تظلّ القيمة العليا فى الإبداع الفنى .. تلك النّورانية التى يستشرف من خلالهاالفنانون ما وراء المرئى والمسموع وما فوق الكلمات ، واستشراف المستقبل من المَلَكات التى ترتبط دوماً بالمبدعين الذين يمتلكون القدر الأكبر من طلاقة القدرة على الحدس والإستبصار ، حتى يرتحل العمل الفنى من قيَمِه المحْدودة للتجْميل أو التسجيل .. إلى قيمته العليا كنبوءة تتخاطب مع ثقافات الحُلم والتأمل وإمكان المستحيل ، ولقد أرسى فيلسوف السينما المصرية المبدع الخلاق يوسف شاهين من خلال افلامه روائعاً من تلك النبوءات التى تبوأت مكانة خالدة فى تاريخ الإبداع الفنى ، تحمل فى طيّاتها ثقافة الإستشراف وبلاغة التعبير . وفى واحد من أبدع روائعه .. فلم ( عودة الإبن الضال ) قدّم حكيم الشعب ( صلاح جاهين ) مع أحد عباقرة الموسيقى المصرية المتألق ( كمال الطّويل ) وصوت جليل يتشابه مع أروع الأحجار الكريمة لفتاة صغيرة .. تفيض قوة وبراعة ( ماجدة الرومى ) قدم فيلسوف السينما المصرية تلك الكوكبة الرائعة فى واحدة من أعظم البنايات القيّمة فى مجال الفنون التعبيرية ابداعاً وأداءاً أغنية ( مفترق الطرق ) ، هذا العمل البديع الذى شرّع لثورة 25 يناير وكأنه يتنبأ بها .. وبكل أحداثها : ساعات أقوم الصبح قلبي حزين أطلّ برا الباب ، ياخذني الحنين اللي إشتريتو إنباع ، واللي لقيته ضاع واللي قابلتو راح .. وفات الأنين وأرجع واقول.. لسه الطيور بتحن والنحليات بتطن ، والطفل ضحكو يرن مع إن .. مش كل البشر فرحانين حبيبي سكر مرّ طعم الهوى فرق ما بين البين ما عدناش سوا حرام عليك يا عذاب .. نبقى كده أغراب دا البعد جرح من غير دوا وأرجع واقول.. لسه الطيور بتحن والنحليات بتطن ، والطفل ضحكو يرن مع إن .. مش كل البشر فرحانين أدي اللي كان ، وأدي القدر وأدي المصير نودع الماضي .. وحلمه الكبير نودع الأفراح ... نودع الأشجان راح إللي راح ومعدش فاضل كتير إيه العمل دلوقت يا صديق غير إننا عند إفتراق الطريق نبص قدمنا ، على شمس أحلامنا نلقاها بتشق السحاب الغميق وأرجع واقول .. لسه الطيور بتحن ، والنحْليات بتطن ، والطفل ضحكو يرن مع إن مش كل البشر فرحانين كان هذا بلاغ إلى المستقبل .. أرسله المبدع الخلاق يوسف شاهين الصائغ الماهر للأحجار والمعادن الكريمة ، والماثلة بين صحائف المبدعين على اختلاف أقدارهم ، بلاغ إلى المستقبل .. لم تتأمله بعض إدارات الوطن المعيبة منذ سنوات طويله لسوء علاقتها بالإبداع المصرى .. فى مجالات الفنون ، بلاغ إلى المستقبل .. كان كافياً لو استوعبته بعض إدارات الوطن المعيبة التى لاحت أمامها دساتير ومواثيق للإصلاح والتنوير ، لو تتلمذت على ذلك الإبداع الفنى الخلاق الذى يستشرف لإدارة الأوطان المتقدمة سبل حضاراتها ، بلاغ إلى المستقبل .. يعاود رسالته فى حاضرنا الجريح .. الذى هانت فيه كرامة الوعى وانطفأت شموع التنوير أمام تخبط أبله فى إدارة الأزمات .. التى لا تقوى على من يهوى علوم الإدارة وحسن الأداء ، بلاغ إلى المستقبل .. للمسؤولين ( الذى لا يبدو حتى الآن هل هم متواطئين أم بلهاء ..؟ ) وقد تلطخت أيديهم بدماء المصريين .. حتى أدمعت قلوبنا بحرائق المجْمع العلمى !!. بلاغ إلى المستقبل .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم . المصدر : جريدة نهضة مصر .