انتهى كأس أفريقيا بخروج مبكر للمصريين، والواقع أننا لم نصب بخيبة أمل، على العكس. إذا لاحظت ستجد كل المصريين تقريبا كانوا يتوقعون خروجا من البطولة في مرحلة ما. فما الذي حدث؟ هل مصر بتعددادها من ملايين البشر عجزت عن توفير أحد عشر لاعبا جيدا في الكرة؟ الإجابة ببساطة هي نعم لأننا في مصر لم نعد نشكل أية منتخبات. المنتخب هي كلمة تعني اختيار أفضل العناصر من أجل تمثيلهم للبلد في مجال ما. والحقيقة المؤلمة التي نعرفها جيدا أننا توقفنا من سنوات طويلة عن تشكيل منتخبات حقيقية. فهؤلاء الذين رأيناهم ليسوا أفضل لاعبي الكرة في مصر، بل هم اللاعبون المتاحون، نفس الشيء ينطبق على معظم الألعاب. مصر أصبحت بلا منتخبات حقيقية، مجرد مجموعة من اللاعبين تخدمهم الظروف فيصبحون على قوائم المشاركة، لا أحد يجتهد في البحث عن المواهب والمقاتلين والنجوم في أي مجال، بل أصبح الأمر معتمدا على العلاقات والقدرة المالية، خذ صلاح ومانيه وغير ملامحهم واذهب بهم إلى اختبارات أي نادي في مصر. سيرفضون بحجج مختلفة. الأطفال في مصر يلعبون الرياضة باختيار الآباء وبدون أي نوع من التوجيه ووضع اللاعب المناسب في المكان المناسب، والأطفال الأكثر موهبة يعملون في الحقول والمقاهي ويدورون في الشوارع لأنهم لا يجدون من يوجههم ولا يتبناهم. ابحث عن قصص النجاح والكفاح في هذه المجموعة من اللاعبين لن تجد الكثير. المنظومة مقلوبة من الجذور .. أنت تختار من المتاح ولا تبحث عن النجوم وهذا لا يصنع النجاحات، ليت هذا الأمر منطبق على الرياضة فقط .. لكن للأسف تجاوز الأمر ذلك كثيرا فأصبح يشمل كل المجالات. حدثني عن عدد الكفاءات الحقيقية في مجال عملك لتعرف الواقع. نحن لا نبحث عن أفضل خامات للطب ولا للهندسة وللا للإعلام ولا للثقافة ولا حتى للغناء والتمثيل .. تتبع أي وجه جديد في اي مجال ستجد أن الأمر متروك للواسطة والمال والأسرة ثم للصدفة أو الحظ الذي قد ينتج لك أحيانا لاعبون من أمثال صلاح. هداية ملاك مارست التايكوندو لأن أخاها كان يلعبه، بوجي المصارعة ذهب للتدريب لأن المدرب كان يوزع قطع الكنافة والحلويات بعد التدريب وهو مغرم بها، إيهاب عبد الرحمن أصبح بطل العالم في ألعاب القوى بعد مشاجرة بينه وبين فريق ألعاب القوى في أحد الأقاليم!!! وحتى هذه المجموعة الأخيرة لن تجد فرصة سهلة إذا تنافست مع أصحاب المال والنفوذ. إن أصعب شيء في الموهبة هو اكتشافها وتوجهيها .. بعد ذلك يكون كل شيء سهل .. لأن الفرق بين البناء في الموهوب والبناء في عديم الموهبة هو الفارق بين البناء على الأرض والبناء على الماء. ربما على الآباء والأمهات أن يجتهدوا في هذا الأمر ليمنحوا أبناءهم الفرص الذهبية التي أتاحها لهم الله طالما لا يوجد نظام واضح يمنح ذلك لأبنائنا. انتقلوا بهم بين الألعاب حتى تجدوا ما يجيدون. وفتشوا عن مواهبهم في مجالات العمل والعلم والرياضة في طفولتهم وتوقفوا عن سذاجة فكرة "دكتور أو مهندس أو ضابط أو طيار وحديثا لاعب كرة ومغني" لا يمكن لطفل أن يخرج بأحلامه عن مربعات ما رأى .. أعطوهم رؤية أكبر وثقافة أوسع واحكموا بعدل على مواهبهم. لا تجعلوهم امتدادا لمجالات عملكم ولا تعويضا لإحباطاتكم في الحياة.. فهذا لا يصنع سوى نماذج نصف ناجحة مزروعة في أماكن هناك من هم أحق بها، تاركين أماكن أخرى كانوا هم أولى بها لولا أنهم لم يجدوا من يضيء لهم الطريق وهكذا سيكون خروجنا الكبير .. من كل شيء.