أسعار الجمبري والكابوريا اليوم السبت 4-5-2024 في محافظة قنا    عمرو أديب عن الفسيخ: "مخلوق مش موجود غير في مصر.. تاكله وتموت سعيد"    مصدر ل تايمز أوف إسرائيل: صبر واشنطن مع حماس بدأ ينفد    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024.. عز 24155 جنيها للطن    توريد أكثر من 16 ألف طن قمح بالإسكندرية    أخبار مصر: خبر سار للاقتصاد المصري، فرمان بنهاية شيكابالا في الزمالك، شيرين تثير الجدل بالكويت، أمريكا تطالب قطر بطرد حماس    أسعار الذهب في بداية تعاملات السبت 4 مايو    حسين هريدي: أمريكا لا تؤيد فكرة وقف إطلاق نار دائم في غزة    دبلوماسي روسي ينتقد الاتهامات الأمريكية بتورط موسكو في الهجمات الإلكترونية على أوروبا    بلينكن يقول إن هجوما إسرائيليا على رفح سيتسبب بأضرار "تتجاوز ما هو مقبول    جيش الاحتلال يعتقل 5 فلسطينيين من بلدة سبسطية شمال غربي نابلس بالضفة الغربية    الزمالك يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة سموحة    موعد مباراة الأهلي والجونة والقنوات الناقلة في الدوري المصري    بداية من اليوم.. ممنوع دخول المقيمين إلى مكة المكرمة إلا في هذه الحالة    تصل ل600 جنيه.. سعر اللوحات المعدنية في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    مونودراما فريدة يختتم لياليه على مسرح الطليعة في هذا الموعد    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين التنوع الفكرى والثراء الفني - قراءة نقدية في مسرح د/ ملحة عبد الله
نشر في شموس يوم 02 - 08 - 2014

ماذا ينقص المسرح العربي كي يفيق من غفوته ؟ هل هو الكاتب المسرحى أم الممثل أم الجمهور ؟ أظن أن لدينا كل المعطيات السابقة وقد يقول بعض النقاد إن السبب يكمن في هيمنة الفضائيات وثورة الاتصالات وغيرها من التقنيات العصرية التي أبعدت الجمهور عن المسرح لكن المسرح يظل متمتعا بخصوصية لا ينافسه فيها أحد وهي تلك الصلة الحميمة الدافئة بين الممثل والجمهور , هذا التلقى الفورى الساخن الذي يفجر كل الكوامن في الممثلين والجمهور وأعتقد أن الكاتبة والناقدة المسرحية السعودية الدكتورة ملحة عبد الله متمسكة بهذه الخصوصية وقد يفسر ذلك سر اهتمامها الذي يصل إلى درجة العشق بالمسرح وكل مفرداته ومن ثم كان هذا الإبداع المتنوع والمتجدد من مسرحيات طويلة ومسرحيات قصيرة ويتسم مسرح ملحة عبد الله بأنه مسرح قضية بمعنى أنه مسرح يثير القضايا ويطرح الأسئلة ولكن من خلال سياق درامى يأخذ بتلابيب عقل المتلقى ووجدانه , ومن البديهى أن المسرحيات تكتب لتعرض أى يتم الأداء من خلال الممثلين عبر رؤية إخراجية لكن ما تم عرضه من مسرحيات الكاتبة قليل جدا إذا تم مقارنة ذلك بحجم إبداعها كما أن الكاتبة تجدد وتجرب في مشروعها المسرحى من خلال البناء واللغة والأحداث والشخصيات وحسب مقتضيات الفعل الدرامى تتنوع اللغة بين العامية والفصحى . . إن الكاتبة ملحة عبد الله تقوم بفعل الريادة في مشروعها المسرحى وهذا قدرها وكما فعل توفيق الحكيم فى مصر تحاول الكاتبة أداء هذا الدور في السعودية .
