برأس مرفوعة ونظرات شامخة جلس قائد سرية المدافع المضادة للدبابات فى الفرقة 18 مشاة آبان حرب أكتوبر 1973، اللواء جمال الدين محمد كحيلة، والذى شارك فى معركة تحرير القنطرة شرق يحكى بطولاته مع الجنود والضباط أثناء حرب أكتوبر 1973، مؤكدا أن ارتفاع الروح المعنوية والكفاءة القتالية التى تحلى بها الضباط والجنود، هى السر فى تحقيق النصر على عدو فائق الإمكانيات. ويتذكر كحيله كيف التحق بالقوات المسلحة، قائلا: «كنت طالبا فى كلية الزراعة، وفى أحد الأيام قال لى زميلى عبدالهادى، إن الكلية الحربية أعلنت قبول دفعة استثنائية ويجب علينا التقدم لمساندة مصر» فيما الشعور بخيبة الأمل والانكسار كان حاضرا عقب يونيو 1967، فتقدم بالفعل إلى الكلية الحربية عام 1968، وبعد عامين قادته قدميه إلى سلاح المشاة فى الجيش المصرى. وتابع: «سرعان ما تضاعفت مرارة الحزن أمام الشعب حينما غادره الرئيس جمال عبدالناصر فى عام 1970، وكانت بارقة الأمل الوحيدة أمامه هى الانتصار، حتى أخذ الرئيس أنور السادات قراره أنه فى يوم السادس من أكتوبر فى تمام الساعة الثانية ستبدأ معركة استرداد سيناء». وأكمل: «نحن فى حرب 1973 لم نكن نمتلك قدرات قتالية عالية عن العدو الإسرائيلى، ولا التفوق النوعى فى السلاح، ولكن إيمان المقاتل المصرى بالعقيدة القتالية بأن يؤكد أن مصر ستبقى خالدة دائما، وبالفعل استطاع أن يرتفع بإمكانياته المحدودة والإلحاق بالعدو بالهزيمة التى كانوا يستحقونها». وأضاف: «مفتاح النصر وراء نجاح عبور قناة السويس، كان حينما شاهد أفراد الجيش المصرى المرابطون على خط القتال، القوات الجوية وهى تقوم بتنفيذ الضربة الجوية الأولى بخروج 300 طائرة فى السماء تدك حصون العدو فى سيناء، حيث تيقن حينها الجنود أن القوات المسلحة حانت لها لحظة الخلاص، وتسابق الجنود المصريون فى عبور القناة بجميع الطرق، حتى تمكنت القوات من العبور والاستيلاء الكامل على الضفة الشرقية». وعن ذكرياته مع سلاح المشاة، أضاف: «كنت قائدا لسرية مدافع مضادة للدبابات فى إحدى الوحدات الفرعية للفرقة 18 بسلاح المشاة، ومهمتنا كانت العبور إلى شرق قناة السويس والاستيلاء على رأس الكوبرى بأعماق تصل حتى 10 كيلومترات، ثم صد العدو ومنعه من العودة إلى القناة مرة أخرى، وتمركزت مهمتنا الرئيسية فى اقتناص الدبابات الإسرائيلية». واستطرد: «بالفعل تمكنت السرية تحت قيادتى فى اليومين الأول والثانى للقتال من تدمير 4 دبابات معادية و3 مركبات لنقل الأفراد، وتمكنا من رفع العلم المصرى وتحقيق السيادة والسيطرة الكاملة على مدينة القنطرة شرق فى اليوم الثالث للقتال الذى بدأ الجيش المصرى فيه بصد الهجمات المعادية الإسرائيلية، تمكنا من صد جميع الهجمات وإحداث أكبر تلفيات وتدمير فى قوات العدو». وقال كحيلة: «اللواء كان يهاجم بالكامل من الاتجاه الشمالى ضمن وحدات باقى الفرقة، واستطعنا يوم 8 أكتوبر تحرير القنطرة شرق»، مشيرا إلى أن ارتفاع روح الجنود المعنوية جعلتهم يتغلبون على الإمكانيات الفائقة للعدو الإسرائيلى. واستطرد: «مررنا فى حرب أكتوبر بالعديد من الشدائد فكانت تتوالى الصعوبات علينا كل يوم، حيث كنا نقاتل ليلا ونهارا قوات العدو التى كانت تقوم بالهجوم المضاد، بالإضافة إلى الثقل الشديد للذخيرة والأسلحة التى كان علينا العبور بها، فكان من الصعب على الجنود صعود الساتر الترابى مستخدمين قوة أقدامهم وسلالم الحبال فقط، فالجيش المصرى وقت القتال كان بمثابة جيلا ذهبيا». وروى كحيلة سر انطلاق صيحة «الله أكبر» فى أرض المعركة فى آن واحد، قائلا: «لم تكن وليدة تدريب بل جاءت من وجدان المقاتل المصرى حينما أحسوا ببداية الانتصار بعد نجاحهم فى عبور قناة السويس، فعصفت بكل من هو موجود فى هذه المعركة لأنها خرجت من القلوب وليس من الحناجر فقط، فكانت معبرة بأن هناك نصرا قادما لا محالة له». وعن قدرات تحمل المقاتل المصرى أمام العدو الإسرائيلى رغم ضعف الإمكانيات، رد كحيلة: «أتذكر موقف فى يوم 8 أكتوبر، حيث تقابلت مع أحد زملائى بسلاح المدفعية برتبة ملازم أول، عائدا للبحث عن الوحدة الطبية بعد إصابته بثلاث طلقات فى الكتف الأيمن من اليوم الأول للقتال، فسألته: (إنت إزاى قعدت يومين بالإصابة؟)، فكان رده (لم يأت لى بديل لتولى سلاح استطلاع المدفعية فصمدت فى موقعى وظللت أدير نيران مدفعيتى إلى يوم 8 حتى أتانى البديل فتركت موقعى وقتها وعدت أبحث عن العلاج الطبى)، وحينها علمت أن سر الانتصار كان فى المقاتل المصرى ذاته». ويرى كحيلة أن القوات المسلحة قادرة على تكرار نصر أكتوبر فى حربها مع الإرهاب، قائلا: «هل يوجد جيش وشعب ينهزم فى معركة كبرى مثل 67 ويستطيع فى خلال 6 سنوات أن ينتصر مرة أخرى على عدو بقدرات الجيش الإسرائيلى، فالقوات المسلحة قادرة دائما على تحقيق النصر فى أى وقت، فنحن معتادون دوما على أن الجيش أو الشعب المصرى لا تظهر شجاعته وقوته القتالية إلا فى وقت الشدائد». وتابع: «الدليل ما يحدث من استمرار للروح القتالية إلى الوقت الحالى فى الحرب ضد الإرهاب بسيناء، فالجيش المصرى الحالى هو امتداد فعلى لظباط حرب 73، وإثبات قوى بأن الجيش المصرى ليس حديثا».