشاركين فى حوارنا أن حكومتها لن تقبل التحقيق مع مواطن سورى فى لاهاى، ناهيك عن محاكمته إن وقع اتهامه وثبتت إدانته.
طلبت من صديق قادم لتوه من سوريا نقل انطباعه عن الموقف السورى فإذا به يطلب منا أن ننسى سؤال المحكمة مؤقتا أو نرجئه فالإجابة عنه سوف تأتى فى ثنايا إجابات عن أسئلة أكبر وأكثر أهمية. قال: أدعوكم مثلا إلى أن نحاول معا الإجابة عن حزمة من الأسئلة المترابطة ستكتشفون فى أثناء النقاش أنها الجوهر. أما الأسئلة فهى: لماذا هذا الاهتمام الدولى العظيم بسوريا، ماذا يريدون منها، وكيف استطاعت سوريا فى أقل من عامين أو ثلاثة أن تنتقل من موقع الدولة المنبوذة والشريرة والواقعة تحت حصار والخاضعة لعقوبات والمكروهة لبنانيا والمرفوضة من معظم الحكومات العربية ومن تركيا، إلى دولة مطلوبة ومرغوبة وربما أيضا محبوبة إلى الحد الذى لا شك تلاحظون وبدون شك ستتأكدون؟ ماذا حدث ليجعل سوريا منبوذة؟ وماذا حدث ليعيدها مرغوبة ومحبوبة؟ لماذا كل هذه الزيارات إلى دمشق؟، هل تصدقون أن السعودية، على لسان وزير خارجيتها، أعلنت أن خلافات العرب، ويقصد خلافات العرب مع سوريا، وما أكثرها وأشدها، «قد دفنت»، وأن مصر، على لسان وزير خارجيتها، امتدحت مواقف وزير خارجية سوريا حول شأن من الشئون التى كانت سوريا إلى أيام قليلة خلت، متهمة بل ومدانة فيها. هل تصدقون أن تيار الموالاة فى لبنان ممثلا فى قيادات وفضائيات وصحف عديدة صار يتعامل مع سوريا بنعومة لم نعهدها فيه من قبل وتعلمون كما أعلم علاقة الموالاة بمسألة الانتقام للحريرى وتحميل سوريا المسئولية.
ل
م يكتشف المؤرخون بعدُ سر سوريا أو ما صار يعرف بالمعادلة السورية عبر العصور ابتداء بعصر الخلافة الرشيدة أو عصور الخلافة الدموية والاستبدادية أو عصور التدهور وحروب الصليبيين وزمن الاستقلال وبدايات القومية العربية وعهد الناصرية وما بعدها. لقد كتب مؤرخون وعلماء سياسة عن «عبقرية دمشق»، هذه الموهبة التى تسمح لحائزها الانتقال بيسر من حال إلى نقيضه وبالاستفادة القصوى من أوضاع رديئة أو بديعة فى المنطقة وخارجها ومن حروب أو سلام ومن وحدة أو انفصال. وبينما كنا نحلق مع التاريخ فاجأنا الصديق القادم لتوه من سوريا بسؤال: «هل سمعتم عن الجديد فى حكاية عزة الدورى؟». ويبدو أنه لم يتلق من تعبيرات وجوهنا ما يدل على أننا متابعون لمسيرة الرجل الذى كان ذات يوم يتولى منصب نائب صدام حسين، ثم قيل إنه اختفى بعد انفراط النظام واشتغل على إعادة تنظيم حزب البعث العراقى.
