الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    بالمخالفة للدستور…حكومة الانقلاب تقترض 59 مليار دولار في العام المالي الجديد بزيادة 33%    مساعدات ب 3,6 مليار جنيه.. التضامن تستعرض أبرز جهودها في سيناء    غدا، بدء تطبيق غلق محلات الجيزة بالتوقيت الصيفي    البنتاجون يدعو إلى تحقيق شامل حول المقابر الجماعية في غزة    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    علي فرج يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة للإسكواش    ب 3 ذهبيات، منتخب الجودو يحصد كأس الكاتا بالبطولة الأفريقية في القاهرة    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    المشدد 15 سنة لعامل قتل عاطلا داخل مقهى بسبب الخلاف على ثمن المشروبات    القبض على شخص عذب شاب معاق ذهنيا في ميت عنتر طلخا بالدقهلية    بالأسماء.. مصرع وإصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالدقهلية    رضا البحراوي: عندي 8 عيال آخرهم ريان والعزوة أهم حاجة في حياتي (فيديو)    جمال شقرة: سيناء مستهدفة منذ 7 آلاف سنة وبوابة كل الغزوات عبر التاريخ    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    هل الشمام يهيج القولون؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طرق تدوير القمامة المستخدمة فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 09 - 2009


1 الجمع والفرز
يجلس ناصر صديق، متعهد جمع قمامة، أمام منزله فى حى أرض اللواء مع زوجته وابنتيه وحولهم «جُنية» القمامة. والجنية، بضم الجيم، هو اللفظ الدارج بين جامعى القمامة لوصف الشوال الملئ بالمهملات، وكأن القمامة محصول يجمعونه.
«أنا ماسك زبالة 30 عمارة فى الجيزة، و3 فنادق فى المهندسين»، يقول ناصر عن مصادر القمامة التى يجمعها. يبدأ مع عائلته فى فك الأشولة وفرز ما فيها. كومة للورق وكومة للبلاستيك وأخرى للصفيح وزجاجات المياه الغازية.
التعاون العائلى فى جمع وفرز القمامة هو الأسلوب السائد بمنطقة أرض اللواء، وغيرها من مناطق تجمع عاملى القمامة، كمنشية ناصر وعزبة النخل. رب الأسرة يستعمل منزله كمخرن وورشة فرز، وأهل البيت هم العمالة المجانية. «الزبال بتاع شركات النظافة بيفرز لحساب الشركة، فمش بيهمه هو بيجمع إيه ويسيب إيه»، يقول ناصر، أما هو وعائلته فيفرزون القمامة بمنتهى الدقة والحماس، «لأن كل مليم من بيع الحاجات دى راجع لجيبنا إحنا».
أسلوب الفرز اليدوى العائلى هو أسلوب شديد الكفاءة. فى دراسة فى 2005 للدكتور وائل صلاح فهمى، الأستاذ المساعد للتخطيط العمرانى بجامعة حلوان، عن أحياء الزبالين، قالت الدراسة إن دقة الفرز فى هذه الأسر قد أوجدت ما قد يعد واحدا من أكفأ نظم فرز القمامة فى العالم.
إلا أن كفاءة نظام الفرز بهذا الشكل البدائى تأتى على حساب صحة العاملين. لا يرتدى ناصر أو أى فرد من عائلته كمامة أو قفازا وهم يمدون أيديهم داخل أكياس القمامة بحثا عن ما فيها من خيرات، رغم أنهم أكثر من يعرفون مخاطر التعامل مع القمامة بهذا الأسلوب اليدوى البدائى.
«فى مرة دخل جوة إيد بنتى إبرة كبيرة وخرجت من الناحية التانية»، يقول ناصر الذى لم يعرض ابنته على طبيب ليعالجها. «إديتها مضادات حيوية وصلت لألف جرام لحد ما خفت وبقت كويسة». ويتذكر ناصر عشرات الحوادث التى مر بها شخصيا أو حدثت لأصدقائه، «وفى مرة عامل كان بيشيل كيس زبالة، وقعت على راسه من الكيس مادة كاوية جابتله صلع».
رغم ذلك لا يعانى ناصر من أى ضيق من عمله، «إحنا وولادنا اتربينا هنا، وبقى التعامل مع الزبالة شىء عادى».
