تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    فلسطين.. مدفعية الاحتلال تقصف شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة    تفاصيل الاتصال الهاتفي بين وزيري الدفاع الأمريكي ونظيره الإسرائيلي    موعد مباراة الأهلي ضد الهلال اليوم الإثنين 6-5-2024 في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    هشام يكن: خسارة سموحة محزنة.. ويجب أن نلعب بشخصية البطل ضد نهضة بركان    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    مخرج "العادلون": تقديم المسرحية ضمن المهرجان الإقليمي لفرق القاهرة الكبرى    حملات تموينية على المخابز السياحية في الإسكندرية    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    رضا عبد العال ينتقد جوزيه جوميز بعد خسارة الزمالك أمام سموحة    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام على الثورة: "وقائع يوم الحشر"
نشر في شموس يوم 30 - 06 - 2014

في الثلاثين من يونيو الماضي، عدت متأخرا جدا للبيت، كتبت ما حدث معي في الثورة، ونشرته على الفيس البوك.
وفي ذكرى هذا اليوم الجليل، أعيد نشر هذه المقالة مرة ثانية:
وقائع يوم الحشر 30 يونيو 2013
السماّح عبد الله
خرجت من بيتي بالطالبية فيصل، على ناصية الشارع كان الإعلامي شفيع شلبي يشرب عصير قصب، قال لي أإلى التحرير أم إلى الاتحادية، أخبرته أني ملتزم بمسيرة المعتصمين بمكتب الوزير الذين قرروا الذهاب إلى التحرير أولا، ثم يترك أمر الذهاب للاتحادية للتقدير الخاص، شفيع شلبي حالة وجهه مبتسمة على الدوام أو هكذا خلقه الله، فلا تعرف عندما يكون غاضبا إن كان غاضبا فعلا أم ضاحكا، قال لي أنتم المثقفون لا أمل فيكم وأخرج من جيبه منشورا أو بيانا وأعطاني كمية كبيرة منه وقال لي اقرأه ووزعه على رفاقك المثقفين، وليتكم من البداية كنتم معنا، كان المنشور يتحدث عن تأسيس دولة الشعب المصري من خلال دستور لكل المصريين، ارتكازا على الأسس والمعايير التي صاغتها مؤسسات شعبنا في وثيقة التوافق الوطني عام 1995، قلت له يا أبا شادي ليس هذا وقت الشقاق شوح بيده وقال كلاما غاضبا لكن وجهه المبتسم جعله كلاما غير غاضب، كنا قد وصلنا إلى شارع فيصل وعلى البعد كانت أعلام مصر تلوح وكأنها تغطي السماء كلها، قلت له أنظر يا صديقي هل ترى هذه المسيرة القادمة تهتف بسقوط دولة الإخوان، قال لي ومن أدراك ربما تكون تابعة للإخوان، أنا أيضا ذو وجه خلقه الله مبتسما، تماما كشفيع شلبي، قلت له غاضبا لا تجرؤ مسيرة إخوانية أن تسير أمام خلق الله هكذا، لحظات وبدأ الهتاف يصل إلينا:
"يا مرسي يا استبن حنرجعك السجن"
قال لي شفيع شلبي، تعال اركب معي هذا الميكروباص، قلت له وهل أترك مسيرة بهذا الحجم؟، قال لي لا فائدة منكم أيها المثقفون، ونط في ميكروباص مزدحم ليس فيه مكان خال والناس متشعلقة فوق سطحه وعلى خلفيته، اندسست مع المسيرة ورددت معهم :
"اصحى يا مرسي وصحي النوم النهاردة آخر يوم"
