عندما يظهر رئيس أمريكى سابق على شاشة واحدة من أكبر القنوات التليفزيونية الأمريكية ليؤكد وجود «مؤامرة من اليمين المتطرف» ضد الرئيس الأمريكى باراك أوباما لابد أن يكون للأمر حقائق تؤكده. فالرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون وقبل يومين حل ضيفا على برنامج «واجه الصحافة» على شبكة إن بى سى التليفزيونية وقال إن هناك مؤامرة يدبرها وينفذها اليمين المتطرف فى الولاياتالمتحدة ضد الرئيس أوباما. ورغم أن كلينتون قال إن مخاطر هذه المؤامرة تظل محدودة بسبب تغييرات ديموجرافية شهدها المجتمع الأمريكى خلال العقد الأخير حيث تراجعت نسبة الأمريكيين من أصل أوروبى والذين يمثلون النواة الصلبة للمعسكر اليمينى، فالواقع يقول إن معسكر اليمين الأمريكى الذى يتهم أوباما بأنه «اشتراكى ومناهض للبيض» يسعى إلى تغيير قواعد اللعبة والتركيز على العامل الدينى أكثر من العرقى وهو ما نجح فيه بالفعل فاستقطب قطاعات عريضة من المتدينيين المسيحيين من غير ذوى الأصول الأوروبية. والواقع أن كلينتون لم يكن أول من أشار إلى تصاعد مخاطر اليمين المتطرف فى الولاياتالمتحدة وتصاعد نشاطه بعد كمون استمر ثمانى سنوات لم يكن يرى هذا المعسكر خلالها حاجة إلى النشاط فى ظل سيطرة المحافظين الجدد على مفاصل السلطة فى عهد الرئيس السابق جورج بوش. قبل أيام نشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية تقريرا عن تصاعد حملة اليمين الأمريكى ضد الرئيس أوباما على خلفية قضية إصلاح نظام الرعاية الصحية التى تمثل القضية الأهم على أجندة المجتمع الأمريكى فى الوقت الراهن. يواجه الرئيس الامريكى باراك أوباما حملة شعواء يتزعمها اليمين الراديكالى منذ مجيئه للحكم كأول رئيس أسود يحكم أمريكا.. بل إن الصحيفة البريطانية حذرت من احتمال حدوث «السيناريو الأسوأ» باغتيال أوباما على أيدى متطرف يمينى. قالت الصحيفة فى تقريرها «الرسالة كانت واضحة. واللافتة التى رفعها شخص عمرها 51 عاما الاسبوع الماضى خارج قاعة بلدية هاجيرزتاون فى ماريلاند خلال اجتماع حول برنامج الرعاية الصحية كانت تحمل عبارة «الموت لأوباما». وللتأكيد على وجهة نظره، كتب رسالة أخرى أيضا بعجالة على لافتة من الورق المقوى. وبدأت الرسالة بعبارة: «الموت لأوباما وميشيل وطفلتيه السخيفتين». ولا يقتصر الأمر على مجموعة متظاهرين ربما يشكك البعض فى جدية ما يرفعونه من لافتات فى بلد اعتاد مشهد المظاهرات الاحتجاجية منها والمطلبية. فقد كان مقدمو برامج بارزون فى قناة «فوكس نيوز» الاخبارية قد وصفوا أوباما بأنه تهديد للديمقراطية وعنصرى مناهض للبيض. ووصفه سياسيون جمهوريون، بأنه اشتراكى يخطط ل«فرق موت» للمسنين. وسرت شائعات بأن أوباما لم يولد فى أمريكا وانه يعتزم حظر الأسلحة. وقال الصحفى الأمريكى جوزيف فوستر (تشيب) بيرليت، المتخصص فى شئون اليمين المتطرف الأمريكى «إن الوضع خطير جدا يمكن أن يشوش أذهان أفراد من (الذئاب المنفردة) الذين يمكن أن يقرروا أن الوقت قد حان للتحرك ضد أشخاص يعتبرونهم أعداء» فى إشارة إلى احتمال اغتيال أوباما وتحرك قادة جمهوريون لتقويض خطط أوباما الصحية عن طريق تأجيج الأساطير والأكاذيب عن النظام الصحى. ورفضت سارة بيلين المرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس الأمريكى فى الانتخابات السابقة التراجع عن تعليقاتها حول «فرق الموت» على الرغم من حقيقة أن الجزء الذى تشير إليه من مشروع قانون الرعاية الصحية لا يدعو إلى تشكيل مثل هذه الأشياء وأن أحد زملائها فى الحزب الجمهورى قام بصياغته. وربما كانت ما تسمى بحركة «مكان الميلاد» هى التى حققت لليمين الراديكالى معظم الجذب. وتشدد الأسطورة، التى اتضح زيفها، على أن أوباما لم يولد فى أمريكا. وأشاع الكثير من السياسيين الجمهوريين فكرة تستند إلى ادعاء زائف بأن أوباما لا يستطيع عرض شهادة ميلاد. والتقطت وسائل الاعلام هذا العنوان، ومن بينها منافذ اعلامية رئيسية مثل «سى إن إن». ويقول خبراء إن مثل هذه اللهجة الخطابية تؤجج مشاعر أفراد قد يكونون يخططون فعلا لأعمال عنف. وقال كوركوران: «انه مناخ سيبدأ فيه المتطرفون فى المجتمع بالاعتقاد بأن آراءهم تمثل الاتجاه السائد». ويحذر تقرير مركز «سوثيرن بوفيرتى» القانونى من أن حركة الميليشيا فى الولاياتالمتحدة لديها تاريخ طويل من الهجمات الصغيرة فى التسعينيات، وصولا إلى التفجير الارهابى للمبنى الفيدرالى فى أوكلاهوما على يد تيموثى ماكفاى عام 1995. ويعتقد أن نفس النمط يمكن أن يكرر نفسه ويشير التقرير إلى إحداث متعددة فى السنوات الاخيرة. وفى الأسبوع الماضى، حضر وليام كوستريك وهو مدافع عن حقوق استخدام الأسلحة مع مسدس محشو مربوط على ساقه إلى قاعة بلدية نيوهامبشير التى كان يعقد فيها أوباما اجتماعا. ولكن البعض كانوا أكثر قلقا إزاء اللافتة التى كان كوستريك يحملها والتى أشارت إلى اقتباس عن الرئيس توماس جيفرسون حول انعاش «شجرة الحرية» بدماء الوطنيين. وكان هذا نفس الاقتباس المطبوع على القميص الذى كان يرتديه ماكفاى عند اعتقاله. وجاء استطلاع رأى أجرته مؤسسة «بابليك بوليسى بولينج» لدراسات الرأى العام ليشير إلى أن شخصا من بين كل 3 أشخاص من المحافظين فى ولاية نيوجيرسى الأمريكية، يعتقد أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما هو المسيخ الدجال. يقول الصحفى والباحث الحقوقى تشيب بيرليت «إن هؤلاء (المتطرفين) ينظرون إلى القضية من منطلق دينى بحت، ولهذا فإن إفشال الرئيس أوباما والوقوف فى وجهه هو بمثابة مهمة من الربّ بالنسبة إليهم، وهو اختبارٌ للإيمان يُحدّدُ مصيرهم بين الجنة والنار». أما جيفرى كيمب مدير البرامج الإقليمية الاستراتيجية فى مركز نيكسون للأبحاث بالعاصمة الأمريكية فيقول: بعد ثمانى سنوات من السكون النسبى فى ظل الإدارة الجمهورية السابقة تحت قيادة بوش، يعاود الجناح اليمينى المتطرف الظهور مجددا بعد أن تزود بطاقة متجددة وأموالا تتيح له تنفيذ أضخم حملة نقد ضد إدارة أوباما. ويضيف فى مقال صحفى أن الشىء الأكثر إثارة للفزع حول ظاهرة صعود التطرف اليمينى هو أن هذا التطرف يحدث بالتوازى مع نشوء ميليشيات جيدة التسليح لديها القابلية للانتشار واتباع تكتيكات أكثر عنفاً على الدوام، وتبدى بعضها فى الهجمات الأخيرة التى وقعت على الأطباء الذين يقومون بعمليات إجهاض، كما تبدت فى المحاولة التى قام بها متطرفون يمينيون لاغتيال حراس «متحف الهولوكوست» فى واشنطن.