المُعلِّم اسم فاعل من الفعل (علَّم)، وهو عضو فاعلٌ والركيزة الرئيسة في بناء الأمم والحضارات، فهو القائم المخلص الأمين على التعليم، الحريص على نشر العلم، والمعلم الحقُّ هو الذي يسير في ركب العلماء ومعيتهم، ويسلك دروبهم ليرتوي بالعلم وينهل من أنهاره، يقول نبينا الكريم (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ؛ لَمْ يَرِثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ). فكلُّ مَنْ له علاقةٌ بالعلم والعلماء؛ المعلم والعالم والمتعلم وطالب العلم كلُّهم – بإذن الله تعالى – ممَّن يفوزون برضاء الله تعالى، ويقول ربنا تبارك وتعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]. فالإسلام دين العلم النافع، فأول كلمة نزلت من القرآن (اقرأ)، والقراءة من أهم سبل التعليم وتحصيل العلم، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)[العَلَقُ:1]. يقول نبينا الكريم (طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم)[شعب الإيمان:1663]، وقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم : اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: (بالعِلمِ والمالِ يَبني النّاسُ مُلْكَهُمُ/ لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ) فتحية إجلال وتقدير ومودة لكل معلم أخلص في مهنته وعمل على نشر العلم النافع، فعلى أكتاف هؤلاء المعلمين تنهض الأمم وبفضل جهودهم تُبنى الحضارات، وتنتشر الفضائل ومكارم الأخلاق، ولذلك حرص كثير من خلفاء الدولة الإسلامية على تشجيع العلماء وتكريمهم وحرصوا على أن يوكلون إلى المعلمين تربية أبنائهم وإعدادهم للخلافة أو الإمارة أو القيادة، فسادوا الأمم وبنوا أعظم حضارة إسلامية عربية إنسانية لا ينكر فضلها إلا الحاقدون أو الجاهلون، فقد كان الخليفة يمنح مكافأة لمن يترجم كتابًا مفيدًا للعربية؛ يعطيه وزن الكتاب ذهبًا، وكان الخلفاء والوزراء والأمراء يرعون ويشهدون المناظرات والدروس العلمية، قال الإمام مالك رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). إنَّ الدول المتقدمة فطنت مبكرًا إلى فضل المعلم، وعرفت له حقه ودوره وأهميته في المجتمع المتحضر، فرفعت مكانته وأعلت شأنه؛ ماديًّا ومعنويًّا، ووفَّرت له مقومات البيئة الصالحة للتعليم ونشر العلم، ودعمته بكُلِّ ما تستطيع من وسائل الدعم وأنواعه، فلم يُخيِّبْ المعلم أو العلم أو التعليم ظنَّهم وتحقق أكثر ما يرجون، فاستعادت تلك الدول المتطورة أضعاف أضعاف ما استثمرته في التعليم ودعم المعلم والعلماء، فبنت حضارات يُشار لها بالبنان بفضل المعلم والتعليم. وأنتهز هذه المناسبة العطرة الطيبة المباركة وأحيي المعلمين المخلصين في عيدهم، وأشد على أيديهم في بلادنا العربية والإسلامية، فإنَّ كثيرٌ من الناس ليعترف بفضلكم ولا ينكر دوركم، وننتظر منكم مزيدًا من العطاء والوفاء والجهود المخلصة النافعة لبلادكم ولطلابكم، يقول نبينا الكريم (مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)[مسند الإمام أحمد:7504] وأقول لكم: إنَّ ثوابكم وحقكم كفله لكم ربُّكم ودينكم، ولن تنساه أوطانكم – إن عاجلاً أو آجلاً – كم لن ينسى ذلك الحق المبين أبناؤكم من طلاب العلم والتعليم الذين صنعتم منهم رجالاً ولبنات قوية في بناء صروح الأوطان والبلدان العربية والإسلامية، والله أسأل أن يسكنكم الفردوس الأعلى جزاء لما قدمتم للعلم وطلابه، فكونوا – بفضل الله تعالى – معلمين علماء، يقول تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر:28] هنيئًا لكم في يوم عيدكم، والله أسأل أن يجعلنا في معيتكم، وأن يحفظكم ويرعاكم ويعينكم ويبارك فيكم وينفع بكم، ويزيدكم من فضله وعلمه ورضاه، كل عام أنتم في خير وطاعة وسعادة ورضا من الله تعالى ورضوان.