(مَتَى جَعَلَك في الظاهِر مَمْتَثِلاُ لأمْرِه وفى الباطِنِ مُسْتَسْلِماً لِقَهْرِه، فَقَدْ أعْظَمَ المِنَّةَ عَلَيْك). إنما كان من أعظم المنة، لأنه شاهد المعرفة التي هي منتهي الهمم، وأقصي غاية النعم. فامتثال الأمر في الظاهر يدل على كمال الشريعة وتحقيق العبودية، والاستسلام للقهر في الباطن يدل على كمال الطريقة ونهاية الحقيقة، والجمع بينهما هو غاية الكمال، إذ منتهي الكمالات الشرائع، فمتي جعلك أيها الإنسان في الظاهر ممتثلاً لأمره ومجتنباً لنهيه، وفي الباطن مستسلماً لقهره فقد أعظم المنة عليك، حيث أراح ظاهرك من عنت المخالفة وأراح باطنك من تعب المنازعة. أو تقول حيث زين ظاهرك بالطاعة وزين باطنك بالمعرفة، فالواجب عليك أن تشكر هذه النعمة، وتعرف قدرها حتى تعظم محبة الله في قلبك، وذلك أقصى مرادك وقصدك. "والله ذو الفضل العظيم". ومتى أثبت لك هذا الأمر فقد خلصك من نفسك وحررك من رق حظك، فلا تبال معها ما فاتك من تخصيص الكرامات الحسية، لأنها أمور وهمية.