2 مسارات التدوير
بعد الفرز، يذهب ناصر إلى أحد أصحاب الموازين، ليزن حصاد يومه من القمامة. «زمان كنا بنكسب من السكان اللى بنلم منهم الزبالة، ومن بيع المخلفات نفسها»، يقول ناصر، «لكن دلوقتى بعد الشركات الأجنبية ما بدأت فى جمع الزبالة، بقينا نكسب من بيع الحاجات دى بس». ما زاد خسارة ناصر هو أن الشركات الأجنبية قد قللت من فرص الزبالين فى جمع مخلفات المناطق الراقية، وهى المناطق ذات المخلفات الأغلى ثمنا حيث يكثر فيها زجاجات المياه المعدنية البلاستيكية وعلب المياه الغازية.
بعدما يعرف ناصر وزن المخلفات التى جمعها، يتجه إلى يسار المحور بأرض اللواء حيث ورش تدوير المخلفات. بعد خصم ثمن إيجار السيارة المستخدمة فى جمع القمامة وأجور العمالة التى ترفع القمامة إلى السيارة من ثمن بيع المخلفات المفروزة للورش، يتراوح ربح ناصر ما بين 20 إلى 30 جنيها يوميا.
«كل واحد هنا بيتخصص فى نوع معين من الزبالة»
يقول ميلاد توفيق، مدير ورشة لكبس الصفيح. تصطف عشرات الورش البدائية. كل ورشة تشترى نوعا بعينه من القمامة، إما الصفيح أو البلاستيك أو الورق.
ورشة ميلاد ما هى إلا أرض فضاء يكتظ فيها آلاف من علب المياه الغازية الفارغة. على يسار الأرض 3 مكابس بدائية، وحمار يتجول بجوار كومة من العلب الفارغة.
يستأجر ميلاد بعض العمالة اليومية عشوائية الأجر لتشغيلها. يقوم العمال بتجميع العلب وكبسها وتشوينها فى مكعبات متساوية الحجم. يقول ميلاد أنه يكبس تقريبا 12 طنا من علب المياه الغازية شهريا.
الورش التى تجاور ميلاد تكتفى بأنشطة بدائية مشابهة، فورشة تقوم بتطبيق وتجميع الورق الأبيض والورق المقوى،وأخرى تعمل على تكسير زجاجات البلاستيك وطحنه وغسيله.
هذه العمليات البسيطة ترفع من قيمة المخلفات إلى الضعف. فسعر طن زجاجات المياه المعدنية البلاستيك، على سبيل المثال، ثمنه 400 جنيه، وبعد كسره وغسيله فقد يصل إلى ألف جنيه. وفى دراسة أعدتها وزارة البيئة فى 2008، قدرت الدراسة قيمة القمامة فى مصر بستة مليارات جنيه، تتضاعف قيمتها إلى 12 مليار جنيه بعد تحويلها إلى مواد أولية، من خلال العمليات الوسيطة كطى الورق وكبس الصفيح.
3 التصدير
«تصدير المخلفات أحسن ماديا من تصنيعها فى مصر».
يقول حسام مصطفى، نائب رئيس شركة إيجى إندسترى Egy Industry لإعادة تدوير القمامة وتصديرها. تستأجر الشركة مصنعا فى أبورواش تستخدمه فى إعداد البلاستيك للتصدير.
تشترى الشركة سنويا ما يقارب 200 طن من مخلفات البلاستيك السليمة من جامعى القمامة بأنحاء القاهرة، لتقوم بفرزها وتفتيتها بماكينات حديثة ثم غسيلها. وتشترى 300 طن من البلاستيك المفتت بالكسارات العشوائية بمنشية ناصر وأرض اللواء، لتذهب إلى الغسيل مباشرة.
شهريا تحضر الشركة 500 طن من البلاستيك تصدرها بالكامل إلى الخارج، «ومالوش سوق كويس فى مصر»، على حد قول حسام.
عملية تجهيز المخلفات للتصدير، على بساطتها مقارنة بعملية إعادة التصنيع المعقدة، تكلف الكثير. يعدد حسام تكاليف إدارة المصنع، فإيجاره يصل إلى 10 آلاف جنيه شهريا، بالإضافة إلى 4 آلاف جنيه للكهرباء، وألفين للمياه، «دا غير أجور العمال اللى بتوصل 200 ألف جنيه فى السنة».
