• لست كيلوباترا لكى أستحم فى حليب الماعز من أجل المحافظة على نضارة بشرتى • أعداء الشاه والشعب الإيرانى وراء كل قصص التعذيب والقمع أثناء حكم أسرة بهلوى • الملالى الذين يحكمون إيران اليوم ضد كل ما يمكن أن يقود إلى نهضة حقيقية • الغرب صنع أكاذيب كثيرة عن حكم الشاه فى السبعينيات وأبقى عليها حفاظًا على مصالحه مع الحكام الجدد • مستقبل الشعب الإيرانى بعد التخلص من حكم الملالى هو أكثر ما يشغلنى الآن • الإيرانيون يعشقون الفن والجمال ويستمتعون بهما سرًّا بسبب حكم المتشدديَ فى صيف كل عام، مع مجىء شهر يوليو، تعود الشهبانو فرح بهلوى إمبراطورة إيران الأخيرة إلى القاهرة لزيارة قبر زوجها الإمبراطور الراحل محمد رضا بهلوى فى مسجد الرفاعى تزامنا مع ذكرى رحيله. تدخل الإمبراطورة «فرح ديبا» القاهرة من أوسع أبوابها التى لم تغلقها فى وجهها ووجه زوجها فى أصعب أيامهما، فتصل إلى المطار وتمر عبر قاعة كبار الزوار ثم تحل ضيفة فى أحد منازل الأصدقاء الإيرانيين المقيمين فى مصر أو فى أحد الفنادق أو فى إحدى مساحات الضيافة الرسمية، لتمضى يوما واحدا قبل أن تتوجه لمسجد الرفاعى بوسط القاهرة الإسلامية حيث استقر جسد الشاه الأخير بعد أن وافته المنية فى مصر فى يوليو من عام 1980 عن سن ستين سنة أمضى منها قرابة 3 عقود حاكما لبلاده، الثانى والأخير من أسرة بهلوى بعد والده. وتعيش فرح ديبا حياتها ما بين فرنسا التى تعشقها بشغف منذ أيام شبابها التى أمضتها فى العاصمة الفرنسية لدارسة العمارة، والولايات المتحدة حيث يقطن أفراد من أسرتها التى لم تكن محطات حياة أى منهم سهلة منذ ان انهت الثورة الايرانية، حكم أسرة بهلوى عام 1979. وفى مقابلة مع «الشروق» على هامش زيارتها الأخيرة للقاهرة وقبيل مغادرتها عاصمة المعز تتذكر الإمبراطورة السابقة بإصرار علنى «تلك السماحة الإنسانية الكبيرة التى أبدتها مصر فى أثناء حكم الرئيس أنور السادات تجاهنا فى وقت كان الأصعب بالنسبة لأسرتنا»، وفى حين تواترت قصة أن استقبال الرئيس السادات لصديقه رضا بهلوى، كان بدافع رد الجميل السياسى لدعم ايران مصر بالمواد البترولية فى أثناء حرب اكتوبر، فإن فرح ديبا لا تخرج الواقعة عن مسارها الإنسانى، وعلى العكس من القصة المتواترة والتى لم يتم توثيقها حتى الآن فإن فرح ديبا تؤكد أن استقبال مصر لأسرتها بعد انتهاء حكمهم «كان لافتة إنسانية كبيرة قدمت نموذجا فى الرقى الأخلاقى، ولا أظن أن ما قام به الرئيس السادات تجاهنا فى حينه كان غريبا عن طبائع الشعب المصرى أبدا، وعلى الأقل هذا ما شعرت به فى أثناء الإقامة فى القاهرة حيث لم يجد معظم الناس غضاضة فى استضافة رئيسهم لرجل مريض لا يجد مكانا يذهب إليه، فلقد كنا نجد معاملة ودودة تتسق فى رأيى مع الشهامة التقليدية للشعب المصرى». ولم يغب عن الإمبراطورة الأخيرة، أن تعرب عن شكرها لرئيس الجمهورية على تفضله بتسهيل زيارتها السنوية للبلاد وزيارة قبر زوجها ولقاء أصدقائها فى مصر. وأشارت «فرح ديبا» فى مقابلة «الشروق» إلى لقائها مع المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة «دار الشروق» التى نشرت النسخة العربية من مذكراتها، وإلى أن اللقاء ناقش احتمال نشر كتاب جديد لها يروى المزيد من ذكرياتها وأفكارها عن إيران الماضى والحاضر» لأننى بالفعل مازال لدى ما يمكن قوله عن إيران التى كانت... وهذه ستكون فى كل الأحوال رواياتى وشهادتى على ما كان، وإذا أراد أحد أن يختلف مع هذه الروايات فله الحق، ولكن شريطة ألا يردد الأكاذيب السخيفة المعتادة». الأكاذيب، والمبالغات، والروايات التى لا أساس لها من الصحة.. هى الكلمات والعبارات التى تستخدمها ديبا اليوم بكل حسم، وعلى مدى أكثر من ربع قرن، فى الرد على كل ما سجلته دفاتر المعارضة السياسية لنظام حكم الشاه ووسائل الإعلام الدولية، من فظائع مروعة كان يلاقيها المعارضون له، بل وحتى المختلفون معه فى الرأى من داخل نظام الحكم. وكذلك ما يرددونه عن الترف والبذخ المفرط إلى حد الخيال اللذين نعمت بهما أسرة بهلوى بينما كان الشعب الايرانى فى مجمله يقاسى ويعانى». «لقد سمعت عبر العقود الأربعة الماضية كثيرا من الروايات التى لا يمكن لعاقل آن يصدقها ولعل أكثرها طرافة وسخافة فى ذات الوقت هى تلك المقولة أننى كنت أستحم فى لبن الماعز للحفاظ على بشرتى، وهذه الرواية طالما أضحكتنى وطالما قلت لمن يرددها أتظن أننى كنت كليوباترا... هذه محض ترهات» كما تقول فرح ديبا. ولا تغرق فرح ديبا فى تفاصيل الاتهامات الموثقة ضد حكم إمبراطور إيران الأخير عن التنكيل بمعارضيه وقمع الحريات السياسية والنيل من أبسط الحريات الإنسانية، لأنها ترى فى كل ذلك. «وببساطة.. رواية مضللة صاغها الملالى أعداء الشاه وأعداء الشعب الإيرانى الذى تعرض لخديعة باسم الدين، ولكنه اليوم أصبح فى المجمل مدركا أن الشاه كان ملكا محبا لشعبه وساعيا لأن يأخذه إلى طريق التقدم بكل جهد ممكن، وأن ما ما تم ترديده ضد الشاه لم يكن لخدمة الشعب الايرانى وإنما للتأطير لحكم دينى، بدأ فى ايران وسعى للسيطرة على المنطقة بأسرها». وتصر فرح ديبا على أنها لا تخلط عمدا أو عن غير عمد بين الانتقادات الواسعة التى تنطلق من داخل وخارج إيران إزاء قمع النظام الحاكم حاليا فى طهران للحريات بتقدير مفترض عن حكم لرجل سابق لم يختبر الغالبية العظمى من سكان ايران حكمه؛ حيث إن ربع سكان إيران البالغ قرابة 80 مليونا هم تحت سن 15 عاما، بينما الربع الآخر أو يزيد قليلا هم فيما بين الخامسة عشرة والخامسة والأربعين. «لا إنهم يعلمون.. إنهم يكتبون لى رسائل تصلنى عبر البريد الإلكترونى وغيره، ويقولون لى اننا نعى تماما أن إيران تحت حكم الشاه كانت بلدا أقوى وأفضل للشعب الإيرانى» بحسب ما قالت ل«الشروق» فرح ديبا. كما أن فرح ديبا ترفض الرأى القائل بأن اتخاذ الثورة الإيرانية المنحى الدينى كان حتميا فى ظل أن الشاه نفسه كان يقدم نفسه بوصفه إمام الشيعة من المسلمين، وهذا فى ذاته شكل من أشكال اتخاذ المظلات الدينية وأن حكم الشاه أفرط كثيرا بحسب العديد من الروايات المستقلة فى التنكيل بالإسلاميين من الإيرانيين الذين عاش معظمهم فى المنافى الاختيارية