لقد لخَّص العلماء بعض عيوب هذه المدرسة ومنهجها فيما يأتي(1): أولاً : الاعتماد على الحدس : فكثيرٌ من العلماء يرون أنَّ " الحدس شيءٌ غير علمي ، ولا تخضع للملاحظة المباشرة ، بالإضافة إلى أنها متغيرة وغير جديرة بالثقة "(2). ثانيًا : الاعتماد على الاستبطان : فبعض العلماء يرون أنه من الاستطاعة أن نستبطن أشجار التركيب السطحي مكوناته المرتبطة بجملنا لكننا لا نستطيع أن نستبطن تراكيبها العميقة، وممَّن ذكر ذلك العالم اللغوي (سامبسون)(3). ثالثًا : الاختلاف حول الظاهر والباطن : وخاصة اللغة الإنجليزية !! وأمَّا اللغة العربية فالأمرُ فيها واضحٌ ، فقد اعتمد النُّحاة العرب أصل الجمل ( مبتدأ وخبر) (فعل وفاعل) ، وما زاد على ذلك فيعتبر بنية سطحية(4). رابعًا : صُعوبة تطبيق المستويات الأربعة للقواعد التحويلية : حيث من الصعب إذا أراد المتكلم صياغة جملة ؛ أن يبدأ في تطبيق القوانين الأساسية ، ثم القوانين المفرداتية ، ثم يطبق القوانين التحويلية ، وينتهي به المطاف بعد ذلك إلى تطبيق القوانين المورفيمية الصوتية ، وهذا بالطبع يستغرق وقتًا طويلاً إذا طبقته مع كل جملة ، وقد لا تتكون لديه جملة إطلاقًا ، وإذا ألزمناه بتطبيق هذه المستويات صارت القواعد التحويلية معيارية(5). خامسًا : عدم وجود قواعد تحويلية للغة ؛ وذلك لأنَّ هذه القواعد هي في أساسها فرضية قائمة على الحدس والتخمين . وبعد فقد أتت التوليدية (البنيوية التحويلية) في ثوبها العقلاني الفلسفي لتُعيد للدَّرس اللِّساني العربي جوهره الفكري . وكانت بداية عمل الدارسين هو البحث عن مواطن التَّشابه بين اللغويات العربية القديمة والدراسات التوليدية الحديثة. ولقد أسهم التَّطور المُتسارع للنماذج التوليدية في خلق اعتقاد راسخ بالتماثل بين المنهج الشومسكاوي والمنهج النحوي القديم لدى اللسانيين ، فراحوا يبحثون في ثنايا هذا الأخير عن مظاهر تحويلية وتوليدية . وهكذا نجد الدكتور عبده الراجحي يحدِّثُنا عن " الجوانب التحويلية في النحو العربي "، والتي حدَّدها في جملةٍ من العناصرِ، هي: (6) 1 قضية الأصليَّة والفرعيَّة التي تُماثل البنية العميقة والسَّطحية في اللسانيات الحديثة . 2 قضية العمل التي نجدها حاضرة في التراثين معًا . 3 قواعد الحذف و الزيادة وإعادة الترتيب. ويُخصص الدكتور حماسة عبد اللطيف بحثًا منفردًا لمعالجة "الأنماط التحويلية في النحو العربي" ، مُتتبعًا سلك التَّحويلات المُختلفة التي تعرض للعربية تركيبًا وإفرادًا(7). في حين يتَّجه مازن الوعر وجهة تركيبية خالصة مُحاولاً تحديد أنماط التَّراكيب الأساسية في العربية في جمع فريد بين مُعطيات النَّحو القديم و مُعطيات النماذج التوليدية(8). وعلى هذا المنوال سارت محاولات الدَّارسين بتقديم المُقترحات التَّحويلية وتطبيقها على التُّراث النَّحوي مُعتقدين تماثلاً منهجيًّا في أُسس التَّحليل . وقد وصل الأمر ببعضهم تأويل هذا التَّماثل بمُطالعة شومسكي لقضايا العربية أثناء بحوثه في اللسانيات العامة وفي النحو العبري(9). الحواشي: (1) ينظر: عبد الله جاد الكريم ، الدرس النحوي في القرن العشرين ، ط1 ، القاهرة ، مكتبة الآداب ، 2004م (ص248) وما بعدها . (2) صبري إبراهيم السيد ، تشومسكي فكره اللغوي وآراء النقاد فيه ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية، 1989م (ص265). (3) المرجع السابق (ص266) . (4) ينظر : محمد الخولي ، دراسات لغوية ، (ص52) . (5) ينظر : محمد علي الخولي ، قواعد تحويلية للغة العربية ، (ص47) . (6) عبده الراجحي ، النحو العربي و الدرس الحديث (ص142) . (7) حماسة عبد اللطيف ، الأنماط التحويلية في النحو العربي (مرجع سابق) . (8) مازن الوعر، نحو نظرية لسانية عربية حديثة لتحليل التراكيب الأساسية في اللغة العربية ، دار طلاس ، دمشق، الطبعة الأولى ، 1987م . (9) حماسة عبد اللطيف ، الأنماط التحويلية في النحو العربي ، (ص11) .