مع انخفاض أحجام التداول فى البورصة منذ الربع الأخير من العام الماضى بفعل تذبذب السوقين، المحلية والدولية، تعانى شركات الأوراق المالية أوضاعا مالية صعبة بدأت تكشف نفسها فى تراجع أرباح كبرى بنوك الاستثمار الأسبوع الماضى. من معدل يومى للتداول يقترب من قيمة 2 مليار جنيه يوميا فى الشهور الأولى من 2008، انخفض متوسط التداول اليومى إلى حدود ال400 مليون جنيه يوميا فى الأسابيع الماضية، وكان أسوأ من ذلك فى الربع الأخير من 2008 بعد تفاقم الأزمة المالية العالمية. تداول الأسهم هو مصدر الربح الأول لشركات السمسرة، التى بدأت فى دفع الثمن. «نسبة كبير من الشركات موقفها سيىء». بهذه العبارة وصف حسام الجارحى، نائب العضو المنتدب لشركة دلتا رسملة لتداول الأوراق المالية موقف شركات السمسرة فى سياق تراجع البورصة التاريخى فى الشهور الماضية. ويضيف الجارحى أنه مع تراجع البورصة، صار المستثمرون الصغار يحسبونها مرتين قبل ضخ أموال جديدة فى السوق مما أثر بشكل متوقع ومنطقى على أحجام التداول. تخوف الأفراد من التعامل فى سوق الأوراق المالية بدأ يتضح من خلال تراجع تعاملات الأفراد فى السوق إلى نحو 50% فى شهر يناير وفقا لما جاء فى تقرير البورصة الشهرى عن شهر فبراير، بعد أن كانت هذه النسبة تتجاوز ال70%، وسط تراجع ملحوظ لأحجام التداول، بما لا يزيد على 500 مليون. وجه الأزمة القبيح انخفاض أحجام التداول، عكس نفسه بوضوح على أرباح كبرى شركات التداول المقيدة بسوق الأوراق المالية، التى أعلن بعضها نتائجها فى 2008 الأسبوع الماضى. حيث تراجعت أرباح شركة برايم، وهى واحدة من أكبر بنوك الاستثمار المصرية بنسبة 23% من 31.8 مليون جنيه فى عام 2007 إلى 24.3 مليون جنيه فقط العام الماضى. وتمتلك برايم حصص تزيد على 99% من برايم انفستمنت لإدارة الاستثمارات المالية، وبرايم كابيتال لترويج وتغطية الاكتتابات، وبرايم لتداول الأوراق المالية، وبرايم سيكاف لصناديق الاستثمار، وبرايم للاستشارات، وبرايم للاستشارات الاستثمارية. إضافة إلى 25.4% من برايم الإمارات للوساطة فى الأوراق المالية، و49% من برايم السعودية، و46% من برايم قطر. من ناحية أخرى أظهرت نتائج أعمال شركة المجموعة المالية هيرمس، والتى تعد أكبر بنوك الاستثمار العربية تراجعا كبيرا فى صافى ربح المجموعة فى 2008 ب27.7% إلى 933.5 مليون جنيه مقارنة ب1.29 مليار فى 2007. وسجلت هيرمس خسائر فى الربع الأخير من العام تقدر ب55.5 مليون جنيه، رغم أن نتائج أعمال الشركة خلال ال9 شهور الأولى من العام الماضى كانت قد سجلت أرباحا بلغت 989 مليون جنيه، وأرجعت الشركة هذه الخسارة إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية، التى قالت إنها تجبر الشركة على اتباع خطط لتخفيض النفقات. النفقات والعمالة وأمد الأزمة يشير ياسر سعد رئيس مجلس إدارة شركة الأقصر لتداول الأوراق المالية إلى أنه «كلما طالت هذه الأزمة سيكون حال شركات التداول أصعب». يضيف سعد أنه فى الوقت الحالى كثير من الشركات لديها مشاكل مالية، وهناك شركات «قاب قوسين وأدنى من أن تعلن إفلاسها، ومعظم الشركات تعانى انخفاض أحجام التداول، وبالتالى انخفاض فى العمولات التى تحصلها، بالإضافة أن هناك شركات تسدد مديونيات عملائها، بعد أن توسعوا فى الشراء بالهامش فى السابق». ويقارن سعد بالأزمة التى شهدتها الشركات عام 1997 وحتى 2003، حين تعرضت لمثل هذه الظروف الصعبة، و«كانت أحجام التداول تتراوح من 25 إلى 30 مليون جنيه يوميا». «وقتها كان يعمل فى السوق 140 شركة تداول، أى أن أحجام التداول لكل شركة كانت لا تزيد على 400 ألف جنيه، والعمولة لا تزيد عن 2000 جنيه لكل شركة يوميا، بينما الآن الشركات مطالبة بمصروفات باهظة من مرتبات ومصروفات إدارية، ونظم تكنولوجيا حديثة ويصعب عليها البقاء»، قال سعد. ومن ناحيته يرى هانى توفيق، رئيس الاتحاد العربى للاستثمار، أن الشركات الكبرى على وجه الخصوص ستستمر فى المعاناة، مضيفا أنها ستضطر إلى تقليص حجم العمالة، التى تمثل نحو 50% من نفقات شركات السمسرة الكبيرة، وإلغاء الوحدات غير القادرة على تحقيق أرباح بسرعة. ويتفق أسامة شومان العضو المنتدب لشركة اتش ايه لتداول الأوراق المالية مع نفس التقدير قائلا إن الشركات الصغيرة قد تكون أقل تضررا من الكبيرة لأن نفقاتها أقل نسبيا من الشركات الكبيرة، ومن الممكن أن تشهد الفترة القادمة عمليات اندماج بين الشركات الصغيرة مع بعضها البعض، للتغلب على مشكلة قلة السيولة. وبحسب ما جاء فى بيان الشركة لبورصة لندن يوم الأربعاء، قالت هيرمس إنها اتخذت إجراءات لتقليل نفقات التشغيل المستقبلية، حيث خفضت 7% من عمالتها من نوفمبر إلى منتصف فبراير، وقررت خفض أجور الموظفين ال200 الأعلى راتبا. وهناك عامل آخر يضغط على شركات السمسرة هو توسعها فى إقراض العملاء بنسب تجاوزت 100% من قيم الأسهم، التى يمتلكونها، وتعاملت بنظام الشراء بالهامش دون أن تحصل على الترخيص من الهيئة، وقامت بالتسليف بما يتجاوز الحدود المسموح بها وهى 50% من قيم الأسهم، وبالتالى هذه الشركات موقفها صعب للغاية، يقول الجارحى إن هذه الشركات تعانى ضعف مراكزها المالية فى الوقت الحالى، ومعرضة للإفلاس. العامل الخليجى الأمر سيزداد سوءا، وفقا لهانى توفيق بالنسبة للشركات، التى توسعت خارج مصر للأسواق الخليجية بمن فيها نعيم الذى هو عضو مجلس إدارتها «المصروفات الإدارية بالنسبة إلى الشركات التى توسعت فى الخارج، خاصة فى الخليج، مرتفعة للغاية. وإذا استمر التراجع فى أحجام التداول، واضطراب الأسواق المالية العالمية لمدة طويلة، لن تتحمل بعض هذه الشركات البقاء هناك»، قال توفيق مضيفا إن تلك الشركات التى لها فروع فى دول المنطقة والسوق الخليجية مثل هيرمس، وبايونيرز ستتحمل تكلفة مرتفعة لا تتناسب مع العائد المحقق فى الوقت الحالى. وكانت نعيم واحدة من شركات التداول فى الأوراق المالية، التى كانت تخطط للتوسع فى دول الخليج لكن الوضع تغير. «توقفنا فى الوقت الحالى عن استكمال خطط التوسع، نظرا لارتفاع تكلفة أداء الأعمال فى هذه الدول»، تبعا لتوفيق. وكان محمد ماهر، نائب رئيس مجلس إدارة شركة برايم القابضة قد برر ل«الشروق» تراجع أرباح شركته بزيادة المصروفات، نتيجة لقيام الشركة بعمل عدد من التوسعات الاستثمارية فى بعض الدول العربية، وتوظيف عدد كبير من العمالة بها.