أن فعل الريادة يتطلب من الكاتب أن يعى اللحظة التاريخية التي يحياها بكل ألوانها الاجتماعية والسياسية والثقافية أى اللحظة الحضارية بكل عناصرها وهمومها وتحدياتها وهكذا فعلت الكاتبة وهى تؤدى دورها الريادى الذى سارت فيه وهى تحاول أن توازن بين حرية وجموح الفن المسرحى والمحافظة على الخصوصية الثقافية والحضارية وذلك يشكل نوعا من التحدى والمعاناة ويبدو أن الكاتبة قد استوعبت ما تريده جيداً فجاء مشروعها المسرحى متسقاً مع
1
قناعاتها الفكرية ومبلوراً لهمومها الإنسانية ومن خلال استجلاء إبداعات الكاتبة على مستوى
القراءة يمكن أن نستبين هذه الفرضيات التي طرحت مع أن النصوص المسرحية للكاتبة لا تكتمل تماماً إلا بعد عرضها ومن ثم كل من يقرأ نصاً للكاتبة يقوم بعميلة إخراجية تعتمد على مخيلته وبهذه المحاولة تتعدد القراءات وتتنوع طرائق التفسير وقد يعطى ذلك نوعاً من الثراء والتعددية كما يبدو من الصعوبة بمكان أن نتناول كل مسرحيات الكاتبة في قراءة واحدة ولكن في مثل هذه الحالة تكون القراءة الانتقائية هي الأكثر تناسباً للوصول إلى سبر أغوار الخصائص الجمالية والمعرفية للنصوص ومن ثم الملامح الفكرية والتقنيات التي يعتمد عليها مسرح الكاتبة ملحة عبدالله.
في مسرحية " صهيل " وهي مسرحية قصيرة وقد يطلق عليها البعض مسرحية الفصل الواحد وقد جاءت باللغة العامية " العامية المصرية " تطرح
المسرحية قضية العلاقة مع الآخر أو العلاقة بين عالمين ؛ عالم أول متقدم ومهيمن وعالم ثالث نام , تصور الكاتبة هذه العلاقة ببراعة فنية درامية من خلال الأحداث الدرامية التي تحدث بين مبروك وزينب من جهة والدكتور التابع لكل من حنا ودافيد والمؤسسة التي تمولهم وتخطط من جهة أخرى , إن مبروك وزينب يمثلان العالم الثالث نام بكل أبعاده وهمومه . . والآخرون يمثلون العالم الأول بكل جبروته وروحه الاستعمارية فنحن لا نمثل لهم سوى حقل تجارب يفعلون فيه ما يريدون , المهم ان يكسبوا مهما كانت خسارة العالم الآخر , إنها نفس النظرة الإستعمارية القديمة ولكن من خلال أسلوب جديد يرتدى زى البحث العلمى , أنه أيضاً الصراع بين ثقافة وحضارة لها خصوصيتها وهذا الجموح اللاإنساني الذى لا يراعى أية خصوصيات بل يدوس ويدمر كل شئ يقف في طريقه .
الدكتور : لكن ..... منين هنختار العينة المسألة صعبة
دافيد : مافيش صعب مسيو أبراهام ولازم ننجز ده بسرعة
حنا : أسمع يا دكتور المؤسسة مستعدة لدفع أى تكاليف
الدكتور : المسألة مش الفلوس ... المسألة في طبيعة الناس هنا مش ممكن تتقبل بسهولة التجربة ونتائجها خاصة أنهم لسه شعوب متخلفة حضاريا .
حنا : واحنا ما نقدرش نعمل ده عندنا لأن الإنسان المتحضر يرفض إخضاعه للتجربة
2
وبالتالي مش هنلاقي العينة لكن هنا العينة كثيرة ...