اتصل بي الشاعر الكبير الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي، كان من المستحيل أن أستمع إلى صوته أو يستمع إلى صوتي في هذا الحشد العالي الصوت، تسللت إلى شارع جانبي مبتعدا قدر الإمكان عن دوشة المسيرة، كان رنين الهاتف قد انقطع، فطلبته، قلت له أين أنت الآن؟ قال راجع حالا من ميدان التحرير ولن أستطيع النزول مرة أخرى اليوم لأنني لا أستطيع أن أمشي، وقد كنت في ميدان التحرير جالسا على كرسي، ثم أردف ضاحكا :
هل تعرف ما هو الهتاف الذي كان يقوله الثوار اليوم في الميدان؟ قلت له : ما هو ؟ قال :
"المصري مية مية يا مرسي يا ابن سنية"
تمنيت له أوقاتا طيبة وطلبت منه أن نجتمع قريبا فوعدني بترتيب هذا الأمر مع بقية الشعراء، عدت إلى المسيرة لم تكن المسافة بيننا قد اتسعت، وعندما لحقت بها وجدت السيارات التي تعبر الطريق بجوارنا توزع علينا زجاجات المياه، كان من نصيبي واحدة، رششتها على رأسي وتي شيرتي الأحمر، كان الجو حارا جدا، ثم تقدمت إلى بداية المسيرة وهتفت بصوت عال :
"المصري مية مية يا مرسي يا ابن سنية"
تعالت الأصوات تردد هذا الهتاف الجديد على مسيرة فيصل
عندما وصلنا إلى شارع العشرين كانت هناك مسيرة أخرى أكبر من مسيرتنا، ويبدو أنهم قد رأونا قادمين فانتظرونا، وعندما التقينا صافح بعضنا بعضا وقبل البعض البعض الآخر وكأننا أصحاب قدامى، مشى قادة مسيرتنا مع قادة مسيرة شارع العشرين، وابتدأ الهتاف يأخذ شكلا تنظيميا أكثر
في محطة المساحة وجدنا ضابط شرطة راكبا موتيسيكلا ما أن رآنا حتى بدأ يطلق سارينة موتيسيكله، وما أن رأيناه حتى بدأنا نهتف الشعب والشرطة إيد واحدة، ولففنا حوله فأوقف موتوسيكله ووقف على إسفنجة مقعده الخلفي بقدمه اليمنى ووضع قدمه اليسرى على الجادون ورفع يده بعلامة النصر وهو يردد معنا الهتاف الشعب والشرطة إيد واحدة، ثم أخذ يرقص وهو على الموتوسيكل، لم يكن رقصا موقعا كان رقصا ارتجاليا أقرب للهرجلة منه إلى الانتظام، فازداد حماس الهتافين وقفز أحدهم ليقف إلى جواره ويحتضنه ويقبله، ونزل، ورأيت الضابط يضع يديه على عينيه كأنه ينشف دموعه، ويبدو أن نعومة أصابعه لم تقم بهذا الأمر كما يجب، فمسح عينيه بكم بدلته البيضاء، وواصلنا المسيرة والضابط بموتوسيكله وراءنا وأمامنا وحولنا يحوم كما الحارس الفرحان
في أول فيصل كانت مسيرة أخرى أكثر ضخامة من مسيرتينا معا في انتظارنا، كانت مليئة بالفتيات، لو كنت ساكنا في الدور الحادي عشر من برج على أول فيصل لاستطعت أن تبصر كما لانهائيا من البشر بدايتهم تفرش بداية كبري فيصل وربما تكون نهايتهم عند محطة المساحة، عبرنا الكبري إلى شارع الجامعة، الأرض كلها مفروشة بالثوار، عليك أن تكون نازلا من مهبط الكبري لترى هذا المشهد، كانت الأرض مرشوشة بشرا لا يمكنك بحال من الأحوال أن تقدر أعدادهم، حتى أن المسيرات كلها توقفت عن المسير، لقيت سيارة شاهين ينادي قائدها صائحا :
التحرير التحرير، اللي عاوز يشيل مرسي، اللي عايز يشيل المرشد
ركبت بجواره وفي المقعد الخلفي جلس ثلاث رجال وامرأة منتقبة، وكأننا مازلنا في المسيرة فواصلنا هتافنا، كانت المرأة المنتقبة في قعدتها المزنوقة في الكرسي الخلفي تخرج وجهها من النافذة وتلوح بعلم مصر، وتهتف بصوت عال، صوت ليس بعورة، صوت قوي حاد واضح صريح
يسقط يسقط حكم المرشد
