ننشر نتيجة انتخابات نادى القضاة بالمنيا.. «عبد الجابر» رئيسا    قفزة جديدة في سعر الذهب اليوم السبت 27 أبريل 2024    سعر الدولار اليوم السبت 27 أبريل 2024.. بكام في البنوك والسوق السوداء؟    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    قوات الاحتلال تقتحم قرية "حدب العلقة" في مدينة دورا جنوبي الخليل بالضفة الغربية    هجوم صاروخي حوثي على ناقلة نفط بريطانية في البحر الأحمر    اشتباكات واحتجاجات تهز جامعات أمريكية.. فض اعتصامات واعتقالات طلاب بسبب غزة    تفاصيل مقتل 4 يمنيّين في قصف استهدف حقل غاز في كردستان العراق    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    الصور الأولى لحفل زفاف ابنة حسام حسن مدرب المنتخب.. ما سر غياب النجوم؟    أول رد من أحمد السقا على شائعة انفصاله عن زوجته مها الصغير    ملك أحمد زاهر تحتفل بعيد ميلاد والدها: «كل عام وأنت مصدر الأمان»    أحمد حمدي: لدي الثقة في الوصول لنهائي الكونفدرالية.. ودريمز منظم    مؤتمر كولر - هل يعود الشناوي في النهائي أمام الترجي    ننشر المؤشرات الأولية لانتخابات التجديد النصفي بنقابة أطباء الأسنان في القليوبية    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    قطر تصدر تنبيها عاجلا للقطريين الراغبين في دخول مصر    مصر ستحصل على 2.4 مليار دولار في غضون 5 أشهر.. تفاصيل    بالصور.. رفع المخلفات والقمامة بعدد من شوارع العمرانية    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    تصرف غير رياضي، شاهد ماذا فعل عمرو السولية مع زملائه بعد استبداله أمام مازيمبي    فاز ذهابًا وإيابًا.. الترجي يكرر تفوقه على صنداونز ويضرب موعدًا مع الأهلي في النهائي (فيديو)    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    السيطرة على حريق في منزل بمدينة فرشوط في قنا    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    تعرض للشطر نصفين بالطول.. والدة ضحية سرقة الأعضاء بشبرا تفجر مفاجأة لأول مرة    تعطيل الدراسة وغلق طرق.. خسائر الطقس السيئ في قنا خلال 24 ساعة    الأمن العام يكشف غموض 14 واقعة سرقة ويضبط 10 متهمين بالمحافظات    برازيلية تتلقى صدمة بعد شرائها هاتفي آيفون مصنوعين من الطين.. أغرب قصة احتيال    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    بسبب سوء الأحوال الجوية.. قرار هام حول موعد الامتحانات بجامعة جنوب الوادي    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    طريقة عمل كريب فاهيتا فراخ زي المحلات.. خطوات بسيطة ومذاق شهي    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    بلاغ يصل للشرطة الأمريكية بوجود كائن فضائي بأحد المنازل    البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة "باتريوت" متاحة الآن لتسليمها إلى أوكرانيا    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    سميرة أحمد: رشحوني قبل سهير البابلي لمدرسة المشاغبين    أخبار الفن| تامر حسني يعتذر ل بدرية طلبة.. انهيار ميار الببلاوي    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عمار يكتب: ساعات الأمل واليأس فى انتظار من لا يجىء من الطائرة المنكوبة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 05 - 2016

- لو عرف مروجو الشائعات كيف يتلاعبون بعواطف أهالى الضحايا لتساقطت وجوههم خجلًا
- تتوالى اتصالات عن العثور على أحياء فى إحدى الجزر اليونانية.. فينفتح باب الأمل على مصراعيه
(1)
تتناقل وسائل الإعلام المختلفة هذا الخبر المرير عن اختفاء طائرة مصر للطيران تتوه تفاصيل الخبر للوهلة الأولى، وينشغل الفكر فى مصير الطائرة وركابها.
تتدافع الأسئلة، وتتصارع الاحتمالات.. تبدو كارثة حقيقية، مُحزنة ومؤلمة.
أول ما يخطر على البال، داء لأن يكون الله فى عون من كانوا فى الطائرة وذويهم
تمر الدقائق طويلة، ثقيلة.. أتنقل بين وسائل الإعلام المختلفة لمعرفة أى تطورات.
(2)
يباغتنى اتصال تليفونى، لا أجيب من المرة الأولى، فقد انشغل الفكر بما هو أهم من دردشة تليفونية.
يلح الصديق ويعاود الاتصال.. لاشك أن الأمر مهم، أرد على عجل، سلام وسؤال عن الحال.. لا يبدو أنه جوهر المكالمة.
لحظات صمت أتوقع فيها ماهو غير مبشر.
يقطع الصديق الشك باليقين ويسأل: «انت عارف إن عمك ناصر على الطيارة؟».
تدور الدنيا.. وأتوقف بالسيارة فى منتصف الطريق، أسأل وأنا أعرف الإجابة: طيارة إيه؟..
انت متأكد؟.. أسأله وأنا أجاهد لأصل إلى جانب الطريق بعد أن تعالت حولى أصوات أبواق السيارات.
«أيوا هى رقم الرحلة بتاعته والاسم موجود فى الكشف، اخويا زميله فى الشركة وهو فى المطار دلوقت، واتأكد من اسمه فى الكشوف، هما مش عارفين يتواصلوا مع حد من أهله، أنا اسف انى ببلغك بس لازم تعرف».
يستمر فى سرد التفاصيل، لكن حالة من الذهول لم تجعل كل ماقاله يبدو مستوعبا.. الموضوع من الأساس غير قابل للتصديق.
لا أذكر كيف انتهت المكالمة، ولا أدرى كيف وصلت إلى مقر عملى، كنت أمسك بهاتفى أقلب بين الأسماء المسجلة، لا أعرف عن أى اسم أبحث. تواصلت مع زملاء أكدوا أن المعلومات المعلنة هى فقط المتاحة، لا جدوى من الذهاب للمطار، هكذا أكدوا لى، وهكذا أكدت على زوجته، لا داعى للذهاب إلى المطار.. سأوافيكى بأى تطور، لكنها لم تستطع الانتظار ولم استطع أنا كذلك.
لا شىء أصعب من الجلوس والانتظار.
هكذا فعلت السيدة هاجر، حين لم تجد الماء لوليدها اسماعيل، فسعت ذهابا وإيابا فى نفس المكان بحثا عما كانت تعرف أنها لن تجده.
الخبر أقوى من أن يترك مجالا لحسابات العقل.
متابع.. متعاطف.. يقذف بك القدر فى لحظة لقلب العاصفة، فتتصارع الأمانى والمخاوف.

