لم يحظ مرض من الأمراض المعروفة المعدية بشهرة لتلك التى تمتع بها مرض الدرن أو السل الرئوى Tuberculosis ليس فقط لأنه أصاب عددا من مشاهير العالم فى جميع المجالات بل لأنه كان البطل فى غادة الكاميليا القصة التى جرى مصيرها لتلعب ليلى مراد فيها دور الحبيبة التى ينهش داء السل صدرها وهى تضحى بسعادتها لترغم حبيبها على الرحيل بعيدا عن ماضيها الذى قد عاشته قبل لقائه وفيه ما يسوءه. شارك الأرملة الطروب أيضا عددا من الأسماء كبيتهوفن وشوبان والكاتب الروسى دستوفسكى والرسام جوجان حتى الطاغية هتلر أصاب صدره الدرن أيضا. يبدو السل الآن كشبح يعود من الماضى ليهدد البشرية فلا يرحم تلك البلاد التى عانت ويلات الحروب وعاش فيها البشر ظروفا معيشية كارثية مثل أفغانستان والعراق والسودان. ورغم أن الإصابة بالدرن قد اقترنت دائما بالرئتين إلا أنه يماثل السرطان فى انتشاره إلى أعضاء أخرى من الجسم فيسرى مع تيار الدم ليصيب الكلى والعظام والمفاصل والمخ أيضا ما يجعل علاجه أكثر صعوبة ويقضى على فرص الشفاء. الغريب فى الأمر أن الميكروب المسبب للمرض المايكوباكتيريم باسيلاى Mgcobacterium Bacilli. من أضعف الميكروبات التى عرفتها الطبيعة إلا أنه يتحول لميكروب شرس يهاجم الرئة بضراوة ويفتك بنسيجها الهش إذا ما تمكن من الدخول إلى جسم الإنسان بينما درجة حرارة واحدة خارج جسم الإنسان يمكنها قتله بسهولة. أعراض الدرن الرئوى تعلن عنها حالة ضعف ووهن عام وكحة متكررة قد تبدو ملوثة بالدم أحيانا مع ارتفاع طفيف فى درجة الحرارة يصاحبه فقدان للشهية أما تشخيصه المبدئى فيتم بتحليل خاص لبصاق المريض وصور أشعة متكررة على الصدر. الدرن أحد الأمراض شديدة العدوى إذ إن إصابة مريض واحد به تحمل خطر الإصابة لكل المحيطين به حتى وهو يتناول الأدوية الكافية والتى يجب مراجعتها باستمرار إذ إن ذلك الميكروب الخبيث قد لا يستجيب لبعضها ويستشرى خطره بصورة أكبر. انتقال عدوى الدرن من المصاب للخالطين تزداد خطورتها إذا ما كان يهم المريض بأمراض نقص المناعة ومنها الإيدز أو الفشل الكلوى أو من يتعاطون العلاجات الكيميائية للسرطان كما أنها بالطبع تسجل ارتفاعا شديدا فى نسبة الإصابة فى مجتمع المدخنين والمجتمعات الفقيرة التى تعانى من سوء التغذية ونقص عناصرها خاصة البروتينات كما أنه لا يرحم الأطفال ويختار المرأة قبل الرجل لتكون فريسته فنسب الإصابة دائما أعلى فى الأطفال والنساء. يأتى اهتمام هيئة الصحة العالمية هذا العام فى يوم مكافحة الدرن العالمى فى صورة تخدير يحمله «التقرير العالمى لمكافحة السل» يكشف أن واحدا من كل أربع وفيات ناجمة عن السل تقع للمتعايشين مع مرض نقص المناعة (الإيدز). وهو عدد يمثل خطرا جديدا يجب التنبه له إذ إنه يجب علينا الآن إجراء أبحاث مرض نقص المناعة على كل مريض بالدرن والعكس صحيح. هل هناك وسيلة لاتقاء شر الإصابة بالدرن؟ الوقاية بالطبع خير من العلاج فما بالنا بعلاج تتربص به المحاذير؟ الوقاية تبدأ بالإنسان نفسه نظافته الشخصية، اهتمامه بطعامه، انتباهه لأحوال التهوية فى الأماكن المزدحمة وأماكن العمل، غسل الأيدى باستمرار هو خط الدفاع الأول ضد كل الأمراض المعدية. الامتناع عن التدخين وأماكن التدخين وشرب الشيشة. هناك أيضا اللقاح الواقى من الدرن BCG له فعالية عالية وإن كان يسبب بعضا من الألم وارتفاع درجة الحرارة إذا إنه يصنع من ميكروبات السل المتعمد إضعاف قوتها وسمومها. العلاج المكثف السريع المستمر بلا انقطاع إلى أن يتأكد الشفاء فيه حماية للمريض وكل من يحيطون به. يظل 24 مارس تاريخا يذكرنا بيوم عرف فيه العالم للمرة الأولى من قتل غادة الكاميليا: على يد العالم الألمانى روبرت كوخ الذى اكتشف ميكروب الدرن الرئوى وسجل أوصاف السل كمرض معدٍ خطير ذى تداعيات قد تلازم الإنسان طويلا وربما استعصى علاجها.