سألناه، ما الجديد على كل حال؟
عزة الدورى فى شوارع الرياض
قال إنه لمح منذ أيام قليلة عزة الدورى يتجول فى أحد شوارع الرياض. لم يتحدث إليه ولكنه ذهب على الفور إلى أحد الذين يعرفون شيئا أو أكثر من خبايا العاصمة السعودية. عنده عرف أن عزة الدورى كان مكلفا من جهات عربية وغربية بإشعال حرب الصحوات ضد تنظيم القاعدة فى العراق عندما اكتشف الأمريكيون فى الرجل ما اكتشفه بعض العرب من قبلهم، وهو أن الدورى وإن اشتهر بذكاء محدود وضعف فى الشخصية إلا أنه تابع أمين. لذلك تمسك به صدام حسين ولم تمتد إليه يد الاغتيال التى قضت على عدد كبير من قيادات البعث العراقى.
تدخل آخرون يفندون هذا التقويم لشخصية الدورى، وعرضوا تفاصيل فهمت منها أن استضافة الدورى ليست مكافأة له على جهوده فى تنظيم بعض القبائل السنية فى العراق وحشدها لقتال القاعدة، وإنما لترتيب دور له فى عملية استعادة وحدة حزب البعث الاشتراكى وإقامة الصلح بين جناحى البعث فى العراق وسوريا، وتنشيط قواعده فى البلدين بالتنسيق مع حكومة دمشق. وكانت قد ترددت فى الآونة الأخيرة أنباء عن مساعٍ خليجية لتنشيط فلول البعث وتوحيدها وأن مصر على علم بما يدور. بل وادعى المتحدث صراحة أن الأمر برمته نوقش فى دمشق أكثر من مرة على مستوى رجال أربعة يمثلون أهم أجهزة الأمن فى مصر والمملكة وسوريا والعراق. وأضاف أنه لم يكن صحيحا تماما ما رددته أجهزة الإعلام العربية والأمريكية من أن الاجتماعات الأمنية والسياسية السرية التى جرت فى عواصم عربية متعددة اقتصرت على البحث فى قضية توحيد الفصائل الفلسطينية وإقامة صلح بينها، إذ لم تكن فلسطين إلا بندا جانبيا، بينما تركزت المباحثات والخطط على تحقيق هدف، لعله فى نظر حكومات عربية متعددة، الأهم بين كل الأهداف القومية والقطرية الراهنة.
جاءت القهوة واستأنفنا الحديث عن السؤال الذى ذهبت إلى لبنان سعيا وراء إجابة عنه الخاص بالمحكمة الدولية التى تأسست للنظر فى قضية اغتيال الرئيس الحريرى وغيره من المدنيين اللبنانيين، وهو السؤال الذى انبثق عنه سؤال آخر عن سبب وجود عزة الدورى نائب الرئيس العراقى صدام حسين فى الرياض ودمشق، وهو السؤال الذى كان لابد أن يفرز سؤالا جديدا عن علاقة الدورى باجتماعات كبار رجال الأمن العربى، وصحة ما يتردد عن جهود تبذل لإنعاش الحركة البعثية العربية وتوحيد صفوفها.
قررنا أن نفترض أن الإشاعات التى استمعنا إليها على امتداد الأمسية صحيحة. نفترض مثلا أن الدورى مستدعى من العراق ليؤدى مهمة خطيرة فى المنطقة، هذه المهمة قد تكون توحيد قوى حزب البعث فى سوريا والعراق ووضع أنشطة محددة له وتمويلها لتلعب دورا. إذا افترضنا صحة ما يتردد، أو على الأقل بعضًا منه، سنجد أنفسنا أمام معضلة لا تقبل التفسيرات البسيطة. نعرف أن الدول الخليجية عموما ومعها مصر ومعظم دول المغرب العربى وأغلبية شعبية فى العراق لا تتمنى عودة حزب البعث قويا وفاعلا. ونعرف فى الوقت نفسه أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تحب البعث أو البعثيين ولعلها تكرهم، وبسبب هذه الكراهية وأشياء أخرى غزت العراق وأسقطت صدام وحلت الحزب وطاردت قياداته وسمحت باغتيالهم، كيف، والأمور كما نعرف، توافق أطراف عربية لها وزنها والولايات المتحدة وربما دول الاتحاد الأوروبى أيضا، على الدخول فى مغامرة تنتهى بعودة حزب البعث قوة سياسية كبرى تؤثر فى تفاعلات النظام العربى.