يكشف هذا الحوار عن هذه العلاقة غير المتكافئة بين العالمين , عالم يمثل حقلا للتجارب ومكانا للحصول على العينات التي يحتاجها لأبحاثه العلمية المغرضة أما هم بشر متحضرون يرفضون الخضوع لأية تجارب وليس لديهم صعوبة في تحقيق أهدافهم طالما هم الأكثر غنى ومالأ وقوة إنه منطق القوة العمياء الذي يهزم في النهاية على يد الذكاء الفطرى المتمثل في مبروك , لقد كان مبروك واعيا بكل ما يخططونه ومن ثم انتصر في النهاية وكأن الكتابة ملحة عبد الله تؤكد على الوعى والمعرفة في صراعنا مع الآخر, إن الغرور قد سيطر عليهم وأعماهم فكانت النتيجة هذا الخطأ العلمى الذي كلفهم الكثير وهذا ما يظهر في نهاية المسرحية .
حنا :المنظمة من خلال تحليل عينات الدم اكتشفت اكتشاف مثير مصيبة
الدكتور : خير .
دافيد : لو أن الأجنة أتولدت هتنقسم كل خمس دقائق وده معناه أن الكرة الارضية تمتلاْ عن بكرة أبيها بالأطفال بعد اقل من شهر .
الدكتور : إزاى :
ديفيد : طبعا انقسام كل خمس دقائق يعنى 288 انقسام في اليوم يعني الساعة الواحدة يبلغ عدد الاطفال أربعين ألف وتسعمائة وستين طفل .
مبروك : كام ؟ .
حنا : شوف بقى في اليوم يبقى قد أيه مع مضاعفات الأرقام 288 انقسام أرقام بتسع أصفار ده غير ان سعادة الدكتور كان بيحقن الحالة بهرمونات النمو يعنى ممكن الهرمونات دى تخليهم يكبروا بسرعة شفت الكارثة اللى أنت سببتها للبشرية كلها .
مبروك : مليارات الأخوة ... وكلهم شبهى .
الدكتور : شفت المصيبة .
حنا : أنت بجهلك العلمى سببت كارثة على الأرض فين البنت لازم نقتلها قبل المصيبة دى ماتم .
3
مبروك : البنت هربت وخلاص وأخيرا انتصرنا عليكم ... لأن البنت هربت زمانها ولدت .
يكشف الحوار عن كتابة متمرسة في التعامل مع اللغة وكيف تلونها وتشى بإيحاءات متعددة والحوار مشحون بالصراع ومتفجر بهذه الأزمة التي نجحت الكاتبة في صناعتها ونجحت في طرح سؤال العلاقة مع الآخر وقد جاء ذلك من خلال بناء درامى يتسم بالتكثيف والقدرة على صناعة الشخصية دون افتعال ولم يأت شئ مجانياْ حتى أسماء الشخصيات لها دلالاتها فهى مبروك وزينب ودافيد وحنا .
يبدو أن قضية العلاقة مع الآخر هي القضية الأكثر إلحاحاً فى مسرحيات الكاتبة ملحة عبد الله فهى تطرح القضية ولكن بشكل آخر في مسرجية " شق المبكى" من خلال أسرة عربية تقيم في بيت , هذا البيت به شق في جداره ومن خلال إشارات ذكية من الكاتبة نعرف أن هذا الشق ليس شقاً مادياً في جدار البيت فحسب بل إن الشق موجود أيضا في كيان الأسرة فالشق هنا شق حضارى بركنيه المادى والمعنوى وهنا تطرح الكاتبة القضية من خلال أسلوب درامي فني . كيف يمكن معالجة هذا الشق الذي إن اتسع يمكن أن يهدم البيت على رأس أصحابه وإن تم العلاج بأسلوب خاطئ فسيكون له المصير نفسه . سؤال شائك يفرض نفسه على واقعنا العربي الراهن بل إنه محور حركة فكرنا المعاصر .
