المعهد القومى للأورام يحمل لواء الدفاع عن المصريين ضد القاتل الأكثر شراسة بين أمراض العصر، لكنه أصبح يعانى أكثر من مرض، أخطرها ضعف الميزانية ونقص المتبرعين بالدم وقلة الطواقم الطبية المدربة خاصة فى جانب الممرضين.. من الإسماعيلية إلى القاهرة انتقل سعيد حسن الفرماوى مدرب كرة القدم، الذى كان يعمل موظفا فى مديرية الشباب والرياضة بالإسماعيلية ليدخل المعهد القومى للأورام يوم 13 يناير الماضى، قبل هذا اليوم كان يشعر بأعراض برد و«نهجان» وألم فى عضلات الفخد الخلفية يزداد حين صعوده السلم. شكوك الأطباء فى العيادات ومعامل التحاليل فى الإسماعيلية كانت واضحة على وجوههم، لكن قوة الإيمان كانت تمنحه الهدوء. وفى المعهد عرف كابتن سعيد أنه مصاب بسرطان الدم، الصدمة سيطرت على سعيد وأفراد أسرته، فأقصى ما كان يتخيله سعيد هو أنه مصاب بأنيميا. بعد إجراء التحاليل والفحوصات اللازمة فى المعهد بدأ سعيد يستعيد قوته لأنه عرف من الطبيب المعالج أنه جاء فى الوقت المناسب، فالاكتشاف المبكر للمرض يزيد من فرص الشفاء، فمع تعاطى العلاج الكيماوى والتفاف الأهل والأصحاب حول سعيد خلال الفترة الماضية تحسنت حالته المرضية، واعتبرها سعيد فرصة ذهبية لقراءة القرآن والتقرب من الله. يتعجب سعيد كثيرا حينما يتذكر أنه طوال فترة خدمته فى المديرية لم يلجأ للعلاج على نفقة التأمين الصحى، وحينما خرج على المعاش فى يوليو الماضى تردد فى تجديد الاشتراك، ولكن زملاءه قالوا له «جدده يمكن تحتاجه مش حتخسر حاجة»، وفعلا احتاج سعيد التأمين الصحى لأن مصروفات العلاج لا يمكن أن يغطيها على نفقته. يبتسم سعيد ويقول «الحمد لله»، فالطبيب المعالج شرح لسعيد أن نسبة الشفاء فى المرحلة الأولى فى حالة الكشف المبكر تصل إلى 90%. «مش عاوز حد يضايقنى.. أنا خفيت خلاص» يقولها محمد فرج عبد النبى، 24 سنة، لكل من يسأل عن الصحة، وهو بالفعل تماثل للشفاء. «أنا من بلد أرياف والناس جاهلة لسه بتخاف من المرض الوحش، ده اسمه السرطان يعنى، بس بيخوف من اسمه». بدأ محمد رحلة المرض من 7 سنوات، وبعد «اللف والدوران على المستشفيات» حولته مستشفى الهرم إلى المعهد القومى للأورام لأنه مصاب بسرطان الدم، انتظم فى العلاج الكيماوى لمدة 3 سنوات، واليوم الذى كان يعاطى فيه العلاج يرقد بعده يومين فى السرير من التعب، واستمر بعدها سنتين يتردد على المعهد للمتابعة، ثم أعلن طبيبه المعالج أنه فى مرحلة الشفاء، ولكن يجب عليه عمل كشف دورى كل 6 أشهر للاطمئنان على صحته. محمد حزين لأن الرعاية فى المعهد اصبحت أقل جودة مما كانت عليه منذ 7 سنوات لأن التبرعات أصبحت أقل، وبالتالى أصبحت الإمكانيات فى المعهد أقل ومعاناة المرضى أصبحت أكبر. خلال رحلة المرض التى تحداها محمد استطاع أن يحصل على دبلوم تجارة، والعام الماضى استطاع أن يحصل على عمل فى أحد الفنادق فى محافظة 6 أكتوبر، ولكن ترك العمل لأن صاحب العمل علم أنه مريض بالسرطان وتعيينه يعنى التأمين عليه، فثارت مخاوف صاحب العمل من تحمل نفقات علاج محمد لأن معلوماته أن من يشفى من السرطان قد يحدث له ارتجاع مرة أخرى، ويرى محمد أن «الجهل بالمرض يجعل الكثيرين يخطئون فى معاملة مرضى السرطان». مهمة قومية للمعهد اسمها العلاج المجانى منذ أن كان طالبا فى امتياز بكلية طب قصر العينى عام 1980، اختار د.