بعث البعث
هنا عادت الاجتهادات تتعدد، وطال بنا السهر ونال منا التعب الا واحدة انبرت تقول:
تعرفون أن أوباما يستعد للخروج من العراق بأسرع ما يستطيع. وتعرفون أن المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تريد أن تخرج أو على الأقل ليس بالسرعة التى يتمناها القائد الأعلى. تريد المؤسسة الاطمئنان إلى أمرين أساسيين، أولهما ألا يهتز أمن العراق بشدة وأن يعود إليه استقرار معقول، وثانيهما ألا يخضع بعد انسحابها لنفوذ إيرانى كبير. ولا شك أنكم يا سادة تلاحظون أن سوريا عادت تحتل مكانا بارزا فى السياسة العربية بعد ثلاثة أعوام مرت قبلها بأسوأ أيام فى تاريخها السياسى. فى تلك الأيام، أى قبل ثلاث أو أربع سنوات. كانت تركيا تهدد سوريا بحرب شاملة، وكانت علاقات سوريا بالعراق متدهورة، وكانت الولايات المتحدة ترابض على الحدود العراقية المتاخمة لسوريا بقوات ضخمة وتوغلت أكثر من مرة فى الأراضى السورية وقصفت قرى حدودية. وكانت سوريا خاضعة لعقوبات اقتصادية جسام وحصار سياسى رهيب، وكانت العلاقات السورية اللبنانية فى الحضيض فى أعقاب اتهام سوريا بالضلوع فى عملية اغتيال رفيق الحريرى وكثيرين من الصحفيين والسياسيين اللبنانيين، ثم عقدت سوريا قمة عربية لم تشارك فيها مصر والسعودية ودول أخرى احتجاجا على السياسة الإقليمية لسوريا وعلاقاتها الوثيقة بإيران. خلاصة القول.. كانت سوريا فى وضع لا تحسد عليه.
ولا شك أيضا أنكم لا تنكرون أن الحال تغير جذريا. فقد كانت سوريا فى قمة الكويت هدفًا لمشروع «تهدئة الخلافات» وبعد أيام معدودة صارت دمشق المكان المفضل لالتقاء كبار المسئولين عن الأمن فى الدول العربية، وصعدت العلاقات السورية التركية إلى مستوى التحالف السياسى وأصبحت تركيا وسيطا للسلام مع إسرائيل، وتعددت زيارات المسئولين العراقيين لدمشق وتعهدت دمشق بتسهيل مهمة حكومة المالكى فى بغداد وفى الشمال العراقى، وبخجل شديد راح وزير خارجية مصر يثنى على زميله السورى فى بادرة لعلها الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة وعادت لهجة الاحترام إلى كتابات صحافة الحكومة فى مصر عند الحديث عن سوريا وبشار الأسد. وفى لبنان هدأت حملة الإعلام ضد سوريا وصار اختيار العبارات والكلمات يخضع لاعتبارات التهدئة. وتحسنت لهجة الولايات المتحدة فى التعامل مع حكومة دمشق وتعددت الوفود الزائرة من الكونجرس وكثرت الزيارات السرية، وعادت فرنسا تمسح جوخ النظام السورى وتتشاور معه وتفتح له أبوابا كانت مغلقة فى أوروبا. وتدخلت كل الأطراف لتمنع عبد الحليم خدام من إثارة مشكلات للنظام السورى فى أوروبا وسكت العالم الخارجى عن «التجاوزات السورية فى مجال الحريات والحقوق والديمقراطية».
