خلعت النقاب بناء على رغبة القائمين على المدينة الجامعية فقط، لتتمكن من مقابلة مديرة المدينة هى وعدد من الطالبات المنتقبات لعرض مشكلاتهن، إلا أن النتيجة كانت «كلمتين تعنيف على الماشى» بحسب إحداهن، لكل من تمارس حقها فى الرد أو التعقيب. فشيماء محفوظ الطالبة بكلية الطب البشرى، والحاصلة على تقدير جيد العام الماضى، لم يتم تسكينها فى المدينة حتى اليوم، رغم أن تسكين الطالبات الحاصلات على تقدير جيد كان يوم الثلاثاء (أمس الأول). وعقب تصريحات د.هانى هلال، وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمى، فى جولته التى أعرب فيها عن رفضه التام لدخول المنتقبات إلى المدن الجامعية، حيث قال: «لن يحدث ذلك مادمت وزيرا للتعليم العالى ومسئولا عن الجامعات فى مصر». لاتزال أزمة الطالبات المنتقبات على أبواب المدينة الجامعة التابعة لجامعة القاهرة قائمة حتى أمس الأربعاء، ولليوم الخامس على التوالى منذ بدء الدراسة. تقول شيماء: إن الوزير يرفض دخول المنتقبات إلى المدينة بالنقاب، باعتبار أن جميع من داخل المدينة بنات، إلا أن الواقع الذى تحكى عنه شيماء مخالف لذلك، فعمال ال«بوفيه»، والكافيتريات والحرس على أبواب المدينة والكهربائى والنجار المناوبين، دائمى الإقامة داخل المدينة، كما أن عمال الكافيتريات موجودون حتى الساعة الثانية صباحا. وتروى شيماء أنها وزميلاتها فى الغرفة أردن النزول للمذاكرة فى ساحات المدينة قبيل امتحانات العام الماضى، إلا أنهن وجدن عمال الكافيتريات والحراس فى ساحات المدينة، يتمتعون بسهرة سعيدة على أنغام تليفوناتهم المحمولة. ومن هنا تؤكد شيماء أن النقاب ضرورى للملتزمات داخل المدينة لوجود رجال داخل أسوارها، مشيرة إلى أن قوانين المدينة الجامعية تقضى بالالتزام بملابس معينة ومحتشمة للغاية وعدم الحياد عنها خارج الغرف، وهو ما اعتبرته شيماء تناقضا فى الموقف. وتضيف شيماء أن الطالبات المنتقبات منذ الأعوام السابقة تم حذف أسمائهن من كشوفات الطالبات، رغم اتباعهن لإجراءات التسكين فى المدينة بشكل كامل، وتستوى فى هذه الحالة تقديرات الامتياز والجيد جدا والجيد، فى حين تم تسكين بنات ذوات تقدير جيد ومن مناطق غير نائية منذ اليوم الأول فى الدراسة الذى كان مخصصا لطالبات الامتياز من المناطق النائية. كما تشير شيماء إلى أن توزيع الغرف وتسكين البنات وإعداد الطالبات داخل الغرفة الواحدة يتم بناء على التقديرات، إلا أن هذا العام تم مخالفة هذه القواعد، هذا بالإضافة إلى أن الموظفات المسئولات عن التسكين تبدأن عملهن منذ العاشرة صباحا وتنهى أعمالهن خلال ساعة أو ساعتين على الأكثر، فشباك الشئون غالبا ما يكون مغلقا. وتضيف شيماء أن جميع محاولات الطالبات لمقابلة رئيس الجامعة ونائبه لشئون التعليم والطلاب قد باءت بالفشل، وبخلاف الوعد الذى قطعه د.عادل زايد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون التعليم والطلاب بحل مشكلة الطالبات، إلا أنهن انتظرنه طويلا ولم يأت، كما لم يأت نائبه الذى كان من المقرر أن يذهب إليهن فى اليوم التالى. ومن جانبه، أشار د.