إن قضية العنف ضد المرأة له تكلفة باهظة، لا تقع على المرأة الضحية فحسب، إنما تقع بالمثل على المجتمع بأسره الذي يُحرم من المشاركة السوية الكاملة لنصف القوة الفاعلة فيه ألا وهي المرأة، والذي يتعرض في الوقت نفسه للتآكل من الداخل عندما يقوم على بنية أخلاقية وثقافية واجتماعية مشوهة تسمح بممارسة التمييز والإقصاء والعنف ضد نصف القوة الإنسانية المشكلة لهذا المجتمع. وانطلاقًا من إدراك أن قضية العنف ضد المرأة هي قضية ثقافية في جوهرها، وإيمانًا بأهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في تشكيل الأفكار والتأثير في الثقافة الاجتماعية، ومن ثمّ قدرته على خلق ثقافة اجتماعية مناهضة للعنف ضد المرأة داخل المجتمعات العربية. تنظم جامعة الدول العربية قطاع الإعلام والاتصال بالتعاون مع منظمة المرأة العربية يوم الاثنين الموافق 9 فبراير 2015 ملتقى "دورالإعلام في مناهضة العنف ضد المرأة". ويفتتح الملتقى السفيرة د هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد رئيس قطاع الإعلام والاتصال بكلمة ترحيبية تؤكد على أن العنف ضد المرأة لا يشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان فحسب، لكنه أيضاً تترتب عليه تكاليف اجتماعية واقتصادية هائلة، كما أنه يقوِّض مساهمة المرأة في التنمية والسلام والأمن. وهو يشكل أيضاً تهديداً خطيراً بالنسبة لتحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دولياً، وأضافت بأنه إدراكا من جامعة الدول العربية لأهمية الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري والتي تمتلك قدرة هائلة على التأثير في السياسات الاجتماعية والثقافية والمعرفية فقد أولت هذا القطاع أهمية خاصة من خلال قطاع الإعلام والاتصال الذي أكد على أهمية الاتصال المستمر مع وسائل الإعلام في المنطقة العربية لتعزيز دور الإعلام في التأثير في التوجهات العامة تجاه قضايا المرأة . وأضافت أن الجمعية العامة قد قامت في ديسمبر من عام 1999 بتحديد يوم 25 نوفمبر يوما دوليا للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام بتلك المشكلة، كما أطلق الأمين العام للأمم المتحدة عام 2008 حملة بعنوان "اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة"، لتمتد من ذلك العام (2008) إلى العام الحالي (2015) ، من أجل دعوة الحكومات والمجتمع المدني والمنظمات النسائية والشباب والقطاع الخاص ووسائط الإعلام ومنظومة الأممالمتحدة بأسرها إلى توحيد صفوفها في مواجهة العنف ضد النساء والفتيات. وفي العام الماضي (2014) أطلقت الأممالمتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (25/11/2014) حملة بهذا الخصوص امتدت 16 يوما شهدت فعاليات وأنشطة على المستوى العالمي وشاركت فيها الآليات الوطنية المعنية بالمرأة على المستوى العربي وكذلك الآليات الإقليمية ممثلة في منظمة المرأة العربية وجامعة الدول العربية ، كما أكد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في الدورة (69) للجمعية العامة حول خطة التنمية المستدامة لما بعد 2015 على أهمية تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين الفتيات والنساء ومناهضة كافة أشكال العنف ضدهن. وستلقي أيضا السفيرة مرفت تلاوي المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية خلال الجلسة الافتتاحية كلمتها أمام الملتقى مشيرة أن العنف ضد المرأة قضية لها أبعادها الإنسانية والأخلاقية والدينية والاجتماعية والسياسية، وأن مواجهتها تتطلب تكاتفا اجتماعيا يشمل أطرافا عدة منها الإعلام الذي يضطلع بمسئولية كبيرة في تشكيل الثقافة وتغيير التوجهات