أو الإجبارية، بما فى ذلك الإمام روح الله الخمينى الذى كانت له شعبية طاغية على الأقل فى السنوات الأولى للثورة، لأنها تظن «أن الأمر مختلف حيث إن الدين يمثل شقا رئيسيا لا يمكن اغفاله من ثقافة الشعب الإيرانى، ولم يكن من الممكن أن يتخلى الشاه عن تلك المسئولية بحكم كونه معنيا ليس فقط بحكم إيران ولكن أيضا بتمثيل الثقافة الإيرانية»، وأما عن فظائع رويت عبر سنوات منسوبة من معارضين سابقين عاشوا تحت سقف بلادهم فى حكم الشاه، بعضهم لم يتمكن من مغادرة البلاد وبعضهم تمكن من الفرار، فهى «كلها روايات مختلقة أو على الأقل مبالغ فيها روجها العدو المتمثل فى الإسلاميين أو التابعين لهذا العدو أو المحركين له من دول غربية لم ترد سوى السيطرة على ايران»، بحسب رواية فرح ديبا التى لا تبارحها منذ سقوط حكم الشاه فى فبراير 1979 تحت ضغط ثورة شعبية عارمة كان الإسلاميون جزءا منها أساسا ثم استولوا عليها وأطاحوا بكل حلفائهم بعد ذلك. واليوم فإن فرح ديبا التى تقول إن «مهمتها الرئيسية فى الحياة هى التذكير بأن ما يحدث فى ايران اليوم هو ارتداد عما كان من سعى لنهضة كبيرة» ليس لديها أمل أكبر من أن ترى «نهاية قادمة، وأتمنى أن تكون قريبة لهذا الحكم فى بلادى». فرح ديبا تقدر حسبما قالت ل«الشروق» أن السأم من نظام الحكم فى إيران فى زيادة لا تتوقف؛ لأن الأوضاع ليست على ما يرام أبدا داخل إيران، دوما بحسب الرسائل التى تقول إنها تتلقاها من كثيرين داخل إيران، ومِن هؤلاء الإيرانيين التى تقول إنها «دوما ما تلتقيهم فى العديد من المدن الأوروبية» سواء هؤلاء الذين استقروا خارج البلاد أو الذين لديهم القدرة على السفر والعودة. «كل ما أسمعه الآن من داخل ايران هى قصص حزينة عن انتشار الفساد وسيطرة مجموعة قليلة من المتشددين على أحوال البلاد وسجن المعارضين وقمعهم» بحسب السيدة التى شهدت سقوط حكم أسرة بهلوى على يد ثورة قال من أطلقوها من كل الأطياف السياسية إنها كانت بالأساس لإنهاء القمع الوحشى والاستئثار بالسلطة، ولكن بحسب الإمبراطورة السابقة فإن كثيرا من هؤلاء كانوا «ضحايا إشاعات مغرضة أرادت الإيقاع بين الملك المحب لشعبه لدرجة الهيام وبين الشعب الذى كان بالفعل يحب الملك ويحب الملكة ويقدر كل الجهود المبذولة فى مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». ولا تعبأ فرح ديبا كثيرا بآراء مخالفة لتلك الرواية لأنها تقدر ان هناك اغلبية من الشعب الايرانى لديها حنين جارف لما كان، كما أنها لا تقدر أن هذا الحنين لمَلكية ولَّت فى ايران، ربما كما الحال فى بلدان أخرى فى المنطقة، وأنه حنين لفكرة لم تكن بالضرورة حقيقية لأنها تصر على أن الفكرة الطيبة «كانت هى الحقيقة الأكيدة، لأن الملك يكون أبا للشعب وهو فوق السياسيين بل مع الشعب ضد السياسة». هناك الكثير مما لم يروَ بعد، ولكن هناك الآن جهودا مختلفة، بحسب ما تضيف فرح ديبا لإعادة قراءة حقبة حكم الشاه بما لها وما عليها، وتشير فى ذلك إلى كتاب صدر العام الماضى تحت عنوان «سقوط السماء الجنة» أسرة بهلوى ونهاية أيام إيران