ونحن نردد وراءها، أمام كبري الجلاء وعند تمثال طه حسين كان من المستحيل على أي سيارة التحرك، نزلنا، الميدان كله ممتليء عن آخره استطعت التسلل حتى وصلت للكبري، كانت عربات المحطات التليفزيونية تزيد الأمر صعوبة، وبدأنا نخطو ربما تستغرق الخطوة الواحدة أكثر من دقيقتين، ما أن وصلنا ميدان التحرير حتى فقدنا تماما السيطرة على خطواتنا، تصبح عندما تصل إلى الميدان مسيرا لا مخير، تقودك الجموع تريد أن تذهب إلى أقصى اليسار فتجد نفسك محدوفا، وأنت اليساري المتمرس، إلى أقصى اليمين، لا تستطيع في ميدان التحرير وبدون أي مبالغة أن تجد سنتيمتر واحدا خاليا، والذي يفقد توازنه ويقع الأرض لا تقوم له قومة، الطائرات فوقنا تحوم وكأنها تباركنا، مجرد مرورها كان يصيبنا بالفرح إنها طائرات قواتنا المسلحة الحبيبة إلى قلوبنا، يا لصوت أزيز هذه الطائرات، لكأنه يرد علينا صفاراتنا التي ننفخ فيها رافعين في أكفنا الكارت الأحمر المكتوب عليه ارحل
لمحت عن يميني عمار علي حسن مزنوقا زنقة لا يعلمها إلا الله، لا أبالغ إذا قلت إنني ظللت أدور مع الدائرين أكثر من ثلاث ساعات كاملة دون أن أستطيع تحديد وجهتي بنفسي، وأخيرا أمسكت في رجل خشبة منصة الصينية وتشبثت بها، واستطعت من مكاني رؤية علم مصري شديد الطول يحمله رجال كثيرون، لاحظت أنهم يلفون به الميدان كله، قدرت أنني لو انضممت إليهم أستطيع أن أصل إلى مدخل أحد الشوارع الجانبية، ما أن اقتربت من مسيرة العلم اللانهائي حتى تسللت تحته، وظللت أمرق تحت سقيفته حتى وصلت إلى المقدمة، لم أستطع الدخول في محمد محمود ولا في باب اللوق لكن عندما اقتربنا من مدخل طلعت حرب رميت نفسي بين يدي أحد الهتافين فتلقفني في منتصف هتاف
"يا مرسي يا عرة"
وقبل أن يكمل:
"الثورة مستمرة"
كنت قد تشبثت بحبل ربطوه في عمود النور وبداية السور الحديدي، وبمهارة لا تناسب خمسينيا نططت من فوق الحبل كلاعب سيرك ماهر، لمحت بجواري مباشرة أمير سلامة يمشي بالورب، أي بكتفه الأيسر ثم يفسح لبقية جسمه مجالا ليكمل، استطعت أن أناديه واستطاع أن يرد عليّ، كانت رجلاي قد كلتا تماما، وكنت فقط أريد أن أجلس على حجرة رصيف أو سلالم عمارة، ولكن أنّى لي هذا في يوم الحشر؟
وهكذا ظللت أتسحب بالملليمتر – لا تظنني أيها القاريء الكريم مبالغا – حتى وصلت ميدان طلعت حرب، كنت أظنه الخلاص فإذا به المشكلة، الميدان عن بكرة أبيه لو رششت عليه غربال ملح ما سقطت حبة منه على الأرض، بيني وبين أتيلييه القاهرة خطوات قليلة تحتاج لمعجزة لكي أخطوها، لففت مع اللافين، لا إراديا وفجأة لقيت نفسي أمام مكتبة مدبولي مباشرة، أسندت ظهري للحائط ووقفت، وظللت أتسحب شيئا فشيئا حتى وصلت بأعجوبة إلى مدخل كريم الدولة، كان آتيلييه القاهرة مغلقا، صرخت في لا أحد
"لماذا يغلقونه اليوم؟"
رد عليّ مجدي السعيد:
إنه مغلق طوال أيام الخميس والجمعة والأحد، صافحته وقبلته، وقلت له إننا في ثورة 25 يناير كنا نبيت فيه وكان يفتح أبوابه أربعة وعشرين ساعة، طمأنني أنهم سيفتحونه بدءا من الغد، لقيت الشاعر محمد سليمان قادما نحونا، قال لي : كان معي محمد آدم وعبد العزيز موافي ولكنهما ضاعا مني في الميدان، كنا قد عثرنا على ما يشبه العتبة فجلسنا عليها، حكيت لمحمد سليمان عن قصة إغلاق الآتيلييه في وقت لا يجوز فيه الإغلاق على الإطلاق، فذكرني مجدي السعيد أننا كنا نبيت فيه أيام الثورة وأن النساء كن يبتن في الطابق العلوي والرجال في الطابق الأرضي، قلت له أن هذا الأمر بالرغم من أنه يتنافي مع نظرية المساواة إلا أنه كان مقبولا ليتهم فعلوه اليوم وأراحونا، قالت لي فتاة كانت تسير مع رفيقاتها أتفق معك تماما المرأة مساوية للرجل تحيا المساواة،
قلت لها هل يرضيك أيتها الأخت الفاضلة أن تكون النساء فوق والرجال تحت ؟ هل هذا منطق؟
قالت :
لا، نحن نطالب بالمساواة
ضحك محمد سليمان وقال
فلتحيا المساواة
اتصلت بالدكتور أحمد مجاهد أسأله أين أنت قال أنا عائد لتوي إلى مكتب الوزارة بشجرة الدر، تعال الآن لنشرب شيشة ونكمل يومنا كعادتنا، أخبرته أنني سأفعل ولكن بعد قليل
قابلت الصديق جودة رفاعي وقلت له تعال اجلس معنا، قال لي معي أصحابي وليس من اللائق تركهم، قلت له وأين هم قال في ميدان التحير، قلت له بل ليس من اللائق إلا أن تتركهم في يوم الحشر، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لا من أصدقائه الذين في ميدان التحرير، لكنه كان ملتزما التزاما أخلاقيا أظنه سيكفر به ما تبقى من عمره
اتصل بي الشاعر الصديق أشرف عامر الذي أتي بوفد من مدينة الرحاب يربو على العشرين رجلا، وقال لي سنلتقي في ميدان التحرير، قلت له :
لا تدخل ميدان التحرير فإن فعلت فلن تستطيع الخروج، لم يستمع لنصيحتي، إذ كيف يشارك في الثورة دون الذهاب لميدان التحرير؟ وبالرغم من منطقية سؤاله إلا أن الشعب المصري الذي فاجأ الكون كله بهذا الخروج التاريخي في لحظة واحدة قلب كل نظريات المنطق المعمول بها، قلت له :
ذنبك على جنبك وقد أعذر من أنذر، وقدر لرجلك قبل الخطو موضعها، وعلى نفسها جنت براقش، وفي التأني السلامة وفي العجلة الندامة، هذا غير عدد آخر من الأمثال والحكم الكثيرة زودته بها لكي أبريء ذمتي أمام الله والمجتمع والناس
أخبرنا أحد الأصدقاء أننا نستطيع أن نجد لنا كراسي في قهوة صالح صرخت فيه :
هل أنت متأكد يا رجل ؟
أكد لي أنه متأكد ولكي يدلل على صحة كلامه قال لي :
بالأمارة ستجد هناك سعد عبد الرحمن ومحمد أبو المجد، انتفضنا واقفين، وخرّمنا من الشوارع الجانبية حتى لقينا أنفسنا وجها لوجه أمام قهووة صالح بشارع شامبليون، أشار لي الصديق الشاعر سعد عبد الرحمن، كانت مائدته مكتظة بالصحاب محمد ابو المجد وابنته ماهي الجميلة ومحمد كشيك وعادل سعد وكانوا يأقول أطباق الفول والطعمية التي تليق تماما بثورة المصريين، لكن أغرب ما كنت أواجه من أصدقائي طوال الجلسة هو هذا التحول الإخواني الغرائبي لمبدعي هيئة الكتاب الذين إذ فجأة صاروا يدافعون عن مرسي ويطلبون منحه مدته الشرعية والدستورية، لم أجد ردا، هل من المعقول ألا يمثل هيئة الكتاب في ثورة مصر الكبرى إلا رجل واحد فقط؟، لكن الصديق سعد عبد الرحمن أكد على أن هذه المرحلة هي مرحلة الفرز الحقيقية
