تزايدت حوادث الاعتداء على ضباط الشرطة خلال حملات القبض على الخارجين على القانون، وآخر الاعتداءات مقتل اللواء إبراهيم عبدالمعبود، مدير مباحث السويس، على يد المرشدى تاجر المخدرات، وتوهم المرشدى أنه يصنع من نفسه بطلا. وسقط فى النهاية قتيلا برصاص رجال الشرطة، والغريب أن المسجلين خطر معلوم نشاطهم الإجرامى لدى وزارة الداخلية منذ بدء سيرهم فى طريق الجريمة، ولا تفكر فى القبض عليهم إلا حينما يتضخمون ويصبح لهم أعوان يجعلون عملية ضبطهم صعبة بل ومستحيلة أحيانا. وأفادت المعلومات أن المتهم بقتل اللواء إبراهيم عبدالمعبود اتخذ قريته وكرا لتجارة المخدرات فى غفلة من الأمن، ومثله الكثير من المطلوبين تعلم أجهزة الأمن أماكنهم، وترصد نشاطهم من البداية، فهل حوادث مقتل رجال الشرطة على يد المسجلين خطر سببه ذكاء هؤلاء الخطرين أم تقصير من أجهزة الأمن نفسها؟ اللواء محمد عبدالحليم، المسئول السابق بوزارة الداخلية، أرجع السبب إلى يقين المواطن بفقد وزارة الداخلية هيبتها داخل المجتمع، ولم تعد تمثل أدنى قيمة، فى الشارع، وأن المواطنين استشعروا بالظلم الذى يقع عليهم من تعامل الأجهزة الأمنية معهم، لما تنتهجه من سياسة خاطئة تجاههم. وأوضح أن عمل وزارة الداخلية يقوم على شقين أساسيين، الأول جنائى، والثانى سياسى، وفى الشق الجنائى تكون وظيفة القائمين عليه حماية الشارع، وبعث الأمن، والطمأنينة فى نفوس المواطنين، والعمل على حماية الأرواح، والممتلكات، والمتمثل فى مصلحة الأمن العام، والشق السياسى، يقوم بحماية الدولة، ونظامها الداخلى، والمتمثل فى جهاز مباحث أمن الدولة. وأضاف أنه فى الفترة الأخيرة أهملت الوزارة الشق الجنائى تماما وهو أساس عملها، واهتمت بحماية النظام والدولة على حساب المواطنين، حيث انتهجت سياسة ضرب كل من يعبث به، وغلق أفواه كل من يتحدث فى الإصلاح، «فنجد حشد القوات فى المظاهرات، وتكبيل حركتها، وكتم أصواتها، وهذا يعطى انطباعا لدى المواطن بأن الشرطة تعمل لخدمة النظام حتى لا تظهر عيوبه». «وأصبح المواطن يرى حشد القوات لتأمين الحفلات، ومباريات كرة القدم، ولا يرى تدخلها لضبط العناصر الخارجة على القانون، بل تتركها تعمل بكل حريتها حتى تقوى شوكتها، ويكون قد فات الأوان حينما تنوى قيادات الداخلية القبض عليهم». وقال إنه «على سبيل المثال فى انتخابات مجلس الشعب السابقة بالدورة الأولى من الانتخابات عمل الجهاز الأمنى بكل طاقته، ولم تحدث منه أى تجاوزات، ولكن عندما استشعر النظام فوز الإخوان المسلمين تم إصدار أوامر بحشد قوات من أجهزة الأمن لمنع مناصرى الإخوان من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات، وكان ذلك فى الدورة الثانية.. وهذا أدى إلى عدم شعور المواطن بأهمية فرد الشرطة لأنه يعلم أن مصلحته لا تهمة، فهو فى المقام الأول والأخير موظف يعمل لحماية السياسة». وأكد أن هناك عناصر بجهاز الشرطة فاعلة، ولا أحد ينكر جهودها، ولكن تحركها بطىء، وعلى الشرطة مراجعة خططها بالكامل، والاهتمام أكثر بالعمل الجنائى، والتصدى للخارجين على القانون، وهم فى مهدهم قبل أن يتحولوا إلى قنابل تنفجر فى وجوههم وترديهم قتلى. بينما اختلف اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، مع سابقه موضحا أنه لا فرق بين الشق الجنائى، والسياسى داخل جهاز الأمن، وأنه جهاز متكامل لا يتجزأ، وأن أى جريمة لها تأثيرها فى الوضع السياسى. وأرجع اعتداءات المجرمين على الشرطة إلى عدة أسباب منها الأوضاع الاقتصادية، والفوارق بين الطبقات، والحقد الاجتماعى الذى أدى إلى ظهور الجريمة داخل المجتمع المصرى، «ولا بد أن يكون هناك جهات متخصصة فى البحث الاجتماعى لدراسة تلك الظاهرة ومعالجتها». وأوضح علام أن هناك حالة من الاحتقان الشديد داخل المجتمع المصرى نتج عنها عدم الاستقرار الأمنى، أما ظاهرة اعتداء تجار المخدرات على ضباط الشرطة فهى ظاهرة موجودة منذ سنوات لأن المطلوب ضبطه هنا غالبا ما يكون محكوم عليه بالإعدام، فلا يفرق معه أى شىء فى اعتدائه على أفراد الشرطة، لأن تجارته لها أرباح طائلة تدعم موقفه، وتؤمِّن نفسه بأحدث الأسلحة، ولو استسلم يعلم أن حبل المشنقة فى انتظاره. وأوضح اللواء صلاح سلامة، المدير السابق لمكتب مباحث أمن الدولة بالجيزة أن السبب هو انهيار سلوك الأفراد بالمجتمع المصرى مما يدفعهم لفعل أى شىء مخالف للقانون حتى لو أدى به الأمر لقتل رجال الأمن، وكل ذلك سببه وجود العشوائيات، والجهل العلمى، والبطالة، وجزء كبير يرجع إلى وسائل الإعلام التى تسمح بتداول الأفلام التى تروج لفكرة لا أحد فوق القانون. وضرب سلامة مثالا بأفلام إبراهيم الأبيض، وحين ميسرة، والجزيرة، وما جاء بها من أبطال يقفون فى وجه الشرطة بل ويقتلون رجالها، وأصبح الكل الآن وليس المسجلون الخطر فقط يردد وراء أحمد السقا «من النهاردة مفيش حكومة، أنا الحكومة».