قال اللواء محمد إبراهيم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن خطاب السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية في تونس عكس قلق مصر ليس فقط على الواقع العربي ولكن على مستقبل المنطقة العربية ما لم تتحرك الدول العربية بجدية وإدراك للمخاطر المحيطة بها من أجل حل مشاكلها والحفاظ على مصالحها وأمنها القومي. وأضاف عضو المجلس المصري للشئون الخارجية -في مقال تحليلي بعنوان "من معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية إلى (صفقة القرن)" نشر على موقع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم الثلاثاء- أنه قد يبدو للوهلة الأولى لمن يركز على عنوان المقال أن هناك أمرًا غريبًا، وذلك من منطلق كيف يمكن الربط بين معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقَّعة في 26 مارس 1979 -أي منذ أربعة عقود- و(صفقة القرن)؛ تلك الخطة الأمريكية المتوقّع طرحها خلال أسابيع قليلة قادمة، وتحديدًا بعد الانتخابات العامة الإسرائيلية المقررة في التاسع من أبريل الجاري، أو في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وأكد أن معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية سوف تظل علامة فارقة، ليس فقط في تاريخ العلاقات الثنائية بين الدولتين الموقعتين على المعاهدة، ولكن في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. وأوضح أنه انطلاقًا من نصوص المعاهدة وبنود اتفاقية إطار السلام الشامل، وما تم تنفيذه بالفعل على الأرض. وكذا النتائج التي تحققت يمكن رصد الارتباط بين معاهدة السلام و(صفقة القرن) وجوانب وطبيعة هذا الارتباط فيما يلي: - أن المعاهدة أدت إلى انسحاب إسرائيلي كامل من كافة أراضي سيناء، كان آخرها انسحاب إسرائيل من طابا، ورفع العلم المصري عليها في التاسع عشر من مارس عام 1989. - أن مصر حققت سابقة في تاريخ تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، وهي التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 242، حيث نجحت مصر في إجبار إسرائيل على الانسحاب من سيناء كلها. وبهذا أسقطنا التفسير الإسرائيلي بأن قرار 242 ينص على الانسحاب من (أراضٍ)، أي انسحاب جزئي وليس انسحابًا من (كل الأراضي) التي احتلتها. - أن المعاهدة لم تفرض على مصر أية قيود من أي نوع، سواء فيما يتعلق بمجال تنمية سيناء أو في مجال زيادة وتدعيم قدراتها العسكرية، حيث إننا نرى حاليًّا طفرة غير مسبوقة في هذين المجالين. - أن مصر وقعت على اتفاقية إطار السلام الشامل في الشرق الأوسط المتعلقة بالقضية الفلسطينية في السابع عشر من أكتوبر 1978، أي قبل توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بستة أشهر، وهو ما يؤكد أن الشأن الفلسطيني كان يحتل أولوية في سلم الاهتمامات المصرية وهي في بداية تحركها في توجه السلام مع إسرائيل. وتابع اللواء إبراهيم أنه "ارتباطًا بهذا التوجه المصري لوضع أسس التسوية الشاملة، لا بد أن أُشير إلى ما تضمنته المعاهدة واتفاقية إطار السلام الشامل والخطابات المتبادلة المرفقة بالمعاهدة حول المشكلة الفلسطينية وكيفية تسويتها، وكذا شكل التسوية على الجبهات الأخرى بما فيها الجولان"، وهو ما جاء على النحو التالي: - أن مبادئ التسوية المنصوص عليها في الاتفاقية (معظمها مقررات الشرعية الدولية) ينبغي أن تُطبق على معاهدات السلام بين إسرائيل وبين كل من جيرانها مصر والأردنوسوريا ولبنان. - ضرورة أن تكون هناك ترتيبات انتقالية بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة لفترة لا تتجاوز خمس سنوات من أجل توفير حكم ذاتي كامل، على أن تُجرَى مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة وغزة بحلول نهاية الفترة الانتقالية. - ترتكز جميع المفاوضات على أساس جميع النصوص والمبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن رقم 242، وتقرر هذه المفاوضات ضمن أشياء أخرى موضوع الحدود وطبيعة ترتيبات الأمن. - توقيع كل من الرؤساء الثلاثة (أنور السادات، جيمي كارتر، مناحم بيجين) على خطاب في نفس يوم التوقيع على المعاهدة (في مارس 1979) يشير إلى البدء خلال شهر في مفاوضات