بوابة شموس نيوز – خاص لقد وقع اللحن (الخطأ في النطق ومخالفة قواعد العربية) قديمًا بصورة فردية نادرة معدودة سجلتها كتب التراث اللغوي العربي، ومنها أنَّ أحد الصحابة قد لحن في بعض كلامه أمام سيدنا رسول الله، فقال النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم «أرشِدوا أخاكم فإنّه قد ضلّ»(1) ومن ذلك ما رواه الطّبرانيّ أنَّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:«أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبَ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب، أَنَا أَعْرَبُ العَرَبِ وَلَدَتْنِي قُرَيْشٌ وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَأَنَّى يَأْتِينِي اللَّحْنُ؟»(2). – وذكر ابن الأنباريّ في "الأضداد" عن أبي بكر رضي الله عنه أنّه كان يقول: «لأن أقرأ فأسقط أحبّ إليّ من أن أقرأ فألحن»(3). – وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه مرّ على قوم يُسِيئون الرّمي فقرّعهم، فقالوا: إنّا قوم متعلّمين، فأعرض مغضبًا، وقال:«لخطأكم في لسانكم أشدّ عليّ من خطئكم في رميكم، إنّي سمعت رسول الله يقول: رحم الله امرأً أصلح من لسانه»(4). – ومن ذلك ما رواه البخاري في "الأدب المفرد" تحت قوله: باب الضّرب على اللّحن: عن عبد الرّحمن بن عجلان قال: مرّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه برجلين يرميان، فقال أحدهما للآخر: أَسَبْتَ، فقال عمر رضي الله عنه: «سُوءُ اللَّحْنِ أَشَدُّ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ». – وتُنسب إلى عمر رضي الله عنه المقولة المشهورة:«تعلموا العربية فإنّها تثبّت العقل وتزيد في المروءة». ومن أجل ذلك بدأ التفكير في وضع قانون لغوي يحفظ اللسان العربي من اللحن فنحافظ على اللغة العربية فصيحة صحيحة بريئة من لوثة اللحن والتحريف، ومن ثم نحافظ على القرآن الكريم. وفي عهد الإمام علي كرَّم الله وجهه انتشر اللحن بصورة لم يقبلها الغيورون على القرآن الكريم ولغته العربية، فأي مساس بهما أو ضياع لهما يعتبر ضياع للدين والهوية والكرامة العربية والشرف العربي الذي لم يرزق العرب في الجاهلية غيره من الحضارة الإنسانية. وأشهر قصة في هذا الشأن ما وقع من ابنة أبي الأسود الدؤلي (ت 69ه) عندما قدم أبوها لزيارتها في البصرة، فَقَالَت لَهُ يَا أَبَت مَا أَشدُّ الْحرِّ؟ رفعت (أَشدُّ) فظنها تسأله وتستفهم مِنْهُ؛ أَي زمَان الْحرِّ أَشدُّ. فَقَالَ لَهَا: شهر ناجر؛ يُرِيد: شهر صفر. فَقَالَت: يَا أَبَت إِنَّمَا أَخْبَرتك وَلم أَسأَلك! فَأتى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب – كرم الله وَجهه – فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ذهبت لُغَة الْعَرَب لما خالطت الْعَجم، وأوشك إِن تطاول عَلَيْهَا زمَانٌ أَن تضمحل. فَقَالَ لَهُ: وَمَا ذَلِك؟ فَأخْبرهُ خبر ابْنَته، فَأمره، فَاشْترى صُحفًا بدرهم، وأملى عَلَيْهِ: « الْكَلَام كُله لَا يخرج عَن: اسْم وَفعل وحرف جَاءَ لِمَعْنى.. » وأملى عليه بعض المسائل اللغوية والنحوية، وقال الإمام علي لأبي الأسود: انحو هذا النحو. فتلك هي البداية الحقيقة لنشأة أهم علوم العربية وواسطة عقدها (علم النحو العربي). الحواشي: (1) الخصائص، لابن جني 2/8، ط دار الكتب المصرية 1950″. وفي إرشاد الأريب عن عبد الله بن مسعود 1/82]. (2) وقد ذكره السّيوطيّ في "المزهر"(2/397). (3) "الأضداد" (244) (4) وهذا رواه ابن عديّ والخطيب عن عمر، وابن عساكر عن أنس. وهو في "الموضوعات" لابن الجوزيّ (1/205)، و"المقاصد الحسنة" للسّخاوي (1/96)، و" كشف الخفاء"(1/426).