اللواء يحيى اللقانى: كنت شاهدًا على الهزيمة فى صفوف المتظاهرين.. وشاهدًا على العبور بين الأبطال السادات زارنا قبل الحرب وقال لنا: «يا ولادى مش عايز أضحى بيكم.. وعايز أحلها سلمى لكن هما مش راضيين»
«15 دقيقة» كانت بمثابة تاريخ طويل يقاس بالثانية، ظلت تفاصيلها محفورة فى عقل وقلب وروح «المقاتل يحيى اللقانى، يسترجعها بفخر المنتصر، ويرويها لجنوده بين الحين والآخر، مسترجعا معها أياما ثقيلة سبقت حرب استرداد الكرامة». وقبل أن يمضى على تخرج اللواء يحيى اللقانى الملازم آنذاك 9 شهور، حتى وجد نفسه على خط النار، قائدا لفصيلة ضمن مشاة الكتيبة 24 (اللواء 8 الفرقة السابعة) للجيش الثالث الميدانى. وقبل أن يلتحق اللقانى بالكلية الحربية، ويتخرج فيها فى الأول من يناير عام 1973، كان مثله مثل غيره من طلاب المدارس الثانوية، يخرج فى مظاهرات للمطالبة بالثأر للهزيمة المذلة التى منيت بها مصر عام 1967، غاضبا من تأخر النصر وتحرير الأرض «فقد كانت الهزيمة ثقيلة». ويسترجع اللقانى ذكرى ذلك الهجوم الكاسح فى يوم النكسة (5 يونيو 1976)، ويقول: «الطيران الإسرائيلى فى هذا اليوم تحرك بذكاء شديد، وكان الهجوم دائما يتم قبل اول ضوء، إلا أن الطيران الإسرائيلى باغتنا بالهجوم فى الساعة 8:45 دقيقة»، ويضيف اللواء اللقانى: «موشى ديان ندم أشد الندم لأنه لم يهاجم القاهرة حينها، وقال ذلك بمثابة غلطة كبيرة، لأنه من وجهة نظره كان لابد لجيشه أن يعبر القناة ويصل القاهرة، وإن كان حينها لن يتستطيع مواجهة الشعب المصرى». وتابع اللواء اللقانى: «بعد الهزيمة الصعبة، كانت حرب الاستنزاف الصادمة لإسرائيل لأنها تأكدت أن مصر لن تسقط، وأن ما نحتاج إليه فقط، هو السلاح الهجومى». ويسترجع اللقانى فترة ما بعد جمال عبدالناصر: «بعد وفاة جمال، استكمل الرئيس السادات المهمة، لأنه كان ملاصقا لناصر، ويعلم بشأن استعداد المعركة، وبناء الجيش، وبالفعل حصل على وعود من الاتحاد السوفييتى بتسليم السلاح المطلوب منذ عهد جمال عبدالناصر، إلا أن المماطلة استمرت فى التسليم ليمر ما أطلق عليه السادات (عام الحسم)، ليستفيد السادات حتى من هذا الوضع فى الإيحاء لإسرائيل بأنه لن يستطيع خوض الحرب، وطلب تدخل قادة العالم لإقرارالسلام وإخراج اسرائيل من سيناء بالطرق السلمية دون حرب مما زاد من اطماع العدو». ويضيف: «كان الإسرائيليون يعتقدون أنهم ببنائهم خط برليف، سيعيشون فى سلام ابدى، ودعموا خطهم الدفاعى بعدد كبير من النقاط القوية من بورسعيد للسويس، وعلى عمق 10 كيلومترات، وبلغت النقاط الحصينة على طول الخط، 10 نقاط قوية، ومضايق لتنفيذ هجمات مضادة بالإضافة إلى أنابيب النابلم». ويتابع اللقانى: «يوم بعد يوم، كانت معالم سيناء تختفى، فتم اتخاذ قرار ببناء ساتر ترابى أعلى من خط برليف بارتفاع 20 مترا، لكى يتأكد الجنود أن كل ما يشاع عن خط برليف هو مجرد حرب نفسيه وشائعات». وعن قرار الحرب قال: «الرئيس السادات اتخذ قرار الحرب وهو لا يملك سلاحا هجوميا كافيا، وكانت مخاطرة، علاوة على طرده الخبراء الروس من مصر لكى تصبح الحرب ونتائجها مصرية خالصة.. وفى يوم 5 يونيو 73، زار الرئيس السادات الجيش الثالث الميدانى، وكان يرتدى الأفرول ويرافقه وزير الحربية، وقائد الجيش الثالث واجتمع مع الضباط وقال: «يا ولادى انا مش عايز اضحى بيكم، انا عايز احلها سلمى، بس هما مش راضيين، واللى هيساعدنى فى الحل السلمى