اتصل بي الصديق الشاعر محمد أبودومة ليخبرني أن مظاهرة كبرى تجوب الآن شوارع طهطا، يا سبحان الله، أخيرا طلع لسوهاج حس في الثورة، طلبت منه أن يؤكد لي الخبر، وأن الأمر أمر جد ولا مجال للخيال الشعري فيه، فأكد أن الحدث من فعل الواقع وليس من نسج الخيال، وطلب مني أن أحادث بهاء الدين رمضان الذي يسير معه في المظاهرة، قلت في نفسي، كمان بهاء الدين رمضان، المدافع عن مرسي يسير في مظاهرة تطالب بإسقاطه، لكن بهاء أكد لي أن لمحمد أبودومة تأثيرا كبيرا عليه حتى أنه تحول بقدرة قادر من فلولي أصيل إلى ثائر حداثي، قلت سبحان مقلب القلوب، اتصلت بي الشاعرة أسرار الجراح وسألتني :
أين أنت؟
قلت لها:
على قهوة صالح
قالت :
سأمر على ميدان التحرير
صرخت فيها :
أوعي
أسرار الجراح رغم عنادها إلا أنني في النهاية أستطيع إقناعها، سمعت الكلام وجاءت فركبت معها وذهبنا إلى مكتب وزارة الثقافة بشجرة الدر بالزمالك، قال لي صديقي: حلمي حسان:
وهل مازلتم مصرين على موقفكم من علاء عبد العزيز؟
ضحكت وقلت له :
يا صديقي الموضوع أكبر من السيد المبجل علاء عبد العزيز، ها أنت تراه معلقا على مدخل الوزارة وعلى رأسه كازارولة الطبيخ، هو أهون حتى من أن نفكر فيه الآن، نحن على أعتاب ثورة كبرة ستطهرها بالكامل من الاحتلال الإخواني
قضينا في ردهات مكتب الوزير الممنوع من دخوله بأمر المثقفين النبلاء منذ الخامس من يونيو ولا أظنه إلا أنه سيظل ممنوعا ولاجئا في مكتب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور جمال التلاوي، وسيظل رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب لاجئا في مكتب رئيس تحرير مجلة فصول، ولا أعرف لأين يمكن أن يلجأ رئيس تحرير مجلة فصول، أتى المعتصمون بتليفزيون 21 بوصة ووضعوه على يمين الداخل إلى مكتب الوزير وافترشوا الأرض يتابعون المشهد الكوني الغرائبي في ميادين التحرير بمحافظات مصر كلها، مشهد لا أظن إلا أنه سيظل عالقا في أذهاننا إلى الأبد، مشهد لا أظن أن مصر شهدت مثله ربما في تاريخها كله، حتى ثورة 25 يناير لم يبلغ أعداد الناس الذيم خرجوا في أي من جُمَعِها المتوالية مثل هذا العدد الذي خرج اليوم
جلسنا على الرصيف الموازي لسور مكتب الوزير والمجاور لنصبة الشاي التي نُصِبَت من تلقاء نفسها كما تنصب الخيام في الميادين، طلبنا أنا وأسرار الجراح كشري دليفري وانضممنا إلى جلسة السينمائي الفنان سمير كامل والفنانة المخرجة التسجلية اللبنانية نبيهة لطفي والمطربة أسرار الجمال، أنشدنا شعر صلاح جاهين وكفافي وغنت أسرار الجراح من أغانيها وأغاني أسمهان وأم كلثوم، وغنت أسرار الجمال أغاني العرس، وشربنا الشاي والقهوة والبيبسي، اتصل بي الصديق الشاعر أشرف عامر، ضحك ضحكته الكبيرة وقال لي:
أخيرا استطعت الخروج من ميدان التحرير
كان معه الصديق الدكتور شاكر عبد الحميد، أعطاه لي، فسلمت عليه وضربنا مواعيد أتمنى تحقيقها، لم أكن نمت من يومين، اصطحبت معي الشاعرة أسرار الجراح التي تسكن بالقرب مني وعدنا
كانت كل السيارات فرحانة، وكانت كل الشوارع فرحانة وكانت كل المصابيح فرحانة، وحده السيد الرئيس محمد مرسي عيسى العياط في راديو السيارة، كان يصرح على لسان متحدثه الرئاسي بأنه لن يلتفت إلى مطالب لا تتفق مع روح الدستور والقانون
قلت له :
"خليك في نفسك" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.