حصر البعض العشق والحب وكلمات الغزل في الحب بين الرجل والمرأة، بينما أكد يوسف شاهين بأعماله أنها في أحيان كثيرة تنبع من عشق الفنان لمدينته، وشاهين وبرغم كونه واحدا ممن عبدوا الإسكندرية وسبحوا بجمالها وسحرها الذي استمر عبر كل العصور، إلا أنه أحب مدنا أخرى بجوارها، وعن مدن شاهين نتحدث. • الإسكندرية.. المدينة التي نقشها على جدران قلبه وصنع لها رباعية سينمائية أحبها العالم 29 عاما و25 فيلما قبل أن يقرر شاهين استجماع خيوط شجاعته مصارحا مدينة الإسكندر الأكبر بعشقه لها وأنها الوحيدة التي سكنت روحه وقلبه حتى وهو يحلم بالسفر إلى الناحية الأخرى من العالم. كانت القصيدة العاطفية الأولى منه تجاهها هو فيلم "إسكندرية ليه" عام 1979 هذا الفيلم الذي جمع كل أجيال وأبطال السينما المصرية منذ بدايتها وحتى وقتنا هذا. فمن يصدق أن الفيلم يجمع بين: يوسف وهبي ودولت أبيض وفريد شوقي وأحمد زكي ونعيمة الصغير ونجلاء فتحي ومحمد هنيدي ومحسن محيي الدين وعبد الله محمود ووائل نور وأحمد سلامة وعبد العزيز مخيون ومحسنة توفيق ومحمود المليجي وعزت العلايلي ويحيى شاهين وليلى فوزي وعبد الوارث عسر؟. الفيلم تناول أكثر من قصة، فتناول قصة يحيى المحب للتمثيل والذي عبر عن يوسف شاهين في فترة شبابه كما تناول طبيعة الحياة الاجتماعية في الإسكندرية وذلك عن طريق قصة حب بين شاب مصري وهو إبرهيم وفتاة يهودية وهي سارة. كما تطرق الفيلم للسياسة وذلك عن طريق قصة مجموعة من الشباب يريدون التخلص من الاحتلال الإنجليزي، وتطرق أيضا عن نشأة العصابات الصهيونية وكيف أن يحيى فقد صديقه بسبب انضمامه لهذه العصابات. الفيلم يدعو إلى التسامح الديني كما رآه يوسف شاهين في صغره حين كان له صديق يهودي. كما يظهر شاهين في الفيلم شدة حبه للفن وتأثره بالسينما منذ الصغر. الفيلم يرصد الإسكندرية التي عاش فيها شاهين ومنحته قبوله للآخر وتنوعه الثقافي وانفتاحه على كل الثقافات، إنها المدينة التي تضع الجميع في إناء واحد لتخلطه بمزيج ونكهة مصرية إسكندرانية خالصة. وثاني أفلامه التي عبر فيها عن حبه لمسقط رأسه وحمل اسمها "إسكندرية كمان وكمان" والذي مزج فيه بين إضراب الفنانين الشهير والبحث عن الإسكندر الأكبر وعشقه للإسكندرية ورحلته مع المهرجانات الكبرى وقدم فيه الوجه الجديد عمرو عبد الجليل. الفيلم شهد واحدا من أجمل أوبريتات السينما المصرية وحمل رؤية ساخرة لكل ديكتاتور يحكم شعبه بالحديد والنار، وهو أوبريت "اهتفوا باسم الاله". وثالث افلامه واخرها في سلسلة السكندريات هو "اسكندرية نيورك" ولكنه هنا عبر أكثر عن مدينة نيويورك التي رآها باردة تقتل أي حنين كما ورد في إحدى اغنيات الفيلم عكس معشوقته الساحلية الدافئة التي تبث حنينها وحبيبها حيثما ذهب أبنائها محميون بدفء قلبها العجوز. الإسكندرية ظلت هي الحضن والملجأ والحلم ففي فيلم مثل "اليوم السادس" كانت الإسكندرية هي الحلم والمكان الذي يحلمان به وخصوصا شخصية القرداتي التي تجسد شاهين نفسه وحيا بها الراقص الأعظم جين كيلي. أو كمدينة يعيش فيها النصف الحي والنابض في فيلم الاختيار. أو مدينة للحب في "صراع في الميناء". وظهرت أيضا في "حدوتة مصرية" و"وداعا بونابرت". • القاهرة.. المدينة التي تسحق كل من فيها وتدفعه للثورة عليها وعلى نفسه لم يستطع شاهين أن يحب القاهرة الضيقة الخانقة برغم إبهارها له وهو ما بدا واضحا وجليا منذ حتى أول أفلامه "بابا أمين" فهي مدينة لم ترحم الضعفاء وجرت الفتاة الصغيرة فاتن حمامة للعمل في الملاهي الليلية من أجل رعاية أسرتها أو ضحكت على الشاب الريفي الساذج المغرور شكري سرحان في "ابن النيل". أو تسحق حلم بسيط في الحب والزواج وتقود من يتطلع فيها إلى الجنون كما حدث في "باب الحديد" أو تحاول سرقة شباب من هم أصغر منها كما في "فجر يوم جديد" أو مدينة تسرق الطموحات والأحلام وتسببت في ضياع أبنائها كما في "العصفور". وهي المدينة التي ضغطت على أبنائها حتى الثورة في "هي فوضى". • الصعيد.. الدفء والمناظر الجميلة والتراث الذي لا يموت هكذا رأى شاهين الصعيد سواء في "صراع في الوادي" أو "أنت حبيبي" وهي رؤية تعكس إعجاب بالمجتمع وبالحياة الراضية التي أخرجت فنها وإبداعها رغم قسوة حياة سكانها. • لندن.. مدينة باردة يجب أن تبحث فيها عن الدفء هكذا شاهدها شاهين في فيلمه حدوتة مصرية وهو ما يعكس تجربته بها وخوفه من عملية القلب المفتوح التي اجراها هناك فهي مدينة للمرض وللعلاج يجب ان تبحث فيها عن ونس. • نيويورك.. التي تقتل كل حنين كانت نيو يورك وهوليود هو حلمه الأول لكنه رأها امراة عاهرة تصبغ وجهها بالألوان في نهاية "إسكندرية ليه" ورآها مرة أخرى مدينة باردة تقتل أي حنين وأي مشاعر بل وحتى البشر أنفسهم في "إسكندرية نيويورك".