القمة العالمية للحكومات تستشرف الفرص التنموية الواعدة ومستقبل البشرية عمر العلماء: الذكاء الاصطناعي يؤسس لثورات صناعية جديدة بالعالم * كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الأفراد والمجتمعات؟ * كيف يمكن للحكومات دفع مسيرة تطوير الذكاء الاصطناعي لخير المجتمع؟ * ما دور الذكاء الاصطناعي في مستقبل الهندسة الأمنية؟ دبي، 6 فبراير 2018: توالت على العالم منذ منتصف القرن الثامن عشر ثورات صناعية أحدثت تغييرات جذرية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، طالت آليات عمل الحكومات وطرق تواصلها مع مجتمعاتها وآليات تحسين الخدمات وتقديمها. وبدخول العالم في عصرنا هذا مرحلة الثورة الصناعية الرابعة، بدأنا نشهد ظهور ابتكارات جذرية قلصت من دور الإنسان لمصلحة الآلة من خلال ما يُعرف حالياً ب "الذكاء الاصطناعي"، الأمر الذي حمل جملة متغيرات باتت حكومات العالم مطالبة بتطوير مناهج عملها لتواكبها في رحلتها نحو المستقبل. منذ أيام أعلنت شركة "مايكروسوفت" أنها بدأت نقل بيانات جهاز المناعة البشري إلى منظومة ذكاء اصطناعي بهدف تعزيز قدرة العلماء والأطباء على توفير العلاجات والوقاية من الأمراض المستعصية عبر تحفيز الجسم على إفراز البروتين المسؤول عن المناعة. هذا الإعلان يشكل مدخلاً لإثراء النقاش العالمي المتصاعد حول إمكانات الذكاء الاصطناعي وقد يبدد أو يقلص مخاوف البشرية المشروعة من توسع رقعة البطالة وما يترتب عليها من تغيير اجتماعي جذري في حال تصاعد الدور الذي يلعبه هذا النوع المتفوق من الأنظمة ذاتية القرار والتفكير. الموقف العالمي من مخرجات الذكاء الاصطناعي وطبيعة دوره في المستقبل لم يُحسم بعد، ولا يزال الجدل قائماً بين مؤيد ومشكك ومتحفظ، فالمشككون يقولون إن الذكاء الاصطناعي تنقصه الأخلاق والضوابط، أما المؤيدون فيقولون إن قدرة الحكومات على ضبط الأمن ومواجهة التحديات الإرهابية ستصبح فعالة أكثر باستخدام التقنيات الذكية الحديثة. دفع هذا النقاش معهد "مستقبل الحياة" الأمريكي لإصدار تقرير خاص حول سبل تضمين الذكاء الاصطناعي أخلاقيات البشر وقدرتهم على اتخاذ القرارات. وأشار المعهد الذي يضم في هيئته الاستشارية عددا ًمن العلماء والمستثمرين وفي مقدمتهم مؤسس شركة السيارات الكهربائية "تيسلا موتورز" إيلون ماسك، وعالم الفيزياء ستيفن هوكينغ، إلى ضرورة التنبه عند تصميم أجهزة الذكاء الاصطناعي ووضعها تحت معايير صارمة للحد من أي مخاطر متوقعة. وعاد هوكينغ إلى التحذير من قدرة الذكاء الاصطناعي على الإضرار بالبشر في حال تطوره إلى مرحلة تسمى "الوعي الذاتي للآلة"، أي أن تمتلك أنظمة الذكاء الاصطناعي القدرة على اتخاذ القرارات بمفردها وبمعايير تبتكرها بالاستناد إلى البيانات التي تجمعها من محيطها بدون أي تدخل بشري. مجال آخر يعزز المخاوف وهو مجال الأمن، فالمشككون بالذكاء الاصطناعي يقولون إنه قد يمنح الجماعات الإرهابية قدرات تقنية عالية لتنفيذ هجماتها، وقد يرفع من مستوى القرصنة الإلكترونية خاصة مع توقعات بزيادة المعلومات الرقمية، بمعدل 44% بحلول عام 2020 حسب تقرير لشركة ماكنزي. ويقول سكوت فونيكس، المؤسس المشارك لشركة "فيكاريوس" التي طورت عام 2013 نظاماً للذكاء الاصطناعي قادرا على تجاوز اختبار "كابتشا" المعقد، إنه سيذهب بالاكتشاف والتطوير إلى أبعد مدى، وسيبتكر أجهزة حاسوب يمكنها تعلم معالجة الأمراض وإنتاج طاقة متجددة والقيام بمعظم الوظائف التي يؤديها البشر. إذاً يمكن اختصار هذا الجدل بعدة نقاط، فالمشككون بطفرة التكنولوجيا يخشون من تأثير الذكاء الاصطناعي على البطالة، والتفاوت الاجتماعي بين الشعوب، وتفكك العلاقات الاجتماعية نتيجة لتفكك العلاقات الاقتصادية، وتحكّم أنظمة الذكاء الاصطناعي بأسلحة الدمار الشامل، وارتفاع نسبة الجريمة الإلكترونية والهجمات الإرهابية. أما المؤيدون فيقولون إن الذكاء الاصطناعي، نظراً لكونه طفرة في العلوم والتقنيات، فإنه قادر على حل مشكلات عدة مثل: الفقر والبطالة نتيجة ظهور قطاعات ومجالات جديدة للعمل، واكتشاف علاجات للأمراض المستعصية، وحل تحديات وتكلفة التعليم، وتوفير خدمات بتكلفة رخيصة، وإعفاء البشر من الوظائف والمهام الخطرة، وتخفيض التكاليف المادية للإنتاج عبر ترشيد استهلاك الموارد وتدويرها، وتعزيز قدرة الحكومات على تأمين سلامة المواطنين ومكافحة الجرائم بكافة أنوعها. القمة تحسم الجدل تقوم فلسفة القمة العالمية للحكومات على أن ما ينتجه البشر سيحمل صفاتهم، لذا فإن من الضروري أنسنة مسار التكنولوجيا لتكون منتجاتها إنسانية، كما تركز القمة على ضرورة حسم هذا الجدل بالتوافق بين الحكومات على أن تكون الآلات في خدمة البشر وليس العكس، وبالتالي إصدار قوانين وتشريعات ناظمة لمسيرة تطور الذكاء الصناعي ووضع برامج كفيلة بالحفاظ على سيادة العنصر البشري وأمن الكوكب، وتحديد أولويات الاستثمار في هذا القطاع لصالح الارتقاء بجودة حياة البشر. ويأتي المنتدى العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي الذي يقام ضمن أعمال الدورة السادسة للقمة العالمية للحكومات إلى دفع الحراك الدولي باتجاهين أساسيين: استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي بحكمة ومسؤولية وإيجابية، وتحديد جدول أعمال الجيل القادم من الحكومات في ظل الثورة الصناعية الرابعة بهدف صياغة برامج جديدة للعمل الحكومي في المستقبل تتوافق مع تطلعات الشعوب وحقها في العيش بمستوى يليق بالبشر. وفي هذا الصدد، قال معالي عمر بن سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي: "يمثل الذكاء الاصطناعي أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة لأنه سيفتح الأبواب لابتكارات ليس لها حدود، ويتوقع أن يؤدي إلى مزيد من الثورات الصناعية التي ستحدث تغييراً جذرياً في حياة الإنسان، ولهذا من الضروري السعي للاستفادة منه واستباق التحديات التي قد تنجم عنه". وأضاف معاليه: "إن الاستثمار في الإمكانيات الواعدة للذكاء الاصطناعي يساعد الحكومات في تحقيق أهدافها التنموية المستقبلية، وينطوي على تحديات كثيرة محورها علاقة الإنسان والآلة، ومن هنا يأتي المنتدى العالمي للذكاء الاصطناعي ليؤسس لحوار دولي وتعاون مشترك بين حكومات العالم لبحث سبل تسخير الذكاء الاصطناعي لخير البشرية". وتابع العلماء: "بإمكان الذكاء الاصطناعي وما سيتبعه من ابتكارات، أن يؤسس لعالم جديد قد يبدو بالنسبة لنا الآن من ضروب الخيال، ولكن البوادر التي نراها حالياً تؤكد على أن خلق هذا العالم ليس بالمستحيل. إن قدرة الذكاء الاصطناعي على التخطيط والتفكير هي مكمن قدرته على خلق هذا العالم، ومدى قابلية حكومات العالم للتكاتف معاً لتسخير الذكاء الاصطناعي في صالحها هو الذي سيقرر ما إذا كان هذا العالم سيسوده السلام ورغد العيش أم ستعمَّه الفوضى". الدور المنشود للذكاء الاصطناعي يُعتبر الذكاء الاصطناعي أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، حيث ستنتج عنه أساليب جديدة ومبتكرة في طرق مُباشرتها لأعمالها، كنتيجة لقدرة الآلات على التخطيط والابتكار، ومن النتائج الإيجابية التي نراها في حكومات اليوم: توسع وزيادة كفاءة قواعد البيانات، وتحسن نوعية الخدمات المُقدمة، والارتقاء بأساليب المعيشة، وبدء المشاريع لتخطيط استراتيجيات تدعم من سلطات الدول ومكاناتها محلياً وعالمياً. ومن ناحية أخرى، يُعتبر قطاع الصناعة الآن من أهم القطاعات الرئيسية في العالم، حيث يعمل على تشكيل الاقتصاد الخاص بالدول، وبالتالي يؤثر بصورة كبيرة على مكانة الدولة، وهذا يتطلب من الحكومات أن تتأقلم مع مخرجات الثورات التي يُطلقها هذا القطاع، وأبرزها الذكاء الاصطناعي. كما يتطلب من العالم أن يمكّن الدول الفقيرة من الالتحاق بركب التكنولوجيا حتى لا تصبح الفجوة في الحداثة فجوةً أخلاقية تنذر بمستقبل غير مستقر. ووفقاً للاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية لعام 2017، فمن المتوقع للتغيير غير المسبوق الذي ستحدثه الثورة الصناعية الرابعة ونماذج الأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن يضاعف حجم النمو السنوي لاقتصاد الدول ويرفع كفاءة القوى العاملة بنسبة 40% بحلول عام 2035. واستشرف الاجتماع ارتفاعاً كبيراً للاقتصاديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث توقع أن يبلغ اقتصاد التنقل الذاتي (المركبات ذاتية الحركة) 7 تريليون دولار وأن يساهم إنترنت الأشياء وحده بحوالي 10 إلى 15 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى السنوات العشرين المقبلة. وفي ما يخص تحسين نوعية حياة المواطنين، فإن بوادر الإيجابيات التي ستتمكن الحكومات من تحقيقها بفضل الذكاء الاصطناعي تتمثل في القدرة على إنقاذ حياة الكثيرين من الحوادث المرورية التي تؤدي لمقتل 1.25 مليون شخص، والتي تتوقع لها منظمة الصحة العالمية أن تصبح السبب الرئيسي السابع للوفاة إذا لم تُتخذ إجراءات مستدامة بشأنها، فالسيارات ذاتية القيادة قادرة على إنقاذ الأرواح وتوفير خسائر بنسبة %3 من الناتج المحلي الإجمالي في معظم البلدان. إضافة إلى ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على تحسين قطاع التعليم وتوفير أنظمة فائقة التطور من خلال توفير معلم آلي لكل طالب، كما أنه قادر على تحقيق تغييرات جذرية في مختلف القطاعات، بتكاليف أقل وكفاءة أعلى، وقد تصل الإنجازات إلى إيجاد حلول لتحديات عالمية شديدة التعقيد كالتغيرات المناخية، والزيادة السكانية، والرقابة على البيئة والمسطحات المائية من خلال الطائرات الصغيرة الذكية. الإمارات والريادة في قطاع الذكاء الاصطناعي حققت دولة الإمارات الريادة في اعتماد الذكاء الاصطناعي كوسيلة أساسية للارتقاء بالأداء الحكومي بمسؤولية وأخلاقية عالية. فقد أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي في عام 2017 للارتقاء بالأداء الحكومي، وهو أول مشروع ضخم ضمن مئوية الإمارات 2071، وتعد هذه الاستراتيجية الأولى من نوعها في المنطقة والعالم. كما أطلقت حكومة الإمارات ضمن فعاليات الاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية مشروع بروتوكول الذكاء الاصطناعي ليتبنى سن التشريعات في هذا الشأن ولتصبح دولة الإمارات أول مختبر مفتوح لتطبيق بروتوكول الذكاء الاصطناعي في العالم. وتم تعيين معالي عمر بن سلطان العلماء أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي في عام 2017.