محمد البلتاجى النائب الإخوانى وعضو لجنة التعليم بمجلس الشعب، إلى أن الحديث عن التعددية وقبول الآخر واحترام الحريات كان ينبغى أن يمثله شيخ الأزهر، ووزير التعليم العالى، إلا أن مواقفهم جاءت مخيبة للآمال، فشيخ الأزهر تعامل مع موضوع النقاب على أنه عادة منبوذة فى المجتمع ويجب التخلص منها، وهو ما يتعارض تماما مع آداب الإسلام وآداب الحوار، فالكلمات والألفاظ التى عبر بها عن موقفه غير لائقة ولا تعبر عن أسلوب للحوار الحضارى. كما لفت البلتاجى إلى أن هلال كانت له مواقف سابقة وسلبية تجاه النقاب، وهو ما اعتبره البلتاجى موقفا غير مبرر وغير مقبول، لأنه يتعارض مع مبدأ الحرية الشخصية، ولا يمكن تصور أن طالبة متفوقة حاصلة على تقديرات عليا تحرم من حقها فى السكن فى المدينة الجامعية بناء على آراء وزير التعليم العالى الشخصية. وأكد البلتاجى أن إجراءات التفتيش سهلة وممكنة للغاية بدلا من هذا الموقف المتعارض مع مبدأ الحريات العامة، ويمكن الاستعانة به بدلا من منع دخول المنتقبات إلى الجامعات والمدن الجامعية. كما لفت البلتاجى إلى أن مصر تعيش فى منظومة متكاملة لا تحترم التوصيات الصادرة عن البرلمان ولا القضاء، وأشار إلى طالبة الدراسات العليا المنتقبة التى حصلت على حكم قضائى يقضى بالسماح لها للدخول إلى الجامعة الأمريكية التى تدرس بها، وإلى احترام الجامعة الأمريكية لحكم القضاء، إلا أن أصوات الطالبات المنتقبات فى الجامعات الحكومية لا يسمع، ويبقى صوت البهائيين والشواذ هو الأعلى على صوت الحق الداعى لاحترام الآخر والحريات الشخصية. هل يصمد النقاب أمام المؤسسة الدينية والتعليمية فى مصر؟ فى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، ومع نزوح عدد كبير من أساتذة جامعة الأزهر، نحو السعودية، تشبع الكثير منهم بالفكر السلفى، الذى تتسم به المملكة ومازال مسيطرا، إلا أنه بدأ يتزحزح قليلا فى عملية حراك دينى تشهدها المملكة منذ عدة أعوام بأيدى عدد من الدعاة المعاصرين. وبدأت معالم هذا التيار تغزو مصر من خلال فكر الأزهريين لتنتقل إلى كتبهم، وتستقر فى أذهان الطلاب والطالبات، وكان من أهم هذه المعالم الاهتمام بالنقاب وإطلاق اللحية، والحرص فى المجمل العام على بعض المظاهر مع الاهتمام بالطبع بجوهر العقيدة الإسلامية، وصارت الجامعة الأزهرية مفرخة للتيار السلفى، مما أدى برئيسها الدكتور أحمد الطيب إلى إعادة تدريس كتب التراث الأصلية لضمان سيطرة الفكر الأزهرى فقط بعيدا عن أى تيارات أخرى. وإن كان الطيب قد بدأ منذ 5 سنوات تقريبا فى غلق هذا الباب إلا أن جهات أخرى تعمل بقوة فى المجتمع المصرى محاولة بنعومة شديدة كسب قاعدة عريضة من الجماهير بالفضائيات السلفية التى تجد إقبالا غير عادى، ويلتف حولها الآلاف، فعلى نجم شيوخ السلفية ومنهم محمود المصرى ومحمد حسان وأبو إسحاق الحوينى وغيرهم. وفى ظل توغل التيار السلفى فى المجتمع بدأت المؤسسات الدينية تنتبه للنقاب، وتحاول إقناع المسلمين بأنه «عادة وليس عبادة» وفى الوقت