الإمبراطورية» لكاتبه أندرو سكوت كوبر، الذى تصفه الإمبراطورة الأخيرة لإيران بأنه «رجل مجتهد، ومنصف وشجاع بذل جهدا كبيرا فى تدقيق المعلومات دون انجراف وراء أى رواية بعينها كما أنه سافر لإيران واستمع وتكلم ليكون عالما بما يكتب». وتقول فرح ديبا إن الكثير من الكتب التى نشرت عن فترة حكم الشاه بل ومن الأفلام التى أنتجت هى «فى الواقع ترديد لرواية غربية تم الترويج لها فى عواصم لها مصالح فى إنهاء حكم الشاه»، أما عن استمرار هذه الرواية حتى يومنا هذا على الرغم من كل التشاحن الكائن والذى كان بين الغرب وايران تحت الحكم الإسلامى فهو بحسب الامبراطورة السابقة «أمر متسق مع لعبة المصالح السياسية التى لن تتراجع عن رواية قالتها وحققت لها مصالح». ولا تبدو فرح ديبا واثقة مما إذا كانت بصدد إصدار كتاب جديد استكمالا لرواية قدمتها فى مذكراتها، لكنها تقول إن ما لديها يتجاوز ما حكته فيما سبق سواء من خلال كتابها أو من خلال الأحاديث الصحفية والتلفزيونية التى تحرص على أن تدلى بها «حتى يعرف الناس كيف كانت إيران بالفعل» «لقد كان الشعب الإيرانى دوما شعبا محبا للحياة والثقافة والتعلم والنهوض، فهو شعب عظيم بتراث شديد الثراء، واليوم وعلى الرغم من كل شىء فان السينما الإيرانية سواء فى داخل إيران أو خارجها من خلال الفنانين الإيرانيين مازالت تنتج ما يبهر.. أما الأدب والشعر الايرانيان فمازالا سخيين فى العطاء، ودارسو العلوم مازالت لديهم القدرة على الابتكار والتطوير.. هذه هى إيران الحقيقية وليست تلك التى يظنها العالم مجرد مجموعة من رجال الدين المتشددين والنساء المتشحات بالسواد.. الشعب الإيرانى يحب الفنون والموسيقى ومازال قادرا على التذوق والاستمتاع سرا لأنه وللأسف يعيش تحت حكم من يكرهون الفنون ويرجمونها.. الشعب الايرانى يحب الجمال ولكنه محروم من أن يكون الجمال جزءا من حياته اليومية ولابد لكل ذلك من نهاية».. حسبما تقول فرح ديبا. «فرح» هو الاسم الذى يحمل المعنى نفسه فى الإيرانية كما فى العربية.. تقول إنها كما يقول المثل العربى كان لديها حظ وافر من اسمها «وأى فرح لامرأة إيرانية أكبر من أن تكون ملكة البلاد التى لديها فرصة استثنائية لخدمة الشعب بكل ما تستطيع، وأى فرح أكبر من أن أكون أما لأطفال أحبهم او سيدة لديها الصحة والقدرة على أن تعيش حياتها فى سلام وأن تتحرك بين المدن وتتواصل مع عالم يموج بتغييرات لا تتوقف». ولكن أكبر أسباب سعادة فرح ديبا اليوم هى تلك التى تجدها عندما يستوقفها شاب إيرانى أو فتاة إيرانية فى مدينة تزورها؛ ليخبرها بأنه يعرفها وأنه يشعر بالامتنان لما علم عن رغبة الشاه فى خلق إيران قوية ومتطورة. أما الآلام التى عاشتها وهى تتنقل مع زوجها فى خوف عقب إسقاط الثورة الإيرانية لحكمه أو تلك المرتبطة بفقد قاس لأبنائها فهذه كلها أمور تقول إنها «من سنة الحياة أن توجد أشياء تؤلم، ولكن الحياة تمضى وأنا لا أعيش فى الماضى وإن كنت لم أنس ما كان.. ولكن ما يشغلنى بالأحرى هو ما يمكن أن تكون عليه حال ايران يوم أن تتخلص من عبء الحكم الحالى».