مجهود إدارة المصنع مقارنة بهامش الربح «مش جايب همه» طبقا لحسام. لذلك فقد قرر مؤخرا أن يكتفى بالتصدير فقط، وأن يبتعد تماما عن عملية الإعداد، بحيث يتولى متعهد آخر تأجير المصنع وشراء البلاستيك جاهزا للتصدير. لذلك يربح أصحاب الورش العشوائية أكثر من أصحاب المصانع الأكثر حداثة.
«مستأجر المصنع حياخد 50 جنيها على الطن. نشترى 200 من المصنع و300 من بره والعملية تمشى».
«الهند والصين أكبر دولتين بيستوردوا مخلفات من مصر»، على حد قول حسام.
يقف حسام أمام أحد مكابس علب المياه الغازية المعدنية بحى أرض اللواء بالجيزة. ينتهى العمال من تحميل سيارات النقل بأطنان من الصفيح. يستخدم حسام كاميرا هاتفه المحمول فى تصوير السيارات والحاويات ليوثق بصوره أن السيارات مليئة بالبضاعة، قبل انطلاقها لميناء دمياط. «العملا بيطلبوا الصور دى قبل ماتوصلهم الشحنة، علشان يتأكدوا من أن الشحنة فى الطريق وأرقام الحاويات».
«مصادر الطاقة فى دول جنوب شرق آسيا غالية جدا»، يشرح حسام، «علشان كدة بتستورد مخلفات صلبة من كل الدنيا». تصدر الشركة ما يقارب 1200 طن من المخلفات الصلبة سنويا، إلى الهند وبنجلاديش والصين وتايلاند وفيتنام.
سعر طن الصفيح انخفض من 1800 إلى 300 جنيه فى النصف الأخير من 2008 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.
طبقا لحسام فالهند هى أكثر الدول التى تطلب المخلفات من مصر، يليها الصين. إلا أن الصين يزيد فيها الطلب على المواد البلاستيكية أكثر من أى دولة أخرى. «أمال كل الصناعات الصينى اللى بتيجى مصر من أول الشباشب لحد المنبهات، بيبقى أسعارها رخيصة ليه؟»، يتساءل حسام، ويجيب أن السبب هو استخدام الصين زجاجات المياه المعدنية القابل لإعادة التدوير لبلاستيك PET فى الصناعات الرخيصة التى تغرق بها أسواق العالم، بدلا من تحمل تكاليف إنتاج البلاستيك من النفط الخام. وطبقا لدراسة أعدتها الحكومة الإندونيسية فى 2004، فإن الصين تستورد 12 مليون طن من البلاستيك القابل لإعادة التدوير سنويا، وأنفقت فى 2002 ما يزيد على المليار ونصف مليار دولار فى استيراد البلاستيك من أنحاء العالم.
الأسعار بدأت تعود إلى طبيعتها طبقا لحسام. «حتى لما بيحصل أزمة، انت ممكن تعتمد على الناس دى إنهم يصلحوا اقتصادهم ويرجعوا الأمور لطبيعتها»، فى حين أنه يرى الاقتصاد المصرى يتأثر ولا يؤثر، ولا يمكن الثقة فى تقلبات أحواله.
4 عيوب فى نظام المتعهد العشوائى
«فلوس تدوير الزبالة فى مصر ملاليم لأن مكسبها الحقيقى أكتر من المخدرات».
هكذا يعلق شرف إمام، رئيس مجلس إدارة المكتب العلمى للخدمات البيئية والبيولوجية، على كيفية إدارة المهملات فى مصر.
تخرج شريف فى قسم المايكروبيولوجى بكلية العلوم، جامعة الأزهر. بدأ عمله كموظف بهيئة المصل واللقاح إلى أن قرر أن يستقيل من الهيئة فى 1999 ويدخل فى عالم بيزنس القمامة.
«إدارة المخلفات فى مصر ما فيهاش تخطيط»، يقول شرف، «والشكل العشوائى اللى الأمور ماشيه بيه بيجيب شوية ملايين، لكن المفروض إنه يجيب شوية مليارات».
المثال الأكبر للعشوائية، فى نظر شرف، هو نظام تدوير القمامة فى أحياء الزبالين بالقاهرة والجيزة. «النظام ده بيجيب فلوس كتير، وفيه أحياء كاملة عايشة عليها»، إلا أن أضرارها الاقتصادية والصحية قد تفوق مكاسب التجارة كلها.