ذاته بدأ الإصرار على ارتدائه يزداد، وبدا لهيب المواجهات بين فئات المجتمع يشتعل بين الحين والآخر. فمنذ 3 أعوام تقريبا اشتعلت أزمة الممرضات المنتقبات بعد سعى وزير الصحة المصرى الدكتور حاتم الجبلى إلى فرض زى موحد على الممرضات للحد من ظاهرة النقاب، وقامت الدنيا، وبعد تدخل قوى عديدة فى المجتمع، تم حل المشكلة حفاظا على الحرية الشخصية للمنتقبة. وما إن تهدأ أزمة حتى تطفو على السطح أخرى لدى اكتشاف أى جريمة يتخفى فيها المجرم فى زى منتقبة، أو حتى استنكار ارتداء المسلمة للنقاب كما حدث مع الدكتورة سعاد صالح عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية سابقا، حينما قالت إن النقاب ليس فرضا. ومنذ عامين تقريبا بدأت المؤسسات الدينية فى مصر وعلماء الدين تنتبه لما سماه البعض «خطورة النقاب» الذى يتخفى خلفه المجرمون، حتى أن الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين أفتى فى لقاء بمقر الاتحاد فى القاهرة مطلع مايو الماضى، بأن خلع النقاب هو الأولى حاليا، نظرا للمشكلات التى أثيرت بسببه. وأقدمت وزارة الأوقاف على حملة غير معلنة على النقاب من خلال نشرها كتابا ليتم توزيعه على الأئمة والدعاة تؤكد من خلاله أن النقاب عادة وليس عبادة، ثم تلاها قيام الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف بتخصيص جلستين لمناقشة المنتقبات فى الوزارة حول النقاب، بعد أزمة وزير الأوقاف الشهيرة مع الكثير منهن واعتراضه على نقابهن، وأسفرت تلك الجلستان عن تخلص 3 من الموظفات من نقابهن، وإعلان عدد آخر أنهن اقتنعن، لكن «الناس اعتادت على شكلها». ويواجه النقاب فى مصر الآن مصيرا مجهولا بعد موقف شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى من الطالبة التى ارتدت النقاب فى معهدها الأزهرى وموقف الدكتور هانى هلال وزير التعليم مع طالبات المدينة الجامعية المنتقبات، وتبدو المواجهة بين الشيخ والنقاب أكثر ضراوة خاصة فى ظل مطالبات العديد من نواب كتلة الإخوان المسلمين بعزل الشيخ والهجوم الشرس ضد ما عزم على اتخاذه من قرار. وتؤكد مصادر أن قرار منع النقاب من المعاهد من اختصاص الإمام الأكبر وحده أو وكيل الأزهر، لأن المجلس الأعلى للأزهر مكلف فقط باعتماد السياسات التعليمية للمعاهد والجامعة، أما النقاب الذى يعد زيا للطالبة فلا يتدخل فى إقراره المجلس بحسب نفس المصادر. ويزداد الأمر تعقيدا إذا علمنا انقسام أعضاء مجمع البحوث الإسلامية حول موقف شيخ الأزهر، فمنهم من يرى أن الشيخ محق تماما وأنه يجب اتخاذ قرار فورى بمنع النقاب، ومنهم من يرى أن النقاب فضيلة لا يجوز منعها، فضلا عن المنظمات الحقوقية التى تقف فى صف المنتقبات وترى النقاب حرية شخصية، والإخوان الذين يترصدون للشيخ. فهل يستطيع النقاب بخلفياته الدينية والحقوقية مواجهة المؤسسات الدينية والتعليمية فى مصر كما حدث فى مواقف سابقة.. أم أن الصراع سيكون أكثر ضراوة هذه المرة؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة فور عودة شيخ الأزهر من جمهورية طاجيكستان.