أشرف سعد زغلول التخصص فى جراحة الأورام. هو الآن مدير المعهد القومى للأورام منذ خمسة شهور. «هناك مهمة قومية يقوم بها معهد الأورام، ونستقبل الحالات المرضية من كل أنحاء الجمهورية، على عكس مستشفى الأطفال 57357، الذى يرفض الحالات التى لها ملف مرضى مع أى مستشفى أو عيادة أخرى، ولا يستقبل إلا الحالات الجديدة، ليعالج المريض من الألف إلى الياء». يضطر المعهد لقبول هذه الحالات لأنه الطريق الوحيد أمامهم، فالمعهد مسئول عن علاج مريض الأورام مهما كان بالمجان، ومشكلات هذه الحالات كثيرة جدا، على رأسها «لخبطة العلاج» بسبب تردد المريض على أكثر من مستشفى قبل الوصول إلى معهد الأورام. يقول د.أشرف إن عدد المرضى فى المعهد وصل إلى 120 ألف حالة فى عام 2008، بالإضافة إلى 21 ألف ملف للفحص الطبى، اكتشفنا من بينها نحو 15 ألف حالة مريض بالسرطان». أما تكاليف العلاج فيقول عنها دكتور أشرف إنها تختلف حسب نوع السرطان، فقد يتكلف علاج مريض 120ألف جنيه فى الشهر، وقد يتكلف 5 آلاف جنيه فى الشهر، وقد يحتاج عملية جراحية لا تقل تكلفتها عن 20 ألف جنيه. «توفير التبرعات للمعهد هى المهمة الأولى أمامنا» يقولها د.أشرف دون أن يخفى الوضع المالى الحرج للمعهد. «الميزانية المخصصة لعلاج المرضى 32 مليونا فقط، فى الوقت الذى تكلف فيه المعهد نحو 120 مليون جنيه للإنفاق على المرضى فى عام 2008، كما أن مبانى المعهد تحتاج إلى تطوير المبنى الشمالى بدء منذ 3 سنوات، تكلف حتى الآن 30 مليون جنيه، ويحتاج المعهد 20 مليون جنيه لاستكمال التطوير، وأيضا المبنى الجنوبى يحتاج تدعيم فورى لا يقل عن 80 مليون جنيه لبدء أعمال التطوير، هذا علاوة على الأجهزة الطبية، التى يحتاج المركز لشرائها مبلغ لا يقل عن 25 مليون جنيه». يقولها د.أشرف فى جملة واحدة طويلة، ومؤلمة. يكرر الرجل دعوته لكل مواطن مصرى للتبرع فى حساب المعهد القومى للأورام رقم 777 فى البنك الأهلى المصرى، أو التوجه لإدارة التبرعات فى الدور الأرضى بالمعهد والتأكد من الحصول على إيصال مختوم من الإدارة لضمان وصول التبرعات لمستحقيها. «المعهد يقبل التبرعات العينية، فأى رجل أعمال قادر على شراء أجهزة طبية أو أدوية يتوجه للمعهد، الذى سيرحب به كل الترحيب لأنه فعلا فى حاجة شديدة لها. كما أن المعهد يحتاج للتبرع بالدم، والراغب فى التبرع يتوجه إلى وحدة بنك الدم فى المعهد» يتذكر د.أشرف أن «المعهد احتاج إلى 2800 كيس دم فى بداية العام الماضى، لم توفر التبرعات منها سوى 2300 كيس، والباقى اضطر المعهد لشرائها».