انفجرت فى باكستان الأسبوع الماضى مجادلة هى الأكثر توترا من بين ما شهدته البلدان من مجادلات، عندما وافق الكونجرس الأمريكى على مشروع قانون بتخصيص 1.5 مليار دولار للتنمية والأمن فى باكستان. ففى حين يعتبر مشروع قانون كيرى لوجار، كما بات يُعرف باسم راعييه، وثيقة شاملة، ويعكس اهتماما أمريكيا أصيلا بالمسائل الخطيرة التى تواجه باكستان، فهو لا يحظى بأى قدر من القبول على المستوى الشعبى. المفارقة فى هذا القانون المفتقر للشعبية أنه فى حين تهدف المساعدات الأمريكية إلى الحد من الفقر وتحسين المدارس ودعم نوعية حياة أفضل للباكستانيين بصفة عامة، يتمثل أحد أهداف هذا القانون الكبرى فى إظهار الصداقة القوية والمخلصة التى تريد الولاياتالمتحدة ترسيخها لدى الشعب الباكستانى. ومن هنا يعتبر القانون، فى مسابقة الشعبية فى باكستان، فاشلا فشلا ذريعا. وغالبا ما يبدو أن المساعدات الأمريكية تذهب لبلدان تعانى من مشكلة الشعبية هذه. إذ يشير استطلاع للرأى أجراه معهد جالوب فى عام 2008 إلى أن نسبة المصريين الذين لا يعتقدون أن الولاياتالمتحدة جادة فى التزامها المعلن بتشجيع الديمقراطية فى ذلك البلد ارتفعت من 36% فى عام 2005 إلى ٪75 فى عام 2008. والأسوأ هو أن ٪75 من المصريين يشعرون بأن الولاياتالمتحدة غير جادة فى تعهدها بتحسين الأوضاع الاقتصادية للمصريين. الأمر الأقوى أثرا هو أن ٪75 من المصريين يشعرون بأن الولاياتالمتحدة لن تسمح لشعوب منطقتهم بصياغة إرادتها السياسية، دون تدخلها المباشر. ويسود هذا القدر من عدم الثقة فى وقت يتلقى فيه 80 مليونا من المصريين من الولاياتالمتحدة مساعدات سنوية تقدر بنحو مليارى دولار منذ 2002. وفى باكستان، التى يصل عدد سكانها إلى نحو 180 مليون نسمة، تخطط الولاياتالمتحدة لإنفاق 1.5 مليار دولار سنويا. وبعملها هذا، ستواجه مشاعر عدائية قوية إلى حد ما. إذ لا تزيد ثقة الباكستانيين بالأمريكيين على ثقة المصريين بهم. ويظهر استطلاع أجراه المعهد الجمهورى الدولى أن ٪80 من الباكستانيين لا يرغبون فى مشاركة بلدهم للولايات فى حربها على الإرهاب، وأن ٪76 لا يريدون لبلدهم العمل مع الولاياتالمتحدة فى شن هجمات الطائرات بدون طيار على أفراد القاعدة وغيرهم من الإرهابيين. ومن المفارقات أن التسامح مع التطرف فى باكستان تراجع خلال الأشهر الأخيرة، حيث يظهر الاستطلاع نفسه أن ٪90 من الباكستانيين يعتقدون أن التطرف الدينى يعد مشكلة خطيرة، بينما يرى٪86 منهم أن القاعدة وطالبان تشكلان مشكلة خطيرة. وتكمن المشكلة التى تواجهها الولاياتالمتحدة فى هذه البلدان، على جانب منها، فى افتقادها إلى شركاء موثوق بهم ومخلصين ودائمين، يحظون بثقة شعوبهم وثقة الولاياتالمتحدة فى الوقت نفسه. وقد فقدت الحكومة الباكستانية المنتخبة، التى تحظى بحب واشنطن غير المسبوق لدفاعها عن السياسة الخارجية الأمريكية، شعبيتها فى بلدها نفسه على المدى الاستراتيجى، منذ فوزها فى انتخابات فبراير 2008. ودائما ما تعمل حكومة حامد قرضاى، الذى كان يوما أثيرا لدى قلب أمريكا، فى ظل افتقادها إلى الشعبية فى أوساط ٪40 من الأفغانيين (البشتون). ولا يثير هذا دهشتنا، فقد كانت تعانى دائما من تدنى مصداقيتها، لكنها اليوم تتمتع بشعبية محدودة حتى بين غير البشتون الذين كانوا يؤيدونها ذات يوم. ومن حسن الحظ أن بلدانا مثل مصر وباكستان ما زالت تمثل صداعا دبلوماسيّا وسياسيا خارجيّا لوزارة الخارجية الأمريكية. ففى حين أن الشعبية شىء جميل، هى ليست الهدف النهائى لشراكات أمريكا مع حكومات تلك البلدان. باختصار، يمكن للولايات المتحدة أن تعيش بلا شعبيتها فى هذه البلدان. ولكن من المؤسف أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل هذا فى أفغانستان. فهى بحاجة إلى قدر أساسى من المصداقية والشعبية، لمجرد أن الأمر ليس مشاركة فى دبلوماسية فحسب، بل علاقة عسكرية فى حقيقة الأمر يشمل جانب منها إدارة احتلال. ويشير أحدث استطلاع أجراه المعهد الجمهورى الدولى إلى ارتفاع لافت للنظر فى نسبة من يفضلون الولاياتالمتحدة إلى 63%، بينما لا تزيد نسبة من يفضلون طالبان على ٪19 وستعتمد درجة تفضيل الولاياتالمتحدة فى المستقبل إلى حد كبير على قدرة الأمريكيين على توفير الأمن للأفغان. ويجعل غياب شريك أفغانى يوثق به عمل الولاياتالمتحدة شبه مستحيل، لأن الأمريكيين يتحملون فى النهاية المخاطرة بسمعتهم مع كل فشل. ويتبدى هذا الفشل، فى كثير من الأحوال، فى تفجيرات خرقاء، يذهب ضحيتها الأفغان الأبرياء. وهذا أكثر أنواع الأخبار سوءا بالنسبة لمن يرغبون فى استمرار الوجود الأمريكى فى أفغانستان. وينبغى أن يثير قلقَنا تزايدُ شعبية التمرد المعادى لقوات الولاياتالمتحدة والناتو فى أفغانستان. فقد تحول من قتال ذى بواعث دينية صرفة (تشنه طالبان) ليصبح صراعا عرقيا (يشنه البشتون). وكل هذا وارد فى تقرير الجنرال ستانلى ماكريستال الذى قدمه للرئيس أوباما. ومن دون أن يقاتل الأفغان قتالا صادقا جنبا إلى جنب مع الأمريكيين، لن تسفر هذه الحرب إلا عن تطور العملية، وتحول التمرد إلى مقاومة شعبية أفغانية ضد المحتل الأجنبى. ويشير تزايد أعداد طالبان منذ 2006، من 7 آلاف إلى أكثر من 25 ألف مقاتل اليوم، إلى أن هذا الاتجاه نشط بالفعل. تشير تجربة بلدان مثل مصر وباكستان إلى أن من شبه المستحيل إقناع غالبية البلدان الإسلامية الكبرى بحسن نوايا أمريكا، حتى فى أفضل الظروف. والأوضاع غير مهيأة الآن لوجود أمريكى دائم فى أفغانستان. وتعنى القنابل العشوائية، وتنامى التمرد، وعدم وجود زعماء يوثق بهم فى أفغانستان أن على الأمريكيين الاستعداد لتزايد حالة عدم الشعبية فى أفغانستان، بغض النظر عما يختار الرئيس أوباما عمله هناك.