(3)
فى صالة (4).. يهرول الأحبة بحثا عن إجابات تريح قلوبهم، تعلقت العيون المغموسة فى أنهار الدموع بشاشات التلفزيون المصدر الوحيد للمعلومات هناك.
تضرعت القلوب المحترقة لله: يارب استر، يارب ارحم، ولدى يارب، أبى يارب، زوجى يارب، أخى يارب، بنتى يارب…
عقول تائهة، مشتتة، تتلاعب بها الظنون.
تتسارع دقات القلب حين تتباطأ دقات الساعة.
تعلن اليونان عن العثور على أجزاء من الحطام.
تنهار زوجة أحد الضحايا وتصاب بالإغماء.
همهمات شجن، يعلو نحيب محمود الشاب العشرينى، ينادى أخويا ناصر.. اه يا اخويا.
أغالب دموعى، أحاول تهدئته بقلب مفطور.
أواصل الحديث عن أن الجلوس فى المطار لن يفيد، الجميع يوافقنى الرأى لكن لا أحد تحرك، ولا أنا.
وصل جدى حمدى، مستندا على عصاه وتمتد إليه الأيادى لتساعده على السير لكنه يتجاهلها، أو لا يراها.
قال بصوت راسخ: إن كان مات الله يرحمه، كلنا بنموت، بس حد يقولنا الحقيقة، ليه الكدب؟
بدأت الشائعات تتناثر وتتكاثر منذ الصباح.. تكهنات وتوقعات، وافتراضات تنتشر كأنها حقائق مؤكدة.
لو يعرف هؤلاء الذين روجوا الشائعات كيف تلاعبوا بعواطف أهالى الضحايا وقلوب محبيهم، لتساقطت وجوههم خجلا من أنفسهم، إن كانوا يشعرون.
أبواب أمل زائفة، يفتحونها أمام قلوب مفجوعة تبحث عن فرصة للتفاؤل، وسط ما يفرضه العقل والمنطق من احتمالات أفضلها سيئ.
بدا جدى حمدى لأول وهلة متماسكا كعادته، يردد: «محدش بيموت ناقص عمر، الموت علينا حق»، يواسى من فقد أعصابه أو غلبه حزنه ممن حضر، أو ربما يواسى نفسه.
ظل متماسكا حتى تلقفته كاميرات الفضائيات عند خروجه من القاعة، عندها ظل ينادى: «ولدى وين؟».

(4)
تنفى مصر العثور على أى جزء من الطائرة، فتتنفس زوجة عم ناصر الصعداء، يراودها الأمل من جديد، لعله فى جزيرة من جزر اليونان، الآن، يدعم احساسا أنها عندما اتصلت به فى الساعة الخامسة والربع صباحا رن هاتفه رنة كامله.
تتوالى اتصالات يردد أصحابها حكاية العثور على مجموعة أحياء فى إحدى الجزر اليونانية، ينفتح باب الأمل على مصراعيه، لكن بمرور الوقت يقفل هذا الباب شيئا فشيئا، لكن ليس تماما.
رزق الله عم ناصر بخمسة أطفال، أصغرهم مريم التى لم تكمل عامها الثانى، لعل الله يعيده من أجلها.
«عمو انت رايح تجيب بابا من المطار»، قالها محمد ناصر، لعمه قبل ذهابه للمطار فى اليوم الثانى.
ظننت أنه سينسى إجابة عمه، لكنه قال لى بالأمس وهو يضحك ببراءة مستغربا، «بابا وقعت بيه الطيارة وازاى عمو بيقولى رايح يجيبه.. إزاى؟».
لكن ملك، بملامهحا الملائكية البريئة، وضحكتها الصافية، ربما لم تمكنها سنواتها العشر من استيعاب ما حدث.
الله كبير، لعله يختبر حبنا له، لعله أراد أن يرينا كيف ينجى المؤمنين.
عم ناصر، كريم، بار، واصل الرحم، صديق، صادق، تقى، نقى، هادئ، وكأن الله خصه بخصال الأنبياء.
لله حكمه، إن عجزت عقولنا عن فهمها، فنسأل الله أن يثبت قلوبنا.
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.