الاجتماعية إزاء المرأة وصورتها وحقوقها . وأضافت أن المنظمة وعت هذا الدور المهم للإعلام منذ بداية نشاطها وتبنت برنامجًا بعنوان (الإعلام ودعم المرأة) عقدت في إطاره أنشطة عدة، وأصدرت الإستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية بهدف تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي للمؤسسة الإعلامية بما يخدم تقديم رسالة إعلامية تدعم صورة إيجابية عن المرأة العربية، وكذا بناء وتعزيز القدرات الفكرية والمهنية للإعلاميين والإعلاميات بما يمكنهم من التفاعل الايجابي مع قضايا المرأة. وأضافت أن المنظمة لا زالت تتطلع إلى التعاون المثمر مع قطاع الإعلام العربي بما يدعم رسالتها نحو نهوض المرأة العربية. وسيتناول الملتقى عدد من الموضوعات والمحاور من بينها : * صورة المرأة في الخطاب الإعلامي وما تتعرض له من تشويه بدوافع تجارية أو أيديولوجية وأثر هذه الصورة المشوهة في تغذية العنف ضد المرأة في المجتمع. * تقييم تناول الإعلام العربي لحضور المرأة خلال أحداث الربيع العربي وما بعدها، خاصة ما يتعلق بدورها الكبير خلال الثورات ، وكذا ما تعرضت له من عنف مختلف الأشكال تراوح بين الاعتداء والعنف الجنسي والقتل. * دور الإعلام في تغيير الثقافة المجتمعية المتحيزة ضد المرأة وفي مناهضة كل التيارات التي تنتهك كرامتها الإنسانية. * دور الإعلام في إبراز صورة المرأة كمواطنة مهتمة بالشأن العام وبقضايا وطنها الحيوية وكمساهمة في مواجهة هذه القضايا وإيجاد حلول لها. * دور الإعلام في دعم حقوق المرأة ومكانتها في المجتمعات العربية لاسيما في مواجهة الثقافة التقليدية والأعراف والعادات المناهضة للمرأة والتي تعتبر من أهم مصادر العنف ضدها، ودور الإعلام في ابراز الخطابات الإيجابية بشأن المرأة ودورها ومنها الخطاب الديني المستنير . * دور الإعلام في التناول الايجابي الجاد لمشكلات المرأة وأزماتها والحشد والتعبئة الاجتماعية من أجل إيجاد حلول عملية لهذه المشكلات التي رغم كونها مشكلات اجتماعية عامة إنما يقع عبئها الأكبر على المرأة لكونها الأقل في امتلاك الموارد الاجتماعية الرمزية والمادية، وذلك مثل مشكلات الفقر (تأنيث الفقر) والأمية ونقص الرعاية الصحية والخدمة التعليمية خاصة في البيئات العربية الريفية وغير الحضرية بوجه عام. * أهمية تفعيل دور الإعلام في التوعية بالحاجة إلى تحسين البنية القانونية العربية بما يجعلها أكثر إنصافًا للمرأة كإنسان وأكثر حماية لها من كل أشكال العنف، وأكثر تشجيعا لدورها الاجتماعي وانخراطها بشكل متساو في سائر أوجه النشاط والفعالية الاجتماعية. * كيفية تأهيل الإعلاميين وبناء قدراتهم من أجل تمكينهم من التناول المنصف والمتزن لقضايا المرأة. وسيؤكد المشاركون في ختام الملتقى على ضرورة العمل على تحسين صورة المرأة في وسائل الإعلام المختلفة وحماية حقوقها وحمايتها من العنف بمعناه الواسع وبسائر أنماطه، بما فيها الصور الجديدة للعنف التي تطل برأسها الآن، خاصة العنف المتمثل في الإرهاب، وذلك من خلال: * إعداد برامج تثقيفية توضح ضرورة إلغاء التمييز الممارس ضد المرأة وأثره السلبي على الأسرة والمجتمع. * مراعاة تنزيه الدراما العربية وكافة الأعمال الإعلامية عما يشوه صورة المرأة ويحط منها. * الاستفادة الدائمة من الخبراء والمختصين في مجال المرأة وقضاياها عند إعداد المحتوى الإعلامي. * مراعاة تضمين النوع الاجتماعي في المضمون الإعلامي بوجه عام. * بناء قدرات الإعلاميين والإعلاميات في موضوع المقاربة الحقوقية لقضايا المرأة والتوعية بمفاهيم النوع الاجتماعي. * تفعيل المواثيق الأخلاقية الإعلامية في مقاربة قضايا المرأة.