الطمع المادى
أول عيب فى نظام الاعتماد على المتعهدين العشوائيين، هو أن همهم الأول هو الكسب المادى، وليس نظافة المكان. «علشان كده تلاقيهم بيجمعوا الزبالة يحطوها فى بيوتهم وشوارعهم»، فأحياء الزبالين بؤر لانتشار الأوبئة والأمراض. وكان مسئولو وزارة الصحة أعربوا مرارا عن مخاوفهم من نشأة طاعون مصرى خالص وأشكال متحورة مميتة من إنفلونزا الخنازير والطيور داخل هذه الأحياء. وحتى الآن لم تقم وزارة البيئة بحل المشكلة، ففى مايو الماضى هدد زبالو منشية ناصر بالإضراب حين تردد أنباء عن نية الوزارة منع دخول المخلفات الصلبة إلى الحى.
اختفاء الخنازير
«العيب الثانى أن الزبالين كانوا بيستعملوا المخلفات العضوية فى أكل الخنازير بدل استخدامها فى السماد، ودا بيفيد الزبال لكن بيضر بالمجتمع». قبل قرارات ذبح الخنازير، كانت القمامة العضوية تقدم طعاما للخنازير. وكان الزبالون يستفيدون من تربية الخنازير على مدار حياتها من خلال بيع مخلفاتها كسماد بلدى غنى بالمواد العضوية، ويستفيدون بالطبع من ذبحها وبيع لحومها.
«لكن المخلفات العضوية اللى كان بياكلها الخنازير، بتكون عفنت من الشمس ومليانة بكتيريا»، يشرح أشرف، «وبالتالى فديدان بطنه وجراثيمها بتكون موجودة فى معدته ومخلفاته»، وبدورها تنتقل تلك الديدان والجراثيم إلى الخضراوات والفاكهة بالحقول التى تستخدم فى مخلفات الخنازير فى التسميد لتصيب آكليها بالأمراض.
بعد ذبح الخنازير صار الزبالون يهملون جمع المخلفات العضوية، أو يلقون بها فى مقالب الزبالة. «والمقالب لوحدها مشكلة، لأن كتيرا منها غير مطابق للمواصفات الصحية»، يقول شرف، شارحا أن كثيرا من المقالب غير مجهزة بأرضية خرسانية، مما يجعل بكتيريا القمامة المتعفنة تتسلل عبر الأرضية الترابية إلى المياه الجوفية.
«أنا كنت عايز أعمل محرقة فى مقلب شبرمنت»، يقول شرف، «وفوجئت بوزارة الصحة ترفض طلبى لأن المقلب غير مطابق للمواصفات»، وهو ما كان مفاجأة لشرف، فالمقلب يستخدمه جميع جامعى القمامة بأرض اللواء، إضافة إلى الشركات الأجنبية المتعهدة بنقل قمامة الجيزة والقاهرة.
البديل الجاهز للإلقاء مقالب القمامة لدى الزبالين هو الحرق، وهو أحد الأسباب الرئيسية للسحابة السوداء للقاهرة.
العشوائية والغش
«العيب الثالث هو أن المتعهدين دول مستحيل يقدروا يتوسعوا ويطوروا فى شكل نشاطهم»، فكل عامل يجمع على قدر ما يستطيع أن يدوره مع أسرته ومساعديه من العمال إن وجدوا. إضافة إلى أن أغلبهم يعمل بشكل غير رسمى وبلا شهادات ضريبية.
أما العيب الرابع، وقد يكون الأخطر، هو قيام هؤلاء المتعهدين بتدوير مواد غير قابلة للتدوير. مثل بيع مخلفات المستشفيات والعيادات لمصانع البلاستيك، فالمخلفات الطبية تصنع من بلاستيك شديدة الجودة والسمك يرفع من سعرها. ويزعم شرف أن بعض متعهدى القمامة يبيعون أعقاب السجائر ومخلفات تبغ المقاهى لمصانع المعسل.
«الناس لما اتعلمت الفرز من المنبع سابونى وبقوا يبيعوا لحسابهم»، كما يحكى أشرف، الذى مزجت شركته بين عملية الجمع والفزر والتوريد للمصادر وبعض أنواع التصنيع.