أبو سالم وسالم وصبح , هذا الأب يعامل سالم معاملة طيبة بينما يعامل صبح معاملة جافة والتفريق في المعاملة بينهما ناتج عن موقف عدائي من أم صبح , فالعلاقة بين الأب والأم تلقى بظلالها على معاملة الأب للأبن صبح وهذا الشق غير المادى بالإضافة إلى الشق في جدار البيت وهو الشق المادى . والطريف أن الأب يقسم الناس في هذا البيت طبقاً لترتيب الأدوار فلا يجوز لشاب في الدور الرابع أن يتزوج من فتاة تقطن الدور العاشر إنه تقسيم مادي لا يكترث بالمستوى الحضاري وهذه إحدى كوارثنا يأتي هلال الذي غاب عن الديار طويلاً ويبدو أن سالم توسم فيه البطل العائد الذي يحل المشاكل بلمسة سحرية فهو العائد من بلاد الغربة وهلال يعيش في الخيال ولا يكترث بالواقع فهو يقول : إن مجرد قلم رصاص على ورقة بيضاء يمكن أن يجعلها قصراً فاخراً يعتقد الأب أن هلال قد عاد بثروة ضخمة من الخارج وهنا يقول الأب " لنفسه " يبدو أن هذا الولد يمتلك نصف المدينة ونحن لانعرف لهلال أهلا ... أهلا يا هلال ... أهلا يا هلال وسهلا ... القهوة يا سالم كما أن الأب يتطلع إلى المادية الغربية في مواجهة الابن الذي يحافظ على الروحانية الشرقية ويتبلور ذلك من خلال هذا الحوار:
4
الأب: لن يصلح أحد منكم كرجل أعمال ناجح ... هذه العواطف السفيهة والأفعال الصبيانية ليس لها في قلب وتفكير رجال الأعمال مكان .
صبح : ملعونة تلك الأعمال التي تقطع بيني وبين أخوتي سأترككم لشأنكم وأعود .
وهنا يضع الأب الأمل في كل تقدم وإصلاح في هلال وأصحابه من الخبراء الأجانب فكانت النتيجة هي الخسران المبين ولم يحقق أي إنجاز أو نجاح وهنا إشارة ذكية مفادها أنه لابد من الاعتماد على أنفسنا والأبتعاد عن الأماني البراقة والمشروعات الوهمية , فالحل لابد أن ينبع من أنفسنا وبالأعتماد على ذواتنا وأن الوصفة الخارجية ليست خيرا في جميع الأحايين .
وقد جاء ذلك من خلال بناء مسرحي يعتمد على حوار فصيح وعلى بناء شخصيات , كل منها تمثل اتجاها فكريا يختلف عن الآخر ومن ثم حفلت المسرحية بالتنوع والتعدد الفكرى في إطار من الصراعات الرئيسية والفرعية إلا أن الحوار الفصيح في هذه المسرحية لم يكن موفقاً أحياناً .
ومن المسرحيات المدهشة حقاً مسرحية " عالم .... يفط .... يفط " وقد نجحت الكاتبة في أن تمسك بجماليات الحوار الذي جاء بالعامية المصرية وجاءت أحداث المسرحية داخل حي شعبي من الأحياء الشعبية المصرية ويبدو أن إقامة الكاتبة فترة طويلة نسبية في مصر قد مكنها من الإلمام بمفردات العامية والتعرف على أسرارها , ومن خلال نماذج إنسانية غاية في الثراء مثل عكوة الجزار وعضمة صبيه ونفخو العجلاتي وبطل المسرحية ومحورها الأساسي حسونة وزوجته عزيزة ومدينة الملاهي ومن يعمل فيها.., وشخصيات المؤسسة التي يعمل فيها حسونة ويمثل حسونة في المسرحية نموذجاً للبطل الشعبي الذي يعاني من القهر ومن ظلم الآخرين ونقطة التحول هنا في صيرورة هذه الشخصية الوديعة المغلوبة على أمرها المسالمة إلى شخصية تملك مقومات شخصية الفتوة لقد انكسر حسونة أمام الجزار والبقال والعجلاتي وكل أبناء هذا الحي الشعبي , ويبلغ الانكسار قمته عندما يحدث أمام زوجته بل وأمام أمه .
