قالوا عن البخاري وصحيحه: صحيح البخاري المسمى ب«الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه» هو أشهرُ كُتُبِ الحديث النبوي قاطبةً. بذل فيه صاحبُهُ جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مُدَّةُ رحلته الشَّاقَّةِ في طلب الحديث. ولقد أثنى على الإمام البخاري غيرُ واحدٍ، بل غير جماعة من العلماء والمحدِّثين الكبار، واعترَفوا له بالسَّبق والفضل، وعرَفوا قدْره ووَزنه العلمي، وخاصة في معرفته للأسانيد، وحِفظه الغزير لحديث رسول الله وقد قال عنه الإمام أحمد بن حنبل :"ما أخرَجت خراسان مثله(1)، قال الترمذي: لَم أرَ بالعراق ولا بخراسان في معنى العِلل والتاريخ، ومعرفة الأسانيد – أعلمَ من البخاري، وقال ابن خُزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلمَ بحديث رسول الله ، ولا أحفظَ له من محمد بن إسماعيل البخاري"(2). وقال الحافظ:"وقد رأيت الإمام أبا عبد الله البخاري في جامعه الصحيح قد تصدَّى للاقتباس من أنوارهما البهية يعني: الكتاب والسنة تقريرًا واستنباطًا، وكرع من مناهلهما الروية انتزاعًا وانتشاطًا، ورُزق بحسن نية السعادة فيما جمع؛ حتى أذعن له المُخالف والمُوافق، وتلقَّى كلامه في الصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق"(3). وقال الحافظ ابن كثير:"وأجمع العلماء على قبوله يعني: صحيح البخاري وصحة ما فيه؛ وكذلك سائر أهل الإسلام"(4). وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى:"وأمَّا كتابه الجامع الصحيح فأجلُّ كتب الإسلام بعد كتاب الله..."(5). وقال أبو عمرو ابن الصلاح في علوم الحديث بعد ذكره أنَّ أول مَنْ صنَّف في الصحيح البخاري ثم مسلم:"وكتاباهما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله العزيز" ثم قال :" ثم إنَّ كتاب البخاري أصحُّ الكتابين وأكثرهما فوائد"(6). وقال النووي:"اتَّفق العلماء على أنَّ أصحَّ الكتب بعد الكتاب العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما؛ وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صحَّ أنَّ مسلمًا كان ممَّن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنَّه ليس له نظير في علم الحديث"(7). وقال الحافظ عبد الغني المقدسي:"الإمام أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخاري صاحب الصحيح إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام"(8). وقال الإمام الشوكاني:"أجمع أهل هذا الشأن أن أحاديث الصحيحين أو أحدهما كلها من المعلوم صدقه المتلقى بالقبول المجمع على ثبوته وعند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة ويزول كل تشكيك وقد دفع أكابر الأئمة من تعرض للكلام على شيء مما فيهما وردوه أبلغ رد وبينوا صحته أكمل بيان"(9). وقال أبو العباس الدعولي: كتب أهل بغداد إلى البخاري:…المسلمون بخير ما حييت لهم.. وليس بعدك خير حين تفتقد(10)، وقال رجاء بن مرجى: فضل محمد بن إسماعيل (يعني في زمانه) على العلماء كفضل الرجال على النساء وهو آية من آيات الله يمشي على الأرض. وقال الفلاس:كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث. وقال يحيى بن جعفر البيكندي: لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم.وقال الدارمي: رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل. وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: سمعت أكثر من ثلاثين عالمًا من علماء مصر يقولون حاجتنا في الدنيا النظر إلى محمد بن إسماعيل(11). ونقول لمَنْ يُحاول جاهدًا مُضيعًا وقته وجهده ووقت غيره ممن يثقون فيه؛ صارفًا جهود الأمة إلى محاولاتٍ فاشلةٍ غير مجديةٍ؛ للنيل من البخاري وصحيحه، ننصحك بأن تتعلم من البخاري ومنهجه، لعلك تنال جزءًا ممَّا ناله من مكانة بين علماء الأمة الثقات، وحسب البخاري – رحمه الله – اجتهاده حسب ما أتيح له من طاقات وقدرات وإمكانات في عصره، ولا نقيس ذلك بما نملك الآن من إمكانات ومنجزات وقدرات، وعلينا جميعًا أن نجتهد ليكون اجتهادنا لبنات بناء تضاف للصروح العظيمة للأمة العربية والإسلامية في ميادين العلم والحضارة الإنسانية، وكفانا جلدًا للذات، ونعوذ بالله أن نكون معاول هدم لما بناه علماء رحمهم الله جميعًا، فلن يصلح خلف هذه الأمة إلا بما صلح سلفها، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، والله الموفق والمستعان. الحواشي: (1) سير الأعلام الذهبي، دار الحديث، القاهرة، ط1، 2006م، (23/437). (2) ينظر:البداية والنهاية، ابن كثير، (11/26)، والحديث والمحدثون، محمد أبو زهرة،(ص354 – 355). (3) فتح الباري ؛ لابن حجر (1/10) . (4) البداية والنهاية، ابن كثير (11/25). (5) طبقات الشافعية الكبرى، السبكي (2/215). (6) ينظر: علوم الحديث، لابن الصلاح (ص18)، ومقدمة شرح النووي (ص14)، والتقريب في فن أصول الحديث؛ للنووي (ص3)، واختصار علوم الحديث، لأبي الفداء ابن كثير، مع شرحه الباعث الحثيث، لأحمد شاكر (1/103). (7) مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي (ص14). (8) ينظر: شذرات الذهب، ابن العماد (2/133)، والجرح والتعديل،ابن أبي حاتم 7/191، وتهذيب الكمال، ابن حجر24/430، وتهذيب التهذيب، ابن حجر 9/47، والتقريب والتيسير، النووي (ص5727). (9) ينظر: ولاية الله والطريق إليها، للشوكاني، (1/218). (10) ينظر: سير الأعلام، الذهبي (23/426)، وتاريخ بغداد، البغدادي (2/22)، وتهذيب الكمال، ابن حجر (24/458). (11) ينظر: إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (1/37).