قبل أن يلتحق الكيميائى الشاب محمد رفعت بالعمل فى محطة إمبابة لمياه الشرب أوائل عام 2006، كانت لديه نسبة من الشك فى مدى جودة مياه الشرب، التى تصله عبر «الحنفية»، لكن بعد أن قاربت مدة عمله بالمحطة الآن 3 سنوات؛ شاهد خلالها وأجرى بنفسه عمليات المعالجة اللازمة للمياه، أصبح مقتنعا تماما أن المياه، التى تخرج من المحطة والتى تصل إلى مليون وربع متر مكعب يوميا وتغذى مناطق الوراق والهرم وفيصل والرماية فضلا عن قرية ناهيا «صالحة للشرب بل وأفضل من المياه التى يقال عنها إنها معدنية». ها هو الآن يُدلل على صحة كلامه السابق بينما يستعرض رحلة المياه فى هذه المحطة الضخمة، التى تعتبر واحدة من بين 157 محطة كبيرة أخرى من هذا النوع تابعة للشركة القابضة لمياه الشرب. فى منطقة «المأخذ» حيث يتم أخذ أو سحب مياه النيل للمحطة، أخذ الكيميائى الشاب يشرح كيف تتم المرحلة الأولى من مراحل تنقية المياه؟، مشيرا إلى أن هناك 4 مواسير ضخمة قطرها 1600 ملم لسحب المياه، وعلى فوهة كل منها شبكة حديدية لمنع غصون وأوراق الشجر والأسماك من الدخول. حرم المأخذ مكان هذه المواسير التى لا يمكن رؤيتها بسهولة، كما يضيف رفعت، ليس قريبا من سطح الماء لكى لا تسحب الأشياء الطافية فوقه، كما أنه ليس قريبا من القاع أيضا لكى لا تسحب الطين المتراكم به. أما فوهتها فتدخل فى عرض النيل حتى ثلثه الأول تقريبا لكى لا تسحب الطين من الشاطئ أيضا وذلك بعكس أنواع أخرى من «المآخذ» أقل تطورا تسحب المياه من على الشاطئ مباشرة. ويحيط هذه المواسير ككل حواجز وشباك حديدية تعرف باسم «حرم المأخذ» تمنع المراكب أو ما شابه من الدخول. بعد ذلك تمر المياه القادمة من خطوط المواسير الموجودة ب»المأخذ» عبر حواجز حديدية لمنع ما عجزت عن حجزه الشباك الحديدية الموجودة على فوهة خطوط المواسير السابقة من الدخول. على هذه الحواجز كانت هناك أكواب وزجاجات وغُطيان بلاستيكية وعلب «كانز» وغيرها محجوزة، نظر إليها رفعت بشىء من الامتعاض، وقال: «لو كانت الناس بتحافظ على النيل أكتر من كده أكيد ده كان هيسهل عملنا كتير، ما تتخيلش كمية الزعل اللى الواحد بيزعلها لما بيشوف ناس بترمى زبالة أو بتنزل حيواناتها فى النيل تستحمى». ومن الحواجز الحديدية السابقة تواصل المياه رحلتها إلى شباك حديدية ميكانيكية تصل أبعاد فتحاتها إلى 5x5 ملم وتعرف باسم «مانعات الأعشاب»، التى تحجز الأعشاب والشوائب الصغيرة من المياه قبل دخولها إلى ما يُسمى ب«بيارة المياه العكرة»، التى تتجمع فيها المياه ليتم رفعها بعد ذلك بواسطة طلمبات ضخمة إلى «المُروقات»، حيث تحدث المعالجات الكيميائية الخاصة بتنقية المياه بإضافة «الكلور»، الذى يطهر المياه ويقضى على البكتريا ومعظم الكائنات الحية الدقيقة بها، فضلا عن «الشبه»، التى تُخلص المياه من عكارتها وتجمعها فى شكل «ندف» تترسب فى القاع. التنظيف بالترشيح على القواطع الضيقة التى تفصل ما بين أحواض «المروقات» وقف الكيميائى الشاب يوضح الدور المحورى المهم، الذى يقوم به الكيميائيون ومعمل المحطة فى أخذ وتحليل عينات دورية من المياه بداية من حالتها الخام عند «المأخذ» وحتى مكان خروجها من المحطة للمستهلك، وذلك لتحديد النسب الصحيحة، التى تحتاجها من الكلور والشبه والتأكد من أن عمليات المعالجة المختلفة تحدث أثرها المطلوب فى المياه لتخرج فى النهاية مطابقة للمواصفات القياسية لمياه الشرب التى نص عليها قرار وزير الصحة رقم 458 لسنة 2007. ويواصل محمد رفعت استعراضه لمراحل تنقية ومعالجة المياه المختلفة وصولا إلى أحواض «الترشيح»، حيث يجرى التخلص من أى أشياء لا تزال عالقة بالمياه عبر مرورها بطبقة سمكها متر من الرمل ذى الحُبيبات الصغيرة وطبقة أصغر من حبات الزلط يتم تحديد أحجامها فى المعمل. بعدها تنزل المياه بقوة الجاذبية عبر فتحات دقيقة إلى الخزانات الموجودة أسفل المرشحات ويتم حقنها بجرعة نهائية من الكلور للقضاء على ما قد يكون تبقى بها من بكتريا أو كائنات حية دقيقة، ليجرى ضخها بعد ذلك للمستهليكن فى شبكة مواسير الشرب. فى طريق العودة للمعمل قال رفعت مازحا: «وطبعا فيه خط مواسير خدمة للمحطة بنشرب منه، ما هو مش معقول هنشرب من بره»، مؤكدا بذلك مرة أخرى على أن المياه التى تخرج من المحطة «صالحة للشرب تماما، بل وأفضل من المياه التى يقال عنها إنها معدنية». أما عن الأسباب التى تؤدى بعد ذلك إلى شكاوى الناس من سوء أو عدم صلاحية مياه الشرب، فيؤكد محمد أنه مادامت المياه تخرج من المحطة صالحة للشرب، فإن المشكلة لا بد وأنها تأتى فى هذه الحالة من المواسير التى تكون فى هذه الحالة إما بها كسر يجب إصلاحه أو متآكلة ولا بد من تغييرها». وعن الكيفية التى يتم بها حل مثل هذه المشكلات، يضيف رفعت: «لدينا خط تليفونى لشكاوى المياه رقمه 125 يمكن لأى مواطن أن يتصل به عند وجود أى مشكلة فى مياه الشرب، وحين نتلقى اتصال من هذا النوع نرسل من يأخذ عينة من المياه ونحللها لمعرفة ما إذا كانت مطابقة للمواصفات أم لا، وإذا اتضح أنها غير مطابقة نقوم بإخطار القطاع المختص بالشبكات (أى شبكات المواسير) لكى يهتم بهذه المنطقة ويقوم بحل مشكلتها».