عكوة : جاتك خيبة هو أنت بتعرف تفك الخط .. بس الواد حسونة ده لو سمع كلامى
ويشتغل عندى .
عضمة : يعمل أيه يا معلم ؟
5
عكوة : يعمل أيتها حاجة متعلم ومتنور إن شاء الله يقرأ لى الجرنال وإلا عزيزة مراته دى مش فى الحتة كلها يا خسارتها فيه ... هذه هى مكانة حسونة قبل أن " يتفتون " أى يصبح فتوة ولكن تغير الحال بعد أن امسك بيديه كل الأمور التي تتعلق بكل الناس الذين كانوا يضطهدونه .
عندئذ أدرك من وجهة نظره أن القوة هي جواز مروره لفرض احترامه على الآخرين , وتحدث نقطة التحول في مدينة الملاهي عندما يتقمص دور الشبح مخاطباً الشاب الذي كان برفقة زوجته .
الشاب : وأنت تعرف حسونة منين ؟
الشبح : اسمع اللى باقولك عليه مالكش دعوة بمرات حسونة
الشاب : أنا اللي خليتها نيلة ... أنت اللي خليتوها نيلة أنت وأهل الحتة كلهم الطمع ملا قلوبهم حتى مراتى طمعانين فيها , عنده حق عثمان .. أنا من النهاردة هاكون بنى ادم تانى حسونة الطيب خلاص مات وأنتم اللى موتوه بأيديكم ... حسونة الجديد حسونة ياخد حقه بدراعه
الشاب : حسونة
الشبح : أيوة حسونة .. حسونة اللى أخذتوا منه كل حاجة .. حسونة القوى المفترى .. شركم ها قابله بشر ألعن منه ... أه يا بلد تخاف ماتختشيش كل شيء إلا بالشرف .
جاءت المسرحية من خلال بناء تقليدى يحتفى بطرح القضية وبناء الشخصيات والمحافظة على خط الصراع الرئيسى فى المسرحية وتنطلق المسرحية من خلال عرض أسماء اليفط التى تشى بالعنف والاستعلاء والتي هى في حقيقتها تحقق لأصحابها محاولة لاكتمال النقص فى شخصياتهم وتنتهى بالتخلص من هذه " اليفط " وهذا الرمزيعنى التلازم بين سلوكيات الناس وثقافاتهم , لقد جاء البناء مكتملا وجاء الحوار معبراً تعبيراً واقعياً ونفسياً عن كل شخصية وناقلا للأحداث .
نجحت الكاتبة فى رسم الشخصيات , شخصية " عزيزة " زوجة حسونة هى الأنثى الجميلة الجذابة الفاتنة التى تحرك مشاعر الرجال ولكنها فى الوقت نفسه هى المهرة العنيدة التى تستعصى على الخضوع لأية شخصية مهما كانت سطوتها , إنها شجاعة وقوية ومثيرة
6
وهذا ما جعل " عكوة " الجزار يتقول عليها ويحيك الشائعات لأنه فشل رغم محاولاته الكثيرة أن ينال منها شيئاً , ولم يستطع حسونة أن يدرك تلك الحقيقة في البداية وقد تعرضت عزيزة لظلم حسونة أيضاً بسبب ذلك , أرادت الكاتبة بهذه التسمية بأنها عزيزة وأبية على أية محاولة وجاءت شخصية " حسونة " فى بناء يتصاعد دراميا أي شخصية نامية فقد بدأت ضعيفة ومسالمة وخاضعة لكل ما يملى عليها ثم تحولت إلى مرحلة الفتوة بكل ما فيها من قوة وغلظة وبطش وسيطرة إلا أنه يعود فى النهاية حسونة الطيب المسالم الذى يحب الجميع ويكره أن يعيش معزولا عن الناس مهما كانت درجة سيطرته وهيمنته , وكل درجة من درجات التحول جاءت متفقة ومتوائمة مع كل موقف درامى .
