في كل يوم ذهبت فيه إلى ميدان التحرير.. عشت ومارست نفس مشاعر الغضب والفرحة والأمل والاعتذار.. غضب من كل هؤلاء المجرمين والطغاة الذين قتلوا كل هذه الوجوه البريئة.. ومن هؤلاء الذين حاولوا استغلال هذا المشهد الرائع لمصالح شخصية أو لتصفية حسابات أو البحث عن أدوار وأضواء ما كان ممكناً التفكير فيها لولا ثورة هؤلاء الرائعين في ميدان التغيير أو التحرير سابقاً.. أما الفرحة فهي بهؤلاء الذين تخيلنا أنه لا تحركهم وتهزهم إلا كرة القدم ومبارياتها وحروبها المستعارة، وأنهم لا يجدون أنفسهم إلا في المقاهي والميادين وعلى صفحات الفيس بوك، ولا يعرفون ولا يجيدون إلا القيام بدور الجمهور في حفلات الغناء أو أمام شاشات السينما.. وفجأة.. يخرج علينا هؤلاء الشبان والفتيات بأسمائهم الحقيقية.. وجوههم ومشاعرهم وقلوبهم وأحلامهم الحقيقية.. يخطفون منا مصر القديمة ويجرون بها بعيداً عن عجزنا وخوفنا وقلة حيلتنا وبلادتنا وبلاغتنا التي لم نعد نملك غيرها فنحارب بالكلام وبه نعيش ونبني ونحلم ونغير ونتغير أو نتظاهر بذلك.. يقفون في الميادين والشوارع يؤكدون لنا ولأنفسهم أنهم هم الأحق بمصر.. هم الأولى بها.. هم الذين يستحقونها وهم الذين يقدرون على تغييرها وتجميلها وأن يردوا لها روحها التي سرقها الفساد والإهمال.. هم المصريون الجدد الذين كانوا منفيين سنوات طويلة داخل الوطن وراء قضباننا وخلف أسوارنا.. فاضطروا طول الوقت لاختراع أوطان بديلة وعاشوا رغم أنفهم حياة أخرى نحن الذين أردناها لهم وأجبرناهم عليها.. أما الأمل فهو أن يترك كل تجار الكلام والثوار المزيفون الساحة والحرب والغضب ومصر كلها لأصحابها الحقيقيين.. ويبقى الاعتذار الذي كنت أقدمه كل يوم للناس في الميدان حين يسألون عن نجوم الكرة ولماذا غابوا عن التحرير والتغيير والحلم والأمل.. كثيرون جداً قالوا لي إنهم فوجئوا بكثير من النجوم والوجوه يؤيدون مبارك وبقاءه واستمراره.. حسن شحاتة وحسام حسن وإبراهيم حسن وأحمد حسن ومجدي عبد الغني وحازم وإمام ومصطفى يونس ومدحت شلبي.. بينما لم يقف معهم أحد باستثناء إسلام عوض لاعب إنبى والمنتخب.. كانت المرارة ظاهرة في نبرات الصوت ومشاعر الأسى تصبغ ملامح الوجوه ونظرات العيون.. تخيلوا أن دعوتهم للتغيير ستلقى أكثر من مؤيد ونصير وسط صفوف لاعبي الكرة ونجومها وكتابها ومسئوليها.. وأنهم سيجدون وسطهم في الميدان أكثر من وجه كروي مثلما جاء الكثيرون من الفنانين والإعلاميين ورجال الثقافة والأدب والصحافة والمال والسياسة.. وعلى الأرض جلست بينهم ومعهم أؤكد أنها وجهات نظر ومواقف لا يملكها إلا أصحابها.. وأنه لا يمكن إجبار أي أحد على المجيء هنا وسط الميدان طالما لم يأت بمحض اختياره وإرادته.. وطالما لم يأتوا حتى اليوم.. فلن يأتوا.. ولكنه من الضروري احترام كل من ذهب ووقف على الناحية الأخرى، فلكل شخص حساباته وقناعاته.. وهناك بين هؤلاء من يحب الرئيس مبارك كشخص أو يدين له بالجميل.. وهناك من يؤيد الرئيس خوفاً من الفوضى والانفلات وصراعات أهلية مدمرة قد تنشب في أى لحظة.. وهناك من يخاف على منصب أو دور أو برنامج أو أي مكاسب تحققت أو سوف تأتي قطعاً بعد انفراج هذه الأزمة.. وهناك بالتأكيد من لا يحب الحرية أو النور.. وهم أحرار في مواقفهم مثلما أنا حر في اختياري وقراري ووجودي هنا في ميدان التحرير.. وعلى استعداد لأن أدفع ثمن ذلك كاملاً.