نائب وزير السياحة تشارك في مؤتمر «الابتكار في صناعة السياحة في ظل التغيرات العالمية المعاصرة»    وزارة التخطيط تشارك في الدورة العاشرة للمنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة    الأسواق الأوروبية تغلق على انخفاض .. وارتفاع أسهم التعدين 1.9%    "الخزانة الأمريكية": واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران    كهرباء الإسماعيلية يتعادل مع الإنتاج الحربي ويصعد للمحترفين    مدرب يد الزمالك يوجه رسائل تحفيزية للاعبين قبل مواجهة أمل سكيكدة الجزائري    الإفراج عن 476 سجينا بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء    قومي المرأة ينظم برنامج سينما الطفل بأسوان    خالد الجندي: مصر لن تفرّط في حبة رمل من سيناء    إدريس: منح مصر استضافة كأس العالم للأندية لليد والعظماء السبع أمر يدعو للفخر    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    "إكسترا نيوز": معبر رفح استقبل 20 مصابًا فلسطينيًا و42 مرافقًا اليوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    تواصل عمليات توريد القمح للصوامع بالمحافظات    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    ماذا يقول المسلم في الحر الشديد؟.. أدعية رددها الآن    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    بعد إعلان استمراره.. ثنائي جديد ينضم لجهاز تشافي في برشلونة    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    مدرب نيس ينضم لقائمة المرشحين لخلافة بيولي في ميلان    انقطاع المياه عن بعض المناطق فى البياضية والحبيل بالأقصر    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    الرئيس البيلاروسي يتوقع المزيد من توسع «الناتو» وتشكيل حزام من الدول غير الصديقة حول روسيا وبيلاروس    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    السكة الحديد: أنباء تسيير قطار إلى سيناء اليوم غير صحيحة وتشغيل خط الفردان بئر العبد الفترة المقبلة    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    منصة شاهد تعرض أول حلقتين من مسلسل البيت بيتي 2    إصابة ربة منزل سقطت بين الرصيف والقطار بسوهاج    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    أول تعليق من ناهد السباعي بعد تكريم والدتها في مهرجان قرطاج السينمائي    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محفوظ عبدالرحمن مؤرخا
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 08 - 2017

بموت محفوظ عبدالرحمن تواصل الدراما التليفزيونية خسارة أعمدتها التى جاءت من حقل الأدب التقليدى وسعت لتأسيس الأدب التليفزيونى بحسب التعبير الذى صكه الناقد الراحل الكبير د. عبدالقادر القط فى معالجته للمسلسلات رفيعة المستوى التى كتبها أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن والربط بين الاسمين الكبيرين بالغ الإغراء.
فالمتأمل فى أعمالهما بالذات سيكون أول ما يلفت نظره أنهما كانا جزءا من ظاهرة أدبية أوسع أسمها تضم كتابا من جيلى الخمسينيات والستينيات، وأنهما اهتما أولا بنشر نصوص قصصية ومسرحية للحصول على بطاقة اعتراف من الأوساط الأدبية، لكنهما ادركا مبكرا أيضا سطوة «التليفزيون» ونفوذه منذ اوائل السبعينيات.
ثم جاءت الفضائيات بعد عقدين فقط لتؤكد هذا النفوذ وتغير من المعادلات الثابتة فى صياغة وعى الناس. وبعد أن كانت النخبة تصنع هذا الوعى بطرقها المستندة على تقاليد كتابة المقال الأدبى أو السياسى، جاءت مع المحتوى التليفزيونى، قيم وفئات جديدة راهنت على التأثير فى «الشعبى» أكثر من النخبوى.
والناقد السعودى البارز عبدالله الغذامى أعطى فى كتابه (الثقافة التليفزيونية) عدة أمثلة عن «سقوط النخبة وبروز الشعبى، مؤكدا ان الصورة التليفزيونية كسرت الحاجز الثقافى والتمييز الطبقى بين الفئات فوسعت من دوائر الاستقبال، بحيث دخلت للمجال العام فئات لم تكن محسوبة على قوائم الاستقبال الثقافى.
