القارئ والباحث في إتجاه بدايات الخط العربي ، كنموذج إبداعي خاص بالثقافة العربية ، وجماليات الحرف العربي ، لغةُ العرب ، ولغةُ القرآن الكريم يستطيعُ مبدئيا أن يَرصد هذا الإهتمام عبر مراحل تطور الكيان العربي ، بعد تحوله من تجمع بدوي صحراوي ، يعتمد ( القول / الصوت ) كتعبير قديم في نقل الموروث الثقافي قبل نقلة التوثيق كتابةً ، في المراحل المتأخرة التي تشير المُعلقات وغيرها إلي إعتماد التوثيق الكتابي بالحرف العربي كمستند اصبح حقيقة ، ومرجعاً اساسياً من مراجع التراث العربي المكتوب ، وهنا تأتي البدايات الإولي بعد بداية كتابة النص القرآني في المصاحف ، لتأتي بعد ذلك مراحل متتابعة في وضع أصول وقواعد لكتابة الحرف العربي ، حتي تُنشأ مدارس تُعني بالتدريس والتطوير والإضافات الجمالية لنصل مع بدايات القرن الماضي إلي يقظة غير عادية بعد جمود دام واستمر عقودا ، لمذاهب ومدارس نشأت وأصابها جمودا، ومع بدايات الإنفتاح علي الثقافات البصرية في الفن التشكيلي ومدارسه ومذاهبه ، وجد الخطاط العربي براحاً واسعاً وكبيراً ، يُمكنه من إبدعات تُخرجه من الكلاسيكيات القديمة المتوارثة والإنحصار في قديم وجب تغييره وتحديثه ، و صار من الواجب تَعديه والقفز فوقه ، لإضفاء اللمسة الجمالية بصور ونماذج إحترافية تهيئُ للمتلقي رؤية بصرية وفكرية جديدة من خلال تراثه التليد وعشقه للحرف العربي ، وما في التراث العربي المُستمد قيمتهِ من قوة وعمق وقداسة وجلالة النص القرآني ، بجانب الحِكم والأقوال المأثورة . وقبل ان نمضي إلي المشوار الإبداعي للخطاط العراقي القدير نذكر تعريفا سريعاً عنه فهو : رجب نورالدين حسين اسم الشهره " رجب كركوكلي " مواليد 1965العراقكركوك . وقد ولد الخطاط رجب كركوكلي في منطقه شعبية ومن عائلة يتكون من 8افراد ومن عائلة فنية . ولما كان فناننا القدير عراقي الأصل والمنشأ ، والعراق بصفة خاصة فضلا عن تراثها الحضاري والثقافي الضارب في عمق التاريخ ، فإنها في الكتابة والخط بفنونه تعتبر مدرسة عربية تعلمت منها اجيال واستولدت إضافات جديدة علي مر العصور في فنون وتقنيات الخط العربي – لهذا فإننا ننقل فقرتة التالية عن بدايات قديمة عن الخط العربي في العراق التي يقول فيها : " قبل الف عام ظهرالخطاط البغدادي علي بن هلال (المعروف بابن البواب )الذي ابتكر خط الثلث ثم جوده ابن مقله ثم طوره (ياقوت المستعصمي) وبظهورالخطاطه الجليله (زينب الابرية) الملقبه ب الشهده . وملا على الفضلي وصبري الهلالي والاستاذ (محمد هاشم البغدادي .عميد الخط العربي ) ويعتبر هاشم مدرسة من اجود المدارس البغدادية وثم انتقل المدرسة البغدادية الى الاستاذ الكبير عباس البغدادي ومن اشهر تلاميذه الاستاذ مثنى العبيدي والاستاذ نبيل الشريفي وطارق الوسي " . وننقل عن ال " يوكيبيديا " ما قد يكون عونا لنا في نظرة الطائر التي سنُلقيها بعد قليل علي إبداعات خطاطنا العراقي / رجب كركوكلي " الخط العربي هو فن وتصميم الكتابة في مختلف اللغات التي تستعمل الحروف العربية. تتميز الكتابة العربية بكونها متصلة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب. يقترن فن الخط بالزخرفة العربية حيث يستعمل لتزيين المساجد والقصور، كما أنه يستعمل في تحلية المخطوطات والكتب وخاصة نسخ القرآن الكريم. و قد شهد هذا المجال إقبالا من الفنانين المسلمين بسبب نهي الشريعة عن تصوير البشر والحيوان خاصة في ما يتصل بالأماكن المقدسة والمصاحف. تعددت آراء الباحثين حول الأصل الذي اشتق منه الخط العربي، وهي في مجملها تتمحور حول مصدري اشتقاق أساسيين، الأول: تبناه مؤرخو العرب ويقول بأنه مشتق من الخط المسند، والذي عُرف منه أربعة أنواع هي الخط الصفوي نسبة إلى صفا، والخط الثمودي نسبة إلى ثمود سكان الحِجْر، والخط اللحياني نسبة إلى لحيان، والخط السبئي أو الحميري الذي وصل من اليمن إلى الحيرة ثم الأنبار ومنها إلى الحجاز. الثاني: تبناه المؤرخون الأوروبيون ويقول بأن الخط العرب مشتق من حلقة الخط الآرامي لا المسند، وقالوا أن الخط الفينيقي تولد منه الخط الآرامي ومنه تولد الهندي بأنواعه والفارسي القديم والعبري والمربع التدمري والسرياني والنبطي. وقالوا أن الخط العربي قسمان الأول: كوفي وهو مأخوذ من نوع من السرياني يقال له السطرنجيلي، الثاني: النسخي وهو مأخوذ من النبطي. تلقى العرب الكتابة وهم على حالة من البداوة الشديدة، ولم يكن لديهم من أسباب الاستقرار ما يدعو إلى الابتكار في الخط الذي وصل إليهم، ولم يبلغ الخط عندهم مبلغ الفن إلا عندما أصبحت للعرب دولة تعددت فيها مراكز الثقافة، ونافست هذه المراكز بعضها بعضًا على نحو ما حدث في الكوفة والبصرة والشام ومصر فاتجه الفنان للخط يحسنه ويجوده ويبتكر أنواعاً جديدة منه. كان العرب يميلون إلى تسمية الخطوط بأسماء إقليمية لأنهم استجلبوها من عدة أقاليم فنسبوها إليها مثلما تنسب السلع إلى أماكنها، لذلك عرف الخط العربي قبل عصر النبوة بالنبطي والحيري والأنباري، لأنه جاء إلى بلاد العرب مع التجارة من هذه الأقاليم وعندما استقر الخط العربي في مكة والمدينة وبدأ ينتشر منها إلى جهات أخرى عرف باسميهما المكي والمدني. لم ينل الخط العربي قدرًا من التجديد والإتقان إلا في العراق والشام، وذلك بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في العصر الأموي ثم ورثتها الدولة العباسية، وفيهما نشطت حركة العمران فظهرت الكتابات على الآنية والتحف واعْتُني بكتابة المصاحف وزخرفتها. كانت الأقلام الخطوط في العصور الإسلامية المبكرة تسمى بمقاديرها كالثلث والنصف والثلثين، كما كانت تنسب إلى الأغراض التي كانت تؤديها كخط التوقيع أو تضاف إلى مخترعها كالرئاسي نسبة إلى مخترعه، ولم تعد الخطوط بعد ذلك تسمى بأسماء المدن إلا في القليل النادر. قام العرب والمسلمون بابتكار أنواع عديدة من الخطوط العربية، أشهرها: الخط الكوفي وهو أقدم الخطوط، وخط النسخ الذي استخدم في خط المصاحف، وخط الثلث وسُمي بذلك نسبة إلى سُمك القلم، وخط الرقعة وهو أكثر الخطوط العربية تداولًا واستعمالًا، وخط الديواني نسبة إلى دواوين السلاطين، والخط الفارسي نسبة إلى فارس. استمر تطور الخط العربي في العصر الحديث بعد سقوط الدولة العثمانية، فقام الخطاطون العرب بابتداع أنماط وخطوط هجينة اختلطت فيها أنماط الخط،[63] ومن ذلك خط التاج الذي ابتدعه الخطاط المصري محمد محفوظ، الذي كان يعمل خبيرًا فنيًا بالمحاكم في عهد الملك فؤاد، وسميت بحروف التاج لأن الفكرة كانت فكرة صاحب التاج ملك مصر الأسبق فؤاد. وهو عبارة عن افشارة كأنها لام ألف مقلوبة مقوسة وموضعها فوق رأس الحرف على غرار الحروف الكابيتال في اللغة الإنجليزية، وذلك ليهتدي القارئ لما ترمى إليه الجمل أو الكلمات، وقد رجح استعمالها في حروف خط النسخ لأنها أجمل وقعًا عليه من سائر الخطوط الأخرى. " أضاف خطاطو العصر الحديث بعدًا جماليًا جديدًا للخط العربي، فأصبح الخط العربي فنًا تشكيليًا له عناصره ومقوماته الخاصة به، حيث يمكن أن تتم اللوحة كتابة وتكوينًا باستخدام الألوان المتعددة، أو اللون الواحد بدرجاته، أو اللونين أبيض وأسود أو غيرهما، كما يمكن أن تكون الكتابة جزءًا من اللوحة التشكيلية، أو أن تكون الحروف في لوحة ما عناصر لا تتعلق بالمضمون، أي أن الحروف هنا تكون أشكالًا وهياكل متممة للوحة فقط.[66] كما ظهر في العصر الحديث توجُّه للاعتماد على الكمبيوتر في المساعد على الكتابة العادية، ويعتقد الخطاطون أن هذه البرامج تساعد على الكتابة، أما الخط فلا يمكن أن يكتبه بإتقان إلا متعلم للخط يلم بفنون كتابته، وبالنسب العليمة للحروف . . " ******* ربما يكون هذا مُدخلُنا أو مُنطلقنا لإلقاء نظرة علي إبداعات هذا الفنان الذي بدأ عشقه للخط من طفولته ، فكما تقول سيرته الذاتية ، نشأ في أكناف اسرة فنية ، ويذكر : " منذ عام 1985بدأت امارس الخط وبتقليد خطاطين العمالقه امثال هاشم البغدادي ويوسف ذنون وعباس البغدادي .وساعدني في تطوير موهبتي منذ بدايتي الخطاط شاهين كركوكلي ولحد الان واعتبره معلمي الاول .وساعدني كثيرا الاستاذ الخطاط المحترف ايوب قوشجى في تطوري حيث كان يتابعني بشكل يومي فجزاهم الله خيرا . وفي عام 1990عملت مع الاستاذ الخطاط اكرم صابر لمدة اربعة اعوام وبعد ذالك عملت مع الخطاط المبدع عبدالملك وابنه استاذ احسان عبدالملك .وفي عام 1996فتحت مكتب خاص لي باسم (رجب كركوكلي)ومازلت امارس مهنتي لحد يومنا هذا . " ******* إذن هو نشأ وكان الحرفُ ولا زال عماد حياتهِ ومحورِها الأساسي ، فقد سكن الحرف في وجدانه ونما وترعرع في مخيلته الفكرية والبصرية ، حتي أثمر إبداعات تُدلل عليها شواهد عديدة فهو يقول : " لديا عدة الشواخص في كركوك من واجهات المساجد والعمارات من الرخام " . فضلا عن : " تم تكريمي … * بشهادة الابداع من جمعية الخطاطين كركوك . * وقلادة الابداع من رابطة لؤلؤ للابداع الفني . * ودرع الابداع من تجمع المنظمات المدنية وعشرات الشهادات الشكر والمشاركه . * اقمت معرضي الشخصي الاول بعنوان (سمفونية الحروف) برعاية جمعية خطاطين كركوك حيث نال استحسان الجميع . والمعرض الثاني بعنوان ( سلاما ياعراق )برعاية وزارة الثقافة .بيت الثقافي في كركوك .وكان معرضا ناجحا على مستوى عالى . إذن نحن امام فنان ملكَ ويَملكُ قدرات وادوات ومراجع من الطفولة والصبا من خلال المنشأ في البيت الذي عشق الفن والبيئة التي ينعكس عليها الفن بصورة من الصور إذن هو لديه مرحل بصرية ممتدة غاصت وتجزرت في اعماق فكره ووجدانه من البدايات الإولي اخضعها في تطور نشأته وتعيلمه لتجارب وصقل من خلال محاولات إولي بسيطة إرتقت فيما بعد تعليميا ومنهجية فصارت لديه تجربة ومخزون بصري ثقافي عن جماليات موجودة في الخط العربي أدّركها ، وصار ذلك المخزون هو مَعِين إبداعاته لاحقاً . ومن خلال ثقافته وإبحاره الدائم ، ورغبة لا شعورية كانت هي الحافز الدائم لتحقيق تفرد وتميز يتناسب مع ثقافته البصرية والفكرية لِينهج ويشِق طريقاً يحمل بصمته الخاصة في المزج الواعي بين دلالات جمالية إرتأها في شكل وحركة وإنحناءات وإستدارات الحرف العربي ، والإيقاع الهارموني الناشئ عند تكوين مفردة الكلمة العربية المكتوبة بالكلاسيكيات المتوارثة والزخارف المُلحقة بها ، كل هذا التنوع الجمالي البصري ، رأي أنهُ يمكن أن يزداد تآلقا وجمالا وخصوصية أوقع مع الحداثة التي أضفتها مذاهب ومدارس الفن التشكيلي من بدايات القرن الماضي ، والتي سبر اغوارها ومعطياتها وتكنيكات عناصرها المعروفة من تكوين وإضاءة وظلال ، و درجات ألوان ..الخ ، بهذا الإدراك الواعي والثراء الفكري والبصري ، إستطاع فناننا أن يخطو بل يقفز قفزات محسوبة ، ويحقق نجاحات كبيرة ورائعة في كل إبداعاته التي تشهد عليها ما إستعرضناه عاليه . سنلحظ في اعماله المتاحة لنا ، بعضاً من شغفه بهذا المزج الجميل ، وإستخدام تقنيات ونماذج مبتكرة لكتابة الجملة بحروف أخضعها للرؤية البصرية لها كتكوين ، فالحرف يمتد ويعلو ويستدير ، وينحني ، وينعكس في بساطة وسلاسة وهارمونية بصرية تخاطبُ العين وتُحقق لها إمتاعٌ بصري في حميميةٍ ، ودعةٍ لنقل إحساس روحي شفيف و دافق ، لعمقٍ كامن في العبارة أو الجملة أحسه المبدع فَعكف علي ترجمتهِ إلينا بوسائلهِ و تقنياتهِ الخاصة . والنظرة السريعة والعامة لما بين ايدينا من لوحات تشير بوضوح إلي ان الفنان يعتمد " شكل " الحرف العربي ، كأيقونة رئيسية في تكوينات لوحاته قبل العبارة أو الكلمة ، وذلك يعني في مضمونهِ ومُجملهِ ليس فقط حبه وعشقه للحرف العربي ، لكن ايضاً " وَضَاءة " هذا الشكل الجذاب كنعصر جمالي عند " كتابته أو رسمه " في صورة أو هيئة إبداع جمالي بصري ، تماماً ، كَغصِ أو ورقةِ الشجرة أو ملمحاً جمالياً في وجه الإنثي ، أو المنظر الطبيعي "Land scape " ، او التيمة السوريالية أو التجريدية تلتقها العين وتُئولُها " الثقافة البصرية أو الفكرية " لدي المتلقي . فإذا كان هذا الحرف وحدة من مكون رئيسي هو الكلمة أو العبارة ويحملُ قدسية ما لإقتطاعِها من سياق أية قرآنية أو حكمة أو قول مأثور ، أمكن بهذا " الفهم " من المبدع أن يأخذنا لعمقٍ أبعد ، وفهمٍ اقوي وأحدث ودلالات مختلفة ومغايرة لمفهومنا القرائي السابق . وتأتي الإضافات التشكيلية بعناصرها المختلفة التي يجيدها الفنان ويطوعها بحرفية ومهارة مُتقنة لتضفي وتضيف دلالات عصرية للحرف والخط العربي من جهة ، ومن جهة إثراء وتنويع للصورة البصرية التشكيلية وبلمسات فنان تتسع إدركاته وملكاته الفكرية بالتوازي مع مقدرة علي تطويع العناصر التشكيلية من مذاهبها ومدارسها المختلفة والمتنوعة لتحقيق لوحة وعمل بصري يتصدر الحرفُ والخط العربي كا مُكونّ رئيسي وأساسي . الخطاط والفنان العلراقي القدير / رجب كركولي ، اعماله تُسهم في الحداثية لجديدة وتحديث المتوارث المعروف عن الخط العربي ، بوجه عام وتضيف تقنياته الخاصة به ابعاداً وبصمة تحمل إسمه ، وتُدلل عليه وتشير مساراً يحمل إسمه ، وبلده العراق ، البلد الذي جعل للحرف العربي عمادة واصولية من خلال المدارس والمذاهب التي نشأت علي أرضه ، وتثمر جيلا بعد جيل اقطاباً يحقق الريادة الدائمة في تراث العرب الإبداعي . نترك السطور قليلاً ، ونخطو في إتجاه بعض اعماله المتاحة لدينا وامامنا لمزيد من التيقن من قدرات هذا الفنان المبدع حقيقةً .