( فى الشده المستنصرية.. الشده العظمى ) ……….. رصد المؤرخ الكبير تقى الدين أبو العباس أحمد بن على المقريزى فى كتابه " إغاثة الأمة بكشف الغمة" ما يقرب من ستة وعشرون مجاعة وأزمة إقتصادية ضربت المحروسة منذ فجر التاريخ وحتى وفاته عام 1442 هجريه . وقد لخص المقريزى أسباب المجاعات فى مصر ومنها : غياب مياة النيل … وغفلة الحكام وإبتعادهم عن الشعب … وإحتفاظهم بالسلطة لفترات طويلة بكل الطرق الشرعية والغير شرعية . … أبشع هذه المجاعات كانت " الشدة المستنصرية او الشدة العظمى التى حدثت فى الدولة الفاطمية أواخر حكم المستنصر بالله الفاطمى حيث رقد النيل واستمر ساكنا راقدا في الجنوب وكأنه يخرج لسانه الي المصريين ويقول موتوا بجوعكم واروني ماذا انتم فاعلين ؟ …… اعتمد المصريين علي الحكومة الفاطمية كي تنقذهم من الجوع ومن التشرد ولكن الحكومة وقفت عاجزة امام هذه الكارثة الطبيعة ولم تفعل شيء يذكر مما ادي الي ……… نتائج مروعة وكثيرة : فقد تصحرت الأرض… وهلك الحرث والنسل ….. وغلت الاسعار فقد وصل سعر رغيف الخبز الي خمسة عشر دينارا وهو مبلغ كبير في هذه الايام …. .. وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة ما أكلوها … ظهر تشكيل عصابي يخطف الناس بكلاليب (خطاطيف ) من اعلي المباني واذا مر علهم شخص يخطفونه الي اعلي ثم يذبحونه ويأكلونه وعرف هذا الزقاق التي كانت تقوم فيه هذه العمليات بزقاق القتل . .. اضطر بعض اعيان الدولة ان يخدموا الناس لقاء كسرة من الخبز… بيعت حارة باكملها مكونة من عشرين دارا بطبق من الطعام حتي سميت بحارة الطبق..واضطر الناس الي الهجرة من مصر الي الشام والعراق والحجاز.. وخرج الناس جياعا فى ثورة عرفت بثورة الجياع … تظاهرت النساء وكانت قائدة المظاهرة أرملة الأمير جعفر إبن هشام ، وفيها كتب المقريزى يقول : ومن غريب ما وقع ، أن إمراة من أرباب البيوتات كانت تسكن بالقاهرة أخذت عقدا لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة فى أن يعطوها به دقيقا ، وكل يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه ، الى ان باعها احدهم (تليسا ) اى شوالا من دقيق ، فلما أخذته أعطته لمن يحميه من اللصوص فى الطريق . … وصلت المرأة إلى باب زويلة وتسلمته ممن استأجرته للحماية ومشت به قليلا ، فتكاثر الناس عليها وإنتهبوه نهبا ، فأخذت هى أيضا مع الناس ملء يديها لم ينبها غيره ، ثم عجنته وشوته ، فلما صار قرصة أخذتها معها ، وتوصلت إلى أحد أبواب القصر ، ووقفت على مكان مرتفع ،و رفعت القرصة على يديها بحيث يراه الناس ، ونادت بأعلى صوتها : يا أهل القاهرة .. إدعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه ، وأعاد عليهم بركات حسن نظره , لقد حصلت على هذه القرصة بألف دينار …. وصل الخبر للخليفة "فغضب وتوعد " ، وأحضر الوالى وتهدده وتوعده ، وأقسم له بالله جلت قدرته أنه إن لم يظهر الخبز فى الأسواق، يرخص أسعاره ضرب رقبته .. كما ارسل فى استدعاء بدر الجمالي والي عكا ليوليه وزارة مصر وطلب منه القضاء علي الفتنة والانشقاق الذى دب فى الجيش من جراء هذه الازمه .. تولي الجمالى الوزراء فحصن القاهرة …. واعاد بناء اسوارها كما قام بالغاء الضرائب علي اصحاب الاراضي والمصانع والتجارة لمدة سنتين لتخفيف الازمة لترجع الدولة شكلا الي الحياة . في الوقت الذى بدأ النيل في الجريان نحو مصر فتحسنت احوالها الاقتصادية … احب المصريين بدر الجمالى ومن فرط حب الناس له كان الشعب يخرج مهللا له( ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة ) …… وادعو ا لمولانا أسعد الله الناس بأيامه أميمه حسين