انكم تجيبولى 5 سم من الضفة الثانية»، فقد كان يعلم جيدا ان أمريكا هى من تحاربه وليست اسرئيل». ويضيف: «بعد انتهاء الزيارة صعد قائد السرية مع الضباط على الساتر الترابى، واشار إلى موقع الهجوم على الضفة الثانية، وابلغنا بالنقطة الثانية بعد العبور، كل ذلك كان يتم ضمن مشروع التدريب، وكان هدف الهجوم، هو التقدم التالى عند التبة الأخرى، وكانت هذه هى المنطقة الابتدائية للهجوم». ويتابع اللقانى ذكرياته مع العبور: «فى 4 اكتوبر كنت فى مطار كبريت مقر قيادة الكتيبة وصدرت الأوامر بالتحرك جنوب البحيرات على القناة، لتنفيذ عملية تدريبية، وتحدد لها موعد الساعة (2:20 مياه)، والمعروف ان ذلك التوقيت هو توقيت هدوء سرعة المياه، لأنها تتغير كل 6 ساعات، وفى هذا التوقيت تكون سرعة التيار صفر، مشيرا إلى انهم تدربوا قبل ذلك فى الرياح الناصرى فى الخطاطبة، خلال شهر سبتمبر وكان اصعب من القناة، لأن سرعة التيار أعلى بكثير». وقال: «بعد الإفطار يوم 5 اكتوبر، الموافق 9 من شهر رمضان كان القائد ينظر إلى الجنود والضباط على انه الإفطار الأخير، وفى المساء حضر رديف استدعاء وتم تسليمى زوجى قاذف لهب وفصيلة مضاد دبابات، وكان هناك 3 جماعات تسليحهم عبارة عن رشاش خفيف، و(ار بى جي)، فقد كان من ضمن خطة الخداع الاستراتيجى خروج دفعة من الخدمة، على أن يتم استدعاؤهم قبل الحرب بيوم واحد». ويصل اللواء يحيى اللقانى إلى اليوم المشهود: «فى يوم 6 أكتوبر الساعة 12 الظهر صدرت الأوامر للضباط باحتلال نقاط الملاحظة بدلا من الجنود، وفى تمام الساعة 12 ونصف، تلقيت اتصالا من ميز الضباط، يطلب ارسالا عسكريا لتسلم الغداء، رغم اننا كنا فى نهار رمضان، وحينها شعرت أنه ربما يحدث الأمر الذى ينتظره الجيش المصرى بفارغ الصبر». ويضيف: «التزمت بالتوقيتات المحددة، وجهزنا القوارب، وتممت على الجنود وعلى جداول التحميل، وكانت هناك فتحة شاطئية للكبارى مغلقة بشكاير الرمل، ووقفت على القناة وفوجئت بالطيران قادما من سيناء، وظننت فى بادئ الأمر انه طيران اسرائيلى، ولكن تأكدت انه طيران مصرى عائد من سيناء بعدما شاهدت العلم المصرى على الطائرات لأنها كانت تحلق على ارتفاع منخفض، ومع عودة آخر طائرة، بدأت المدفعية فى دك خط برليف». وتابع اللقانى: «فى الساعة 2:20، نفذت الخطة بالنزول للمياه، وكنت ضمن الموجة الأولى فى العبور، والتى كانت مهمتها، مساعدة كل الموجات التالية، وكان كل قارب يحتوى على زاويتين(2 قدم) وحبل وزاوية (6 قدم) وسلمين خشبيين، وكانت مهمتنا ان نضع الزاوية (2 قدم) فى الضفة الغربية، ونضع الطرف الثانى فى الضفة الشرقية، لكى تتمكن باقى القوارب من العبور، اما الزاوية (6 قدم) فقد كانت من اختصاص الأفراد المسلحين ب(أر بى جى) والرشاشات الخفيفة، وكان عليهم أن يعتلوا الساتر الترابى ليضعوا الزاوية بفاصل 30 سم ويتم تركيب السلم لتركيب المدافع المضادة للدبابات وبعد ذلك يستخدمها الأفراد فى ارتقاء الساتر». وقال اللقانى: «العبور استغرق حوالى 15 دقيقة، وكان هناك قرابة 80 الف جندى فى المياه فى الموجة الأولى من بورسعيد للسويس، وبعد ذلك بدأ عبور المهندسين العسكريين لإنشاء رءوس الكبارى، وأتذكر أنه فى يوم 7 اكتوبر، انقطع الإمداد لشدة قصف الطيران الاسرائيلى للموقع، وكان وقتها تعيين كل 10 أفراد عبارة عن علبة مكرونة، وظللت على الجبهة حتى تم إخلائى بعدما تعرضت للإصابة يوم 17 اكتوبر».