إن مشاكل وهموم وسلبيات هذا الحى الشعبى هى تجسيد لمعظم ما نعانى منه وخاصة فى سيطرة الأقوياء على الضعفاء وتحايل الضعفاء على المجتمع , لقد طرحت الكاتبة تلك القضايا فى غير وعظ أو مباشرة بل جاء ذلك من خلال صياغة فنية وقالب مسرحى محكم وبناء درامى متوازن . كما أن الوعى بحركة المجتمع هو الأساس فى أى تغيير وهذا ما أشارت إليه الكاتبة بذكاء لأن الذى أحدث التغيير هو حسونة والذى كان قد نال قسطاً بسيطاً من التعليم كما أشار الجزار بأنه " متنور وبيعرف يقرى الجرايد " إذن التعليم هو محور تغيير المجتمع والوعى سلاح لكل من أراد الإصلاح والتأثير فى الناس.
نفخو : شفت حسونة أزاى قدر يطوى الناس دول كلهم تحت باطو ... والله أنا طول عمرى بقول عليه ما جابتوش ولادة .
نلاحظ أن أسلوب كتابة هذه المسرحية يجمع بين الملهاة و المأساة بين الكوميديا والتراجيديا ويمكن أن نضعها فى إطار الكوميديا السوداء الكاتبة تختار موضوعاتها جيداً وكما يقول الناقد الكبير الراحل الدكتور على الراعى " فالموضوع الجيد فى المسرحية ضرورة من ضروراتها , شأنه فى ذلك شأن النغم الجيد فى القطعة السيمفونية .. ففى الموسيقى تعتبر النغمة الجيدة هى تلك التى تحمل فى جوفها توليدات عدة لألحان موفقة . فما كاد يعثر عليها الموسيقى حتى يجدها كالحبلى بالتخريجات التى يستطيع أن يملأ بها حركة سيمفونية بأكملها فى حين أن النغمة الرديئة تولد صماء جوفاء عاقراً عقيماً يحاول الموسيقى أن يستخلص منها شيئاً .. كذلك الموضوع المسرحي الجيد هو ذلك الموضوع الغنى الذى ما يكاد يلمسه المؤلف حتى يفيض بين يديه بالمواقف المتجددة والأفكار الطريفة والشخصيات المتنوعة حتى ليحس معه أنه ينمو
7
بالمعالجة ويكبر ويزدهر كالشجرة المباركة التى تتهيأ للإثمار الكثير " الهموم السياسية بأبعادها الاجتماعية والثقافية تسيطر على معظم أعمال الكاتبة .
وفى مسرحية " الحجلة وعين العفريت " تطرح الكاتبة قضية مهمة جدا وهى موقفنا من التراث الشعبى أو الموروث الشعبى وأفضل أن يكون المصطلح الثقافة الشعبية لأن التراث أو الموروث هوكل ما تركه الأسلاف للأخلاف من ميراث مادى مثل الآثار أو موروث يرتبط بالعادات والتقاليد وهذا الموروث عندما يأخذ طابع الاستمرارية والفاعلية عندئذ يمكن أن نطلق عليه الثقافة الشعبية , وتطرح الكاتبة فى هذه المسرحية سؤالاً مهماً وهو هل نأخذ هذه الثقافة كما هى دون تغيير أو غربلة ؟ أم يكون لنا موقف نقدى يعتمد على وعينا باللحظة الراهنة حتى يكون هذا المأثور عامل بناء لا معول هدم , وقد جاء هذا الطرح من خلال هذه المسرحية القصيرة المثيرة للفكر والوجدان , فهذه اللعبة " الحجلة وعين العفريت " وهنا يكون دور شاعر الربابة دور الراوى الذى يمهد للأحداث ويعلق عليها وهنا تطلب منه شلبية أن يحكى حكاية خضرة والعفريت .