قصة نجاح
تكاليف المشروع كانت رخيصة مقارنة بالمكسب. أجور العمال والسيارة والمحصلين لا تزيد على 7 آلاف جنيه. وتصريح المحافظة بجميع مبالغ التأمين لا تتجاوز 5 آلاف جنيه. ويحصل شرف 4 جنيهات من كل شقة يجمع منها القمامة. ووصل مكسب شرف إلى مليون جنيه سنويا.
كان شرف يبيع البلاستيك والورق والصفيح للمصانع كغيره، إلى أنه زاد عن نشاط التدوير الأولى التقليدى استعمال المخلفات العضوية فى إنتاج سماد عضوى عالى الجودة يستخدمه فى مشتله الخاص. ويستخرج شرف من بقايا الطعام مخصبات حيوية للزرع ثمن اللتر الواحد منها 90 جنيها.
«حاولت أدخل فى المنطقة اللى أنا فيها ثقافة الفرز من المنبع»، يقول شرف، وهو ما نجح فيه بالفعل، إلا أن نجاحه قد أدى إلى انخفاض دخله بشدة وتوقف مشروعه فى النهاية.
«قبل دخولى البراجيل، كان بياعين الروبابيكيا يلفوا حوالين الشوارع والترع يلموا منها الزبالة»، ولكن بعد بداية شرف لنشاطه لم يعد لباعة الروبابيكيا رزق فى المنطقة. «وزعت على البيوت أكياسا لفرز القمامة، وطلبت منهم أن يوزعوا فى الأكياس مخلفات البلاستيك والورق والزجاج. «بعد 7 سنين من الشغل فى البراجيل الناس فهمت قيمة الزبالة»، يقول شرف. وكانت النتيجة أن أصبح السكان يفرزون قمامته ثم يبيعونها لحسابهم الخاص إلى باعة الروبابيكيا. «بعض البياعين كانوا بيقايضوا ستات البيوت، ياخدوا منهم زبالة، ويدوهم فى المقابل صابون سايل وسلك مواعين».
وأسباب الهروب
لأن «سعر طن الزبالة الخليجى أغلى من برميل البترول»، قرر شرف الانتقال إلى دولة الكويت، وافتتح فرعا لشركته هناك منذ سنة بعد توقف مشروعه فى مصر. «أنا دلوقتى داخل فى مناقصة كبيرة للحكومة الكويتية، وبعمل دراسة كاملة عن إدارة المخلفات الصلبة هناك».
السبب الرئيسى لهذا الانتقال هو أن قمامة دول الخليج الغنية ليها قيمة اقتصادية ضخمة، نظرا لجودة وفخامة تغليف المواد الغذائية هناك. «أنا وعدت الحكومة الكويتية بأنى لو فزت بالمناقصة حادى كل بيت أجمع منه مخلفات 20 دينارا فى الشهر، وكل عامل حياخد من ألف لألفين دينار كويتى»، وهو ما يوازى 40 ألف جنيه مصريا. «أؤكد لك أن ثمن طن الزبالة الخليجى أغلى من برميل البترول».
يقول شرف إنه على اتصال بشركات ومسئولين فى دول عربية مختلفة، كعمان وقطر ودبى. وأنه يأمل أن يتوسع فى نشاط تصنيع المخلفات. «فيه شركات صينية بتفاوض معاها عشان تعمل مصانع تدوير فى الأماكن اللى أنا فيها، بدل ما نصدر لها المواد الخام».
ويأمل أيضا أن يطبق فى الخليج التكنولوجيات التى لم يملك الإمكانات الكافية لتطبيقها فى مصر. «ورق الشجر على سبيل المثال، بيستخرج مواد تساعد على الحفاظ على نسبة المياه فى الأرض الزراعية»، يقول شرف، «حتى فروع الشجر الميت، بيتم تلوينها بمواد خاصة تحافظ عليها من التحلل، وتستخدم فى تجميل الحدائق».
يتمنى شرف أن يستطيع العمل فى مصر مجددا، إلا أن ما يمنعه هو «أن كوم الزبالة فى مصر عايش عليه كلاب ومعيز وحمير وخنازير ومتعهدين وأحياء كاملة». تشكل القمامة مصدر الدخل الوحيد لآلاف العاملين عليها، من جامعين وفرازين وعاملى تدوير. إلا أن نشاطهم العشوائى يخرب أى فرصة فى نجاح استثمار جاد وعلمى لتدوير القمامة المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.