الحكم الذاتي وهو ما تم بالفعل. - قدمت مصر مذكرة إلى الولاياتالمتحدة في 13 أكتوبر 1978 تضمنت 23 "إجراء بناء ثقة" يجب على إسرائيل تنفيذها في الضفة وغزة؛ من أهمها: تجميد إنشاء المستوطنات وإزالة بعضها، وعودة بعض النازحين واللاجئين (الفلسطينيين)، وانسحاب إسرائيل من بعض المناطق الفلسطينية، وإعادة إسرائيل بعض الأراضي العامة للسلطة الفلسطينية. واستعرض كاتب المقال موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية في أعقاب حرب الخامس من يونيو 1967 الذي طالب بضرورة التوصل لحل عادل ودائم لمشكلة اللاجئين، وكذا اعتبار القرار 242 هو أساس السلام العادل والدائم في المنطقة، حيث لعبت واشنطن بعد ذلك دور الشريك الكامل الإيجابي في المفاوضات. وأشار اللواء إبراهيم إلى أن الموقف الأمريكي الذي يمكن أن يسمى "موقفا تاريخيا" (في ذلك الوقت) تبلور بوضوح إزاء أهم القضايا العربية والفلسطينية والإسلامية وهي قضية القدس، حيث اتخذت واشنطن موقفًا علنيًّا متقدمًا للغاية تجاه هذه القضية في أعقاب الحرب (1967) وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالي: - بيان السفير الأمريكي لدى الأممالمتحدة آرثر جولد برج الذي أدلى به أمام جلسة الجمعية العامة في يوليو 1967، حيث أشار إلى أن واشنطن لا تقبل ولا تعترف بأية إجراءات منفردة اتخذتها إسرائيل في القدس، فهي من وجهة النظر الأمريكية مجرد تدابير مؤقتة لا تمثل حكمًا على الوضع النهائي والدائم للقدس. - بيان السفير الأمريكي لدى مجلس الأمن تشارلز يوست الذي أدلى به في أول يوليو 1969، والذي أشار إلى أن واشنطن تعتبر أن الجزء الذي وقع من القدس تحت سيطرة إسرائيل في حرب 1967 مثله مثل مناطق أخرى احتلتها إسرائيل، وبالتالي يعتبر منطقة محتلة، مع رفض الاعتراف بأية إجراءات اتخذتها إسرائيل في القدس. وقال اللواء إبراهيم "من المؤكد ونحن نستعرض ما قدمته المعاهدة واتفاقية كامب ديفيد من مواقف إيجابية على صعيد الصراع العربي-الإسرائيلي ككل، لا يمكن أن نقول إن هذه المواقف كانت مثالية، أو إن النتائج كانت نموذجية تمامًا، ولكنها كانت أفضل نتائج يمكن الوصول إليها في هذه المرحلة في ظل الظروف الإقليمية والدولية، وفي ظل موازين القوى، وفي أعقاب حرب الاستنزاف ثم حرب السادس من أكتوبر عام 1973 العظيمة التي خاضتها مصر من أجل تحرير الأرض وإعادة الكرامة العربية بعد ست سنوات فقط من احتلال إسرائيل لسيناء". وأضاف "لعلّ أهم الجوانب السلبية التي أثّرت على الهدف المصري الأسمى بالوصول إلى تنفيذ حل عادل للقضية الفلسطينية تمثل في سلبية الموقف العربي آنذاك الذي لم يكتف بمقاطعة مصر، بل سعى لاتخاذ مواقف مضادة لها، كان أهمها رفض الفلسطينيين والسوريين المشاركة واللحاق بمسيرة السلام المصرية، وكذا نقل مقر جامعة الدول العربية من مصر إلى تونس. بمعنى آخر، تركت الدول العربية مصر تحارب وحدها بشراسة في معركة سياسية كان من الأجدر أن تكون نموذجًا لموقف عربي قوي وداعم كما كان الوضع في حرب أكتوبر 1973 العظيمة التي شهدت موقفًا عربيًّا تاريخيًّا غير مسبوق". وتابع "إذا انتقلنا من مرحلة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والإنجازات التي حققتها، والمبادئ التي أقرتها لصالح السلام الشامل، وضمان تحرك الولاياتالمتحدة كشريك كامل في كافة مراحل المفاوضات، ونقفز إلى المرحلة الراهنة التي بدأت بالغزو الأمريكي للعراق، ثم الصراعات المسلحة في كل من سوريا وليبيا واليمن، ودخول هذه الدول في دوامة البحث عن عودة الدولة مرة أخرى؛ فإنه من الواضح أن الواقع العربي أصبح مهيأ لمزيدٍ من التدهور والتفكك، ليس ذلك فقط بل سمح بتعاظم القوة الإسرائيلية والتمهيد لتطبيع مجاني مع الدول العربية، ثم تكوين حلف إسرائيلي أمريكي غير مسبوق يؤثر بالقطع في أحد جوانبه على الأمن القومي العربي". وقال عضو المجلس المصري للشئون الخارجية "في هذا المناخ بدأت الولاياتالمتحدة في بلورة ما يُسمى ب(صفقة القرن) المتعلقة بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وبعض الإجراءات الخاصة بالأمن الإقليمي ومواجهة إيران". وأوضح أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قامت