«سحر العروبة» يعاد اكتشافه
توقفت لدقائق صديقتنا الخبيرة فى شئون المشرق وأكثرها كما عهدناها عجيبة غريبة ثم قالت: فاتكم، على ما يبدو، أن الأمريكيين وبعض حلفائهم فى المنطقة العربية، وكذلك تركيا، عادوا يكتشفون «سحر العروبة»، عادوا يكتشفونها ليس بمحتواها أو مفهومها الأيديولوجى كقومية عربية، ولكن بمضمونها العاطفى والثقافى. الأمور التى تبدو لكم غامضة، هى ليست كذلك فى عديد من قصور الحكم فى العالم العربى. لقد اكتشفت هذه القصور، أو لعلها تعيد اكتشاف، أنه لا يوجد ما يضمن حماية المنطقة مما يسمى بالتغلغل الإيرانى أشد مفعولا من الانتماء للعروبة. أليس غريبا أن نسمع ونقرأ خطابات سياسية من دول حاربت طويلا الالتزام بالفكرة العربية تمجد الآن هذه الفكرة وتدعو للاصطفاف خلفها كل العرب فى الخليج والمشرق؟ تعرفون، كما أعرف، أن العروبة أو الفكرة العربية أو الانتماء العربى، كانت كلها أو واحدة منها العنصر الذى وحد السنة والشيعة فى لبنان لعقود طويلة، ونعرف أن مصر عندما اختارت الانتماء للعروبة شعارا لها استطاعت أن تحبط الطموحات التركية والإيرانية، ونجحت فى توحيد الشعوب فى مواجهة إسرائيل باعتبارها العدو الأساسى. وعندما تخلت مصر عن الفكرة العربية ونبذتها انقسم العرب سنة وشيعة وصارت تركيا دولة فاعلة وايران لاعبا ماهرا فى المنطقة واستأسدت إسرائيل تذل العرب شعوبا وحكومات وعقيدة وفكرا.
لذلك كان ضروريا إحياء حزب البعث، ففى غياب عروبة مصر وإصرار الحكم فيها على الانعزال بحجج متعددة، لم يكن أمام صانعى استراتيجيات الغرب، وبعضهم يحيط الآن بالرئيس أوباما، إلا أن يلجأوا لبديل يحمل شعار العروبة ليدعموا به انتماء الشيعة العرب، ويحمى عروبة الخليج من طموحات إيران. واستطردت الصديقة العارفة والمحللة قائلة: أعرف أن السوريين نجحوا فى إقناع الغرب أن الإيرانيين لم يخترقوا المنطقة العربية إلا بسبب الفراغ الذى خلفه إفراغ الساحة « العربية» من عروبتها. أقنعوا الغرب بأن لا حل للمشكلة الإيرانية إلا بملء «الفراغ» بهوية عربية وأنه لا يوجد فى المنطقة العربية من هو أقدر وأكفأ من السوريين على إعادة تقديم «العروبة» فى شكل يروق للغرب ويفهمه المفكرون الغربيون. الان يعرفون فى الغرب أنه لم يبق لهم خيار إلا نسج خيوط «عروبة» جديدة باعتبار التجربة التى أثبتت عبر التاريخ فى الجزيرة العربية وغيره أن العروبة كانت دائما الوسيلة المثلى التى لمت شمل قبائل العرب فى أزمنة سالفة وجمعتهم فى العصور الحديثة ولم يكن لورنس العرب وجيرتروود العراق والمحافظون من حكام بريطانيا خلال الحرب بعيدين عن استخدام العروبة لتحقيق أهداف بريطانيا فى المشرق العربى. يعرفون أيضا ونعرف أن تدهورها كهوية جامعة أدخل المنطقة العربية، والشرق الأوسط عموما، وربما العالم بأسره فى مشكلة لا تزال تستعصى على الحل.
