الخط الأحمر الطائفى الذى رسمه الرئيس التركى رجب طيب اردوغان أمام رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى محذرا اياه من اقتراب فصائل الحشد الشعبى من الموصل، يخدم فى الواقع نظرية تاريخية تركية أو بالأحرى طورانية لم تسلم فى يوم من الأيام بأن الموصل جزء من العراق وإنما هو جزء من تركيا أجبرت الأخيرة على التخلى عنه اثر هزيمة الامبراطورية العثمانية فى الحرب العالمية الأولى وترسيم الخرائط بموجب معاهدة سايكس بيكو، لكن عددا كبيرا من الاتراك كانوا لا يزالون يعتبرون أن الموصل هى جزء من تركيا. وليس التاريخ وحده ما يحرك أردوغان، إذ إن الرجل يتوسل السياسة أيضا فى خدمة أهدافه. فهو يقدم نفسه الآن حاميا لسُنة العراق ولسُنة سوريا. وهو دور ينسجم كليا مع أهداف السياسة الامريكية التى يهمها أن يكون النموذج الاسلامى التركى معمما فى المنطقة من جهة، والتى تريد فعلا من جهة أخرى أن تضع دولة سنية كبرى كتركيا فى مواجهة ايران، بعدما حالت ظروف مصر دون الاضطلاع بهذا الدور بينما دول الخليج العربية وحدها غير قادرة على احداث توازن فعلى مع طهران على رغم حرب اليمن ودعم فصائل المعارضة المسلحة فى سوريا. وعندما تقترب معركة الموصل، تتوجس أمريكا من أن يكون الدور الايرانى أساسيا فيها عبر مشاركة الحشد الشعبى فيها كما حصل فى عمليات طرد «داعش» من مناطق أخرى استولى عليها التنظيم قبل أكثر من عامين. أما الموصل، فهى معركة مختلفة نظرا إلى رمزيتها وكونها المعركة الأخيرة ضد الجهاديين فى العراق. وأى دور ايرانى فى الموصل سيعنى من وجهة النظر الامريكية أن ايران هى أيضا من سيقرر فى معركة الرقة كذلك. من هنا حاجة أمريكا إلى أردوغان الذى بدأ بإطلاق التحذيرات للعبادى. وما لا تستطيع واشنطن قوله مباشرة لرئيس الوزراء العراقى قالته بلسان اردوغان ومفاده باختصار ان لا شأن للعراق بالقوات التركية المتمركزة داخل الاراضى العراقية فى منطقة بعشيقة قرب الموصل. إذن، الولاياتالمتحدة تريد للموصل ان تكون معركة للائتلاف الدولى بقيادتها من غير أن يكون لإيران فيها أدنى دور. لذلك قال أردوغان صراحة إن المعركة هى معركة تخص السنة، ولاقاه وزير الخارجية السعودى عادل الجبير بالتحذير من «كوارث» اذا ما تدخل الحشد الشعبى فى المعركة. وهذا يستتبع سؤالا آخر عن مصير الرقة فى ما بعد. وربما لهذا السبب تحشد أمريكا أيضا ضد روسيا فى سوريا، لأن التدخل الروسى وليس الايرانى يحرج الولاياتالمتحدة فى توصيف المعركة المقبلة لأنها تصبح خارج النزاع السنى الشيعى المهيمن فى المنطقة. وماذا عن حلب ايضا؟!