رغم التاريخ القصير لمدرسة "باوهاوس" الألمانية، 14 عاما فقط، قبل أن يغلقها هتلر، تواصل المدرسة الفنية اليوم تشكيل الحياة المعاصرة بعد أن مثّلت تحولا جوهريا في فن التصميم والهندسة المعمارية في العصر الحديث. وتم أمس السبت افتتاح متحف جديد في بلدة فايمار الصغيرة بوسط ألمانيا، حيث تم تأسيس "باوهاوس"، التي قامت قبل قرن من الزمان على فكرة الدمج بين الحرف والفنون في النظريات العمرانية، قبل أن تغلقها حكومة إقليمية جديدة بقيادة يمينية بزعم أن المدرسة الفنية "اخترقها اليهود". ومع ذلك، يحتفل مبنى المتحف الجديد المذهل في فايمار، والذي أُقيم على شكل مكعب، بواحدة من أكثر حركات التصميم تأثيرا وثورية في العالم، بالاضافة إلى استحضار الجانب المظلم لماضي ألمانيا. ويقول هيلموت زيمان، الذي يترأس مؤسسة "كلاسيك شتيفتونج فايمار" للكلاسيكيات بالبلدة: "فتحنا نافذة جديدة - لتقديم مدرسة “باوهاوس”، وفترة ما قبل نشأتها في فايمار، وتأثيرها الهائل بعد إغلاقها في فايمار". كما تم وضع صور كبيرة باللونين الأبيض والأسود، لعدد 16 من الناجين من "معسكر اعتقال بوشنفالد النازي"، الذي يقع بالقرب من المتحف، وذلك في الوقت الذي تستعد فيه فايمار للاحتفال بذكرى أخرى، وهي مرور 74 عاما على تحرير بوشنفالد. ولا تعد فايمار، التي يبلغ تعداد سكانها 65 ألف نسمة، بلدة رئيسية. ورغم ذلك، تلعب فايمار دورا كبيرا على الساحة التاريخية والثقافية الحديثة في ألمانيا، فقد كانت البلدة يوما ما موطنا لبعض عمالقة الأدب والموسيقى في البلاد، مثل يوهان فولفجانج فون جوته، وفريدريش شيلر، وفريدريش نيتشه، وفرانز ليزت. وتتزامن الذكرى السنوية ل"باوهاوس" هذا العام، مع أحداث تأسيس أول محاولة ألمانية للديمقراطية – والتي لم تكلل بالنجاح - قبل 100 عام، وهي جمهورية فايمار، والتي ساعدت في تمهيد الطريق أمام وصول هتلر إلى السلطة. وبعد معركة استمرت عامين من أجل اختيار موقع إقامة متحف "باوهاوس"، تقرر اختيار موقع المبنى المطل على حديقة فايمار المركزية، ومنطقة جاوفوروم الحكومية القريبة، والخاصة بالحقبة النازية، وذلك لتسليط الضوء على دور المدرسة في الأحداث التي شكلت وجه ألمانيا في القرن العشرين. وتقول المهندسة المعمارية هايكه هانادا: "أكد موقع المتحف بوضوح ووعي، تاريخ فايمار المفعم بالأحداث، مثل ظهور الحداثة وإنهائها (من جانب النازيين)". يشار إلى أن متحف فايمار، الذي وصلت تكلفته إلى 04ر27 مليون يورو (4ر30 مليون دولار)، هو أحد ثلاثة متاحف كبرى تحيي ذكرى "باوهاوس" هذا العام. ويخضع متحف “باوهاوس” في العاصمة الألمانية برلين لعمليات تطوير، في الوقت الذي تعتزم فيه مدينة ديساو افتتاح متحف جديد يضم مجموعة من أعمال "باوهاوس" في سبتمبر المقبل. وبعد نحو 10 سنوات من التخطيط، فإن الزيادة التي تصل إلى 16 بالمئة في التكلفة النهائية لمتحف فايمار، تمثل تجاوزا متواضعا نسبيا، بالمقارنة بالميزانيات الضخمة للعديد من مشاريع البنية التحتية والمشاريع الثقافية الرئيسية الأخرى في ألمانيا. وتشكل حاليا مجموعه تضم 13 ألف قطعة، جزءا من مجموعة فايمار "باوهاوس". وتتضمن هذه المجموعة مقعد "فاسيلي" الشهير للمعماري المجري الراحل مارسيل بروير، بالإضافة إلى أعمال سيراميك وصور وسجاد وأطقم لتقديم القهوة ومصابيح، يمثل كل منها محاولة من مدرسة باوهاوس للاستجابة للتوسع في الحياة الحضرية خلال القرن الماضي، من خلال أغراض عملية، ولكنها جميلة وملائمة للاستخدام اليومي. وبالإضافة إلى الأموال التي تم إنفاقها على المتاحف الألمانية، تم تخصيص 17 مليون يورو من الأموال العامة للاحتفالات في أنحاء العالم، بالاضافة إلى إقامة 500 معرض وفعالية لإحياء الذكرى السنوية ل "“باوهاوس”" في ألمانيا. وستسلط الأحداث المئوية الضوء أيضًا على كيف عكس تطور الحركة تاريخ ألمانيا المضطرب. وفي خلال الفترة التي نشطت فيها باوهاوس، تحولت بلدة فايمار إلى مركز طليعي على الساحة الأوروبية، على يد فنانين رئيسيين ينتمون للقرن العشرين، مثل لايونيل فايننجر وبول كلي وواسيلي كاندينسكي ولازلزل موهولي ناجي وأوسكار شليمر، الذين تولوا مناصب تعليمية بالمدرسة. وبعد الفرار من فايمار، انتقلت مدرسة باوهاوس إلى ديساو، ثم إلى برلين، حيث أغلقها هتلر في نهاية المطاف في عام 1933، بعد أن أطلق النازيون على الحركة اسم "الفن المنحط".