وا عروبتاه
احتج الصديق الخليجى على ما طرحته السيدة العالمة ببواطن الأمور وعلاقاتها ببعضها البعض متهما إياها بالمبالغة والذهاب بشائعة من شائعات كثيرة تموج بها عواصم عربية متعددة إلى أبعد مما يحتمل الواقع السورى والواقع الإقليمى. وكاد آخرون يؤيدونه فى هذا الرأى لولا أن تدخل الصديق من لبنان طالبا إنصاتنا جميعا، فالأمر حسب رأيه جد خطير ولا يحتمل الاختلاف عليه بهذه البساطة.
لم يعد ممكنا حسب قوله الاستمرار فى تجاهل العرب والعالم الغربى للواقع الجديد فى لبنان بعد أن فقدت جميع الطوائف حقها فى ادعاء كونها تشكل أغلبية. هكذا فقدت طوائف معينة حقوقا مورثة، وكان الخاسر الأكبر طائفة السنة التى احتفظت لنفسها على مر السنين بحقها فى الاستعانة بسوريا نصيرا وحاميا ورصيدا، وعندما نشطت مصر عربيا اعتمد عليها السنة والشيعة معا. ثم خرجت مصر فحاولت قيادات الطائفة السنية الاستعانة بالمملكة السعودية التى كانت ارتباطاتها بالطائفة المارونية قوية. أخيرًا جاءت المرحلة المصيرية حين أدرك المسلمون فى لبنان أن شعار «وا عروبتاه» لم يعد فاعلا، وإن شعار «وا إسلاماه» تسبب فى وقيعة بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة. وذهب المسلمون الشيعة إلى إيران يحثونها على أن تكون نصيرا ورصيدا، كما كان يفعل المسلمون السنة مع سوريا ومصر، وكما حاولوا أن يفعلوا مع السعودية. وبالفعل وجد الشيعة فى إيران النصير والرصيد، ووجد الموارنة فى الغرب، كالعادة، النصير والرصيد. ولم يجد السنة نصيرا أو رصيدا، وارتفع شعار «وا سنتاه « محل شعار «وا عروبتاه» ثم محل شعار «وا إسلاماه».
تلازم هذا التطور فى لبنان مع تطور مماثل فى العالم العربى بأسره والإسلامى عموما، واستمر متصاعدا حتى وقعت الكارثة وخرج من بين المسلمين السنة من تطرف فى سنيته إلى أبعد الحدود، وظهرت تنظيمات جهادية وبخاصة تنظيم القاعدة، وانتشرت فى لبنان بالذات تنظيمات لايزال بين أبرزها تنظيم الأحباش.
رحت إلى بيروت بهدف الحصول على إجابة سؤال عن محكمة الحريرى، ولكنى رجعت بظنون فى شكل إجابات عن أسئلة لم أسألها. أعرف الآن، أو أظن، أن سوريا تعد عربيا وأمريكيا وأوروبيا وأيضا روسيا لتلعب دورا يتوقف على نجاحه أو فشله مصير العراق وكذلك مستقبل العلاقات العربية الإيرانية، وبخاصة دور إيران فى العراق ولبنان. وأعرف، أو أظن، أن لبنان سوف يتعرض لخضات جديدة، ولن تفيد الانتخابات البرلمانية القادمة فى حل أى من المشكلات الحادة فى لبنان، وفى مقدمها مشكلة العلاقة مع سوريا ومشكله سلاح حزب الله، ومشكلة تطرف متزايد بين السنة. وأعرف أن دوائر فى الغرب ترفض الان استراتيجية «وا سنتاه» بعد أن التزمتها لسنوات طويلة بتكلفة باهظة دفعتها الولايات المتحدة ودول أخرى كثيرة، وأن الرأى مستقر على أن تكون العروبة، أو الانتماء لها، استراتيجية بديله يجرى اقناع حلفاء أمريكا بها. أما قضية الحريرى والمحكمة الدولية ففى ظنى، بل أعرف، أنها ستبقى لسنوات عديدة، كما كانت خلال السنوات الثلاث الماضية، قضية مؤجلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.