وهذا لا يعنى ان النخبة اختفت أو لم تعد قائمة وإنما فقدت دورها فى القيادة والوصاية وتلاشت تبعا لذلك رمزيتها التقليدية... «ووفقا لهذا المعنى درس باحثون، الأعمال التليفزيونية باعتبارها إحدى أدوات «الثقافة الجماهيرية» واسعة التأثير وفى القلب منها أعمال محفوظ عبدالرحمن وأسامة أنور عكاشة.
ويلفت النظر انشغال الراحلين بالتاريخ وسعيهما كلا على حدة لتقديم معادل درامى لمساراته بشىء من التأويل والقراءة التى تلائم انحيازاتهما وقد جاءا من خلفية قومية وناصرية واضحة.
وركزت أعمال عكاشة على التاريخ المعاصر وتجلى ذلك فى رائعته «ليالى الحلمية» التى تقدم تأويلا لمسار الصعود والهبوط فى أحلام المصريين بالتغيير منذ ثورة 1919 وحتى عصر مبارك لكن شغفه قاده لطرح سؤاله الأكبر عن «هوية» المصريين فى أعماله التى جاءت مع «أرابيسك» و«زيزينيا» «والمصراوية» وفيها كلها وضع أمامه نموذج طه حسين وسعى إلى تمثله، وإذا كان عميد الادب العربى صاغ سؤال الهوية المصرية وأجاب عنه فى كتابه الشهير (مستقبل الثقافة فى مصر) منحازا إلى هوية متوسطية، فقد بدا ان عكاشة غير قادر على هذا الحسم بسبب الجذر العروبى فى تكوينه. وهو هنا يتقاطع مع محفوظ عبدالرحمن فى مساحة أخرى غير أن عبدالرحمن درس التاريخ دراسة أكاديمية لذلك أظهر شغفا واضحا بمفاصل التاريخ المصرى ونقاط تحوله الحاسمة، ومثلما بدأ المفكر حسين فوزى كتابه الفاتن «سندباد مصرى» من الجمعة الحزينة التى سقطت فيها هوية مصر على باب زويلة وانقلبت من دولة مستقلة لدويلة عثمانية تابعة بعد هزيمة طومان باى ذهب عبدالرحمن فى «الكتابة على لحم يحترق» لنفس اللحظة وبلور عبرها اسمه ككاتب للدراما التليفزيونية بعد نجاحاته المسرحية ثم واصل فى «سليمان الحلبى، وليلة سقوط غرناطة» اللعب على المفاصل التاريخية ودراما السقوط، إلى ان جاءت لحظة التتويج مع كتابة درته الكبرى «بوابة الحلوانى» وفيها قدم تأويله لتجربة حفر قناة السويس وانشغال المصريين البسطاء بالعلاقة مع الآخر الغربى وراجع كل المقولات الكبرى المتعلقة بمفهومى «الحداثة» والتحديث.
وهنا لعب الكاتب الدرامى دور المؤرخ باقتدار فأعاد بناء الأزمنة والوقائع وشيد عمرانه الخاص واتسعت رؤاه للتاريخ مع صياغته الدرامية لتاريخ شخصيات كبرى مثل «أم كلثوم وحليم وناصر» قدم معها التاريخ المصرى من أسفل، منحازا فيما كتب لأصوات المقموعين والمهمشين.
وربما يكون ما قدمه عبدالرحمن هو أول تفعيل درامى لفكرة التاريخ بالتأويل كما طرحها الفيلسوف بول ريكور وتعامل بجدية مع السؤال الاشكالى: كيف نفهم الوثائق أو النصوص التاريخية المنحدرة إلينا من الماضى؟
والمؤكد أن التأويل الدرامى الذى قدمه أسهم إسهاما كبيرا فى تشكيل طبيعة المعرفة التاريخية نفسها لدى أجيال.
وفى ظنى ان هذه هى الخسارة الكبرى فمع موته تخسر مصر كاتبا مستنيرا انحاز دوما لقيم العدالة والحرية والمساواة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.