أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمر اعتقال للرئيس السودانى عمر حسن البشير الأسبوع الماضى، ويضع ذلك التطور القادة الأفارقة أمام اختيار صعب؛ هل سيقفون مع العدالة أم ضدها؟ وهل سينحازون إلى الضحية أم المعتدى؟ وعلى الرغم من وضوح الاختيار، فإن ردود الأفعال التى صدرت عن عديد من القادة الأفارقة، حتى هذه اللحظة، بدت مخجلة. ونظرا لأن الضحايا فى السودان من الأفارقة، فيجب على هؤلاء القادة، دعم الجهود الرامية إلى محاسبة المذنبين. ولكنهم بدلا من الوقوف إلى جانب ضحايا دارفور، احتشدوا خلف الرجل المسئول عن تحويل هذا الإقليم إلى مقبرة. وعندما تواترت الأنباء فى يوليو الماضى حول عزم لويس مورينو أوكامبو، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، إصدار أمر اعتقال ضد البشير، بسبب مسئوليته عن جرائم الإبادة الجماعية فى دارفور، بعث الاتحاد الأفريقى بمذكرة إلى مجلس الأمن الدولى، يطالبه بتعليق إجراءات المحكمة فى هذا الشأن. فقد اختار الاتحاد الأفريقى إبداء القلق، إزاء ما اعتبره تمييزا ظالما ضد القادة الأفارقة، ودعم مساعى البشير لتأجيل إجراءات المحكمة، بدلا من التعبير عن القلق إزاء ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية فى دارفور. والأكثر من ذلك أن مجموعة ال77 التى تعد إحدى المنظمات المؤثرة فى الأممالمتحدة، والتى تضم 130 دولة نامية تشمل جميع الدول الأفريقية منحت السودان مقعد الرئاسة. وكان هذا النصر قد تحقق بعد أن صدق الأعضاء الأفارقة على ترشيح السودان رئيسا للمجموعة، على الرغم من اقتراب صدور اتهامات ضد الرئيس السودانى. ولعله من دواعى أسفى، أن الاتهامات ضد البشير أثارت المشاعر ضد نظام العدالة وخصوصا المحكمة الجنائية الدولية باعتباره منحازا ضد أفريقيا، على الرغم من أن العدالة تلبى مصلحة الضحايا، كما أن ضحايا هذه الجريمة هم من الأفارقة. ومن ثم، فإن الزعم بأن الادعاء، ضد البشير يمثل مؤامرة من الغرب، يعد مهينا للأفارقة، كما أنه يضعف من التزام الدول الأفريقية تجاه العدالة. ويجدر بنا أن نتذكر أن أكثر من 20 دولة أفريقية أسهمت فى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، وتوجد 30 دولة أفريقية من بين ال108 دول أعضاء المحكمة. وكون التحقيقات الأربعة التى تقوم بها المحكمة حاليا تخص القارة الأفريقية، لا يعود إلى انحيازها ضد أفريقيا، ولكن لأن ثلاثا من دول القارة (جمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو وأوغندا) طالبت بنفسها بتدخل المحكمة. وتعد حالة دارفور هى الحالة الوحيدة التى أحيلت إلى المحكمة الجنائية الدولية، من جانب مجلس الأمن. وفى الوقت نفسه، يدرس المدعى العام بناء على مبادرة شخصية منه فتح تحقيق فى أفغانستان وكولومبيا وجورجيا. ويقول القادة الأفارقة إن محاكمة البشير سوف تضعف عملية إحلال السلام فى دارفور. غير أنه فى واقع الأمر، لا يمكن تحقيق السلام والأمن، إلا عندما يشعر سكان الإقليم بسيادة العدالة. ذلك أن السبب الأساسى فى عدم تحقيق السلام هو غياب العدالة. وحتى لو بدت العدالة مؤلمة وغير مريحة، فقد رأينا أن البديل التغاضى عن محاسبة المذنب أسوأ. ويمثل إصدار أمر اعتقال للبشير لحظة استثنائية لشعب السودان، ولأولئك الذين أصبحوا يتشككون فى أن الأفراد والحكومات النافذة، يمكن أن تحاسب على أفعالها المضادة للإنسانية. ومن ثم، فعلى القادة الأفارقة دعم هذا الحدث التاريخى بدلا من العمل على تخريبه. 2009 The New York Times