منذ توليها السلطة بالتمهيد المتدرج لتنفيذ هذه الصفقة تحت مبررات متعددة، أهمها ضرورة التفكير في حلول غير تقليدية تعترف بطبيعة الواقع على الأرض وخاصة متطلبات الأمن الإسرائيلي، واتخذت واشنطن المواقف التالية: - إسقاط مبدأ حل الدولتين الذي كان يُعد الأساس لحل القضية الفلسطينية رغم أنه كان فكرة أمريكية مطروحة منذ 2003. - إصدار الرئيس ترامب قرارًا في السادس من ديسمبر 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثم إغلاق القنصلية الأمريكية في القدسالشرقية. - اتخاذ الإجراءات الخاصة بإنهاء مشكلة اللاجئين، وخاصة وقف الدعم المالي المقدم لوكالة غوث اللاجئين (أونروا)، وإنهاء عمل بعض المؤسسات التي تقدم عونًا ومساعدات للاجئين الفلسطينيين. - توقيع الرئيس ترامب على قرار في 25 مارس الماضي يقضي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. - إسقاط صفة "الاحتلال" عن الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وذلك في آخر تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية. وقال عضو المجلس المصري للشئون الخارجية "إذا كان من المنطقي ألا نتعامل مع (صفقة القرن) حتى يتم طرحها رسميًّا؛ إلا أن بعض الخطوط العامة للصفقة بدأت تتضح تدريجيًّا من خلال تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين التي أشارت إلى أن الأمن الإسرائيلي يُعتبر أهم مبدأ تتم على أساسه أية تسوية سياسية، خاصة في الضفة الغربية، بمعنى أن تسيطر إسرائيل تمامًا على منطقة غور الأردن، وقد تعلن فرض السيادة عليها في مرحلة قادمة. كما أن احتياجات إسرائيل الأمنية ومواجهة إيران (وفق تلك التصريحات الأمريكية) تقتضي عدم تفريطها في الجولان، وأن تظل القدس عاصمة لإسرائيل". وتابع "بالتالي، فإن (صفقة القرن) -في رأيي- جاءت لتنهي كل ما حاولت معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية إقراره وتثبيته لصالح عملية السلام الشامل في الشرق الأوسط. كما جاءت لتقضي على فرص تنفيذ مبادرة السلام العربية المطروحة في قمة بيروت عام 2002 التي لا تزال تُمثِّل الرؤية العربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي". وقال "ونأتي أخيرا إلى الاستحقاقات الواجبة على العالم العربي حيال (صفقة القرن). في هذا المجال قد يكون من الواجب -من وجهة نظري- عدم قبول أي تسوية منقوصة ومشوهة وغير عادلة للقضية الفلسطينية، تلك القضية التي تدخل في إطار الدائرة الأولى للأمن القومي العربي. ولا يجب أن يقبل العالم العربي أي تسوية للقضية الفلسطينية لا تلبي المطالب والثوابت الفلسطينية المعروفة، خاصة فيما يتعلق بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 عاصمتها القدسالشرقية". وأضاف اللواء إبراهيم أنه "في الوقت نفسه، من الضروري أن تسعى مصر قدر استطاعتها للتوصل إلى أكبر قدر من التوافق العربي للتصدي لأية مخططات خارجية يمكن أن تؤثر سلبًا على الأمن القومي العربي، سواء فيما يتعلق بالدخول في أحلاف وتكتلات ترتب علينا أعباء عسكرية غير مقبولة، أو بالنسبة للقضية العربية المركزية وهي القضية الفلسطينية". وأوضح أنه من الضروري توحيد الموقف العربي من قبل الدول الفاعلة أخذًا في الاعتبار أن العلاقات المصرية مع الولاياتالمتحدة استراتيجية يجب الحفاظ عليها وتطويرها، كما ينبغي ألا ننسى أن واشنطن في عهد الرئيس ترامب مارست ضغطًا شديدًا على العرب، ولم تهتم إلا بإسرائيل وانحازت إليها في قضايا القدس واللاجئين والجولان. وخلص اللواء إبراهيم إلى "إن مصر بدورها التاريخي الذي لا يمكن أن ينتهي مهما كانت التحديات التي تواجهها، كانت دائمًا حريصة على أن تحمل الهم العربي، وتتحمل تبعاته في أصعب الأوقات. ولعل ما أشرت إليه فيما يتعلق بنتائج معاهدة السلام ومشتملاتها خير دليل على سلامة وقوة الموقف المصري، وقصور الموقف العربي آنذاك. ولذا يظل الدور المصري هو الدور الرئيسي المنوط به التصدي لأية صفقات يمكن أن تنال من الأمن القومي المصري والعربي، فمصر بتاريخها وشعبها وقيادتها لا يمكن لها إلا أن تكون دولة حرة قوية صاحبة قرار، مع ضرورة تجنب أن ندخل في صراعات أو نزاعات أو خلافات ليس من ورائها طائل".