شلبية : عايزاك تقول كلام يثير القلوب والعقول وما يثير العقول إلا ما يوجع القلوب حكاية دبشة إنما حكاية ...قالوا فى الأمثال اللى يلعب الحجلة ما يخاف من عين العفريت .
بعض الأولاد يعتقدون بأن الذى يقع فى عين العفريت تلبسه العفاريت وتسخطه أما خضرة فإنها لا تخاف من العفاريت .
خضرة : أنا عمرى ما أخاف من عفريت حتى لو كان مارد ورجليه تسبق الريح .
الولد يخاف من عين العفريت بينما البنت لا تخاف .. هل تقصد الكاتبة أن المرأة هى التى تقود المعركة ضد كل ما هو سلبى متسلحة بالوعى الذى يفتقده الرجل أحياناً ؟ ربما لأن خضرة هى التى تتبنى ذلك .
خضرة : بلاش جهل وتخاريف اللى يلعب الحجلة ما يخاف من العفاريت .
وهنا يعلق شاعر الربابة على هذا الحدث
شاعر الربابة : وقعت البنت الفصيحة
أم العيون المليحة
وياريتها سمعت نصيحة
ما تلعب الحجلة والقمر مخنوق
8
حاكم اللى يلعب الحجلة مايقع فى عين العفريت إلا لو كان خايف
وهذا طرح آخر أن الذى يخاف من عين العفريت هو الذى يقع فيها أو بمعنى آخر " اللى يخاف من العفريت يطلع له " , وتثير الكاتبة قضية الدجل من خلال هذا الحكيم ولننظر إلى هذه المفارقة .. الحكيم والدجل .
الحكيم : تجيبوا فرخة ما لهاش ريش , أيوة قرعة ما لهاش ريش ... تكون تجرى ما تمشيش ... وتجيبوا نعجة سوداء وليها قرون طويلة تكون رجليها القدمانية قصيرة والورانية طويلة وليها ديل .
نجحت الكاتبة فى توظيف المفردات الشعبية من خلال الشخصيات ومعهم الراوى واستطاعت توظيف الأفعال المسرحية فى صياغة صراع غنى بالدلالات وجاءت لغة الحوار سريعة ومركزة مما جعل إيقاع المسرحية يتسم بالسرعة , ويبدو أن الحل الذى طرحته الكاتبة جاء على لسان شلبية فى نهاية المسرحية وقد تمثل فى اقتلاع كل ماهو معوق من جذوره .
شلبية : لا يا رباب ... اللي يوقع في عين العفاريت تلبسه العفاريت وعشان نرجع اللي راحولازم نحرق عين العفريت نمحيها من على الأرض بلاش نخط الحجلة وإحنا عرفنا الحل ... معاي يا ناس .... أيوة أنت .... كل الجمهور اللي معانا أوقفوا ورايا نمسح من بعض خطوط الحجلة .
تنطلق الكاتبة إلى تجربة مسرحية أكثر جرأة وشجاعة على المستويين الجمالى والفكرى , لقد فجرت مجموعة من القيم المعرفية والجمالية جاء ذلك في مسرحية " ميت أراجوز " لقد ارتكزت الكاتبة على تيمة شعبية فى غاية الثراء وهى ثيمة الأراجوز بما فيها من قدرة على التخفى والترميز ومن ثم توظيف هذا فى معالجة قضية سياسية شائكة وهى العلاقة بين الحاكم والمحكومين فى وجود حاشية منافقة وفاسدة , ويبدو هذا فى الحوار الذى دار بين صندوق الدنيا والأراجوز .
صندوق الدنيا : طيب يا أخى اطلع انت خايف ليه مفيش حد خالص من العسس .
الأراجوز : قلبى حاسس إنك بتضحك عليا وها تطلع نصاب زى جناب السلطان
صندوق الدنيا : طب وبتغلط ليه فى جناب السلطان .
الأراجوز : نصاب وحرامى كمان .... أنت فاكرنى أيه ؟ هاخاف وألا أكش ؟
9
وهذه نقطة الهجوم فى المسرحية التى بدأتها الكاتبة منذ البداية وحين وصل ذلك الأمر
إلى جناب السلطان كان من البديهى البحث عن الأراجوز ومحاولة القبض عليه , الأراجوز بكلامه يحرض الشعب على السلطان ولابد من القضاء عليه بأى وسيلة , ومن ثم يبرز دور بطانة السلطان وهم سايب المسئول عن المالية وشفاط الوزير وجنزيرمسئول العسس خانة ومفقود مسئول العلاج خانة , كل واحد من هؤلاء لا يهمه سوى مصلحته الشخصية وتظليل السلطان وكل ذلك يدفع ثمنه الشعب , ويظهر ذلك من خلال هذا الحوار بينهم .
شفاط : قلت أخرس واربط لسانك يا سايب " سايب يرفع صباعه " عايز أيه سايب : إسمح لى تهاون وتقصير فى أداء الواجب بابن الأخ جنزير صدأ مش قادر يحكم على العسس خانة .
جنزير : جرى أيه يا أخ سايب مش قادر تمسك لسانك ولا أيه ...لأ ياحبيبى أنا أقدر أمسكوهولك وأربطه فى سقف حلقك .
سايب : أنت بتهددنى يا جنزير
جنزير : لا أنا بس حاول أوضح لك الصورة خليك فى حالك أحسن لك , فخط سيرك عندى وكل مليم فى الفلوس خانة عارف بيروح فين واللا عايزنى أتكلم وأفردلك الملاية .
ويتم البحث عن الأراجوز بل عن جميع الأرجوزات الموجودة في السلطنة , و لا يستطيع العسس أن يقبض على الأراجوز لأن معظم الشعب تحول إلى أرجوزات تنتقد السلطان فماذا يفعلون لإيقاف هذا الفعل الثوري الهادر ؟! وأثناء ذلك تنسج الكاتبة قصة حب ناعمة بين على ولوزة تدخلهما معا في نسيج المقاومة التي تؤدى في النهاية إلى تحول الصراع بين أعضاء البطانة .
السلطان:أنا السلطان يا جنزير
جنزير : وبعدين بقى . .. أنت لسه ما رجعتش لعقلك .
شفاط : هو ده السلطان ياجنزير ... بس خلاص بعد النهارده ما بقاش سلطان اللعبة دلوقتي بينا وبينك أنت مش ها تخرج من هنا أبدا .
جاء الحوار في المسرحية فى بعض أجزائها أقرب إلى الشعر وكان موائمأ للطقوس الشعبية التى حفلت بها المسرحية .
على " يقول للوزة" مش هخبى عليكى كنت بحس بصوت أنفاسك وأنتى واقفة من
10
وراية , كنت خايف حقيقى تظهر لكل الخلق لكن أنت لا , أنتى منى حته فيه جوا قلبى نور عينى , أنتى كلمه ما قلتهاش أنتى بسمة ما عشتهاش أنتى حنية زمان أنتى عطفة حب كان أنتى منى أنتى روحى أنتى أمى .
من خلال القراءة النقدية للمسرحيات الخمس ندرك هذا التنوع الفكرى فى طرح الموضوعات ومناقشة قضايا اجتماعية وسياسية متعددة وشائكة وتمت المعالجة الفنية من خلال أشكال تتراوح مابين الواقعى والشعبى والتجريبى , وتنوع اللغة بين الفصحى والعامية والمسرحية بين الطويلة والقصيرة , إنه مشروع مسرحى متكامل تضطلع به الكاتبة المسرحية المتميزة د .ملحة عبدالله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.