كثير من المسلمين يرددون قول الرسول صلى الله عليه وسلم «استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك»، ويسألون: كيف يمكن استفتاء القلب وهل له دور فى الإفتاء؟ العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين يرى أن القلب أو الضمير بتعبير عصرنا له دور فى الإفتاء، وقال إن كل فتوى تحوك فى صدر المستفتى، ولا تطمئن إليها نفسه، ولا يستريح إليها ضميره، لسبب من الأسباب المعتبرة، يجب أن يتوقف عن العمل بها، حتى تتضح له الرؤية، ويصل إلى مرحلة الاطمئنان النفسى. وهذه المرحلة كما يقول القرضاوى تتحقق بأن يسأل المستفتى أكثر من مفتى، أو يعاود المفتى الأول مرة بعد أخرى، حتى يزول التردد بالتثبت، فالقلب هو المفتى الأول فى هذه الأحوال، كما فى الحديث المعروف. ويستدل بقول العلامة ابن القيم: «لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتى، إذا لم تطمئن نفسه، وحاك فى صدره من قبوله، وتردد فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك». إذن فيجب على المسلم أن يستفتى نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتى من الله إذا كان يعلم الأمر فى الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضى بذلك. وينبه القرضاوى إلى أن مجرد فتوى الفقيه لا تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه فى الباطن، سواء تردد أو حاك فى صدره، لعلمه بالحال فى الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله فيه، أو لعلمه جهل المفتى، أو محاباته فى فتواه، أو عدم تقييده بالكتاب والسنة، أولأنه معروف بالفتوى بالرخص المخالفة للسنة، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها. وأضاف: «وعلى المستفتى أن يتقى الله ويراقبه فى استفتائه إذا استفتى، ولا يجعل الفتوى ذريعة إلى أمر يعلم من قرارة نفسه أنه غير جائز شرعا، إنما أخفى على المفتى عنصر له تأثير فى تكييف القضية التى يسأل عنها، فيجيب المفتى بما يظهر له، ولا يعلم خفايا الموضوع، ولو عرضت عليه القضية بوضوح، لا تلبيس فيه ولا تمويه، وظهر له من خباياها ما أخفى عنه، لغير فتواه. فلا يخدعن المستفتى نفسه، ويحلل لها ما يوقن بينه وبين نفسه أنه حرام، لمجرد أنه حصل فى يديه فتوى من هذا الشيخ أو ذاك، هى فى غير موضوعه، أو فى غير حالته. والمفتى هنا كالقاضى الذى يحكم بحسب الظاهر، تاركا إلى الله أمر الخفايا والسرائر، وقضاؤه بحسب الظاهر، لا يجعل الحرام فى الباطن حلالا، قال تعالى: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون». وفى الحديث الصحيح: «إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشىء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار»، وإذا كان هذا فى قضاء الرسول المصطفى بحسب